- د. عادل الشرجبي
مرت خمس سنوات منذ بدأت الحرب، وأربع سنوات منذ أوقفت السلطة “الشرعية” برئاسة الرئيس عبد ربه منصور هادي صرف مرتبات موظفي الدولة في المحافظات الشمالية، والحقيقة أن الرئيس “الميت الحي” هادي أشبه برئيس فخري، لا حول له ولا قوة، وهو شخص لا يحل ولا يربط، ولو لم يكن كذلك لما عينه الرئيس المخلوع الديكتاتور علي عبدالله صالح نائباً له، ولما قبل توليه رئاسة الجمهورية خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت التوقيع على مبادرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية. على الرغم من ذلك فإن الرئيس هادي يتحمل المسؤولية القانونية عن عدم صرف مرتبات موظفي الدولة، باعتباره رئيس الجمهورية، بغض النظر عن سماته الشخصية وحالته الصحية وطبيعة علاقته برعاته السعوديين والإماراتيين ورعاياه من النخب السياسية والعسكرية الفاسدة، وبغض النظر عن مستوى فهمه وإدراكه وتقديره لما ينبغي أن تكون عليه علاقة الحكومة الشرعية بموظفي الخدمة المدنية بشكل خاص، وعلاقة الدولة بالمجتمع بشكل عام، أما رئيس الوزراء السابق أحمد بن دغر فيتحمل مسؤولية جنائية، حيث اشترط على من يريد مرتباته من موظفي الدولة في المحافظات الشمالية أن ينزح إلى عدن، يشاركه فيها خلفه معين عبدالملك الذي استمر في انتهاج ذات السياسة الغبية، التي لا تهدف سوى لإيقاف عمل المؤسسات التعليمية والصحية. تصور أحمد بن دغر أن هذه السياسة تشكل إحدى أدوات محاربة الحوثيين، جاهلاً بأنها سياسة تؤدي إلى تدمير قطاعي الصحة والتعليم، وتضر بالشعب اليمني عموماً. تخيلوا معي كيف كانت ستكون النتائج السلبية لو استجاب كل معلمي المدارس الأساسية والثانوية وأساتذة الجامعات لهذه السياسة الغبية، وأوقفوا العملية التعليمية في المدارس والجامعات خلال السنوات الأربع الماضية، وإلى أن تنتهي الحرب القائمة، التي لا يعلم سوى الله متى سوف تنتهي.
كان أحمد بن دغر يعتقد أنها مسألة مؤقتة، ستنتهي بانتهاء الحرب، وتحقيق حكومة “الشرعية” وجيشها انتصاراً عسكرياً على الحوثيين خلال بضعة أشهر، غير مدرك أن نظام الرئيس هادي “الشرعي” ورث نخب نظام علي عبدالله صالح المدنية والعسكرية، الفاشلة سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً، فهي نخب فاسدة ومتمصلحة ومسترزِقة، تسترزق من كل شيء، بما في ذلك الحروب، وليس أدل على ذلك من اقتصاد الحرب الذي أدارته خلال حروب صعدة الستة في الفترة ٢٠٠٤- ٢٠١٠، وفشلها في تحقيق أي نصر عسكري على جماعة الحوثي، التي كان عديدها بضع مئات من المقاتلين فقط، وعتادها الحربي مجرد بنادق ورشاشات متوسطة و قذائف “RBG”. لم يستطع عقل بن دغر محدود الملكات والفكر أن يدرك تلك الحقائق، ولم يستطع خلفه معين عبدالملك الأكثر جهلاً بالسياسية والأقل وعياً وثقافة، أن يصحح سياسة سلفه الغبية المتعلقة بمرتبات موظفي الدولة.
الرئيس هادي ونائبه الفاسد علي محسن ورئيسي الحكومة (الحالي والسابق) ومن معهم من الوزراء والنواب والمحافظين والمستشارين، لن يستطيعوا دخول العاصمة صنعاء، حتى لو انتصروا عسكرياً على جماعة الحوثي، فليس بمقدورهم مواجهة ثورة الموظفين الجياع، التي ستسير مسيرات مليونية حقيقية، تعترض دخولهم العاصمة صنعاء، وستكون ثورة أكبر وأوسع من ثورة فبراير ٢٠١١، فثورة فبراير بدأت بطليعة ثورية أو كتلة حرجة حسب مصطلحات أنطونيو غرامشي من عشرات المثقفين والطلاب وأساتذة الجامعات، أما ثورة الجوع فكتلتها الحرجة تتكون من أكثر من مليون موظف، وأكثر من ستة مليون من أفراد عائلاتهم، وبالتالي فإن انفجارها سيكون هائلاً، ولن تستطع نخب سرقة الثورات سرقتها، كما سرقت ثورة سبتمبر ١٩٦٢ وثورة فبراير ٢٠١١، ولن تستطيع إنقاذ شركاء جريمة تجويع موظفي الدولة، كما أنقذت علي عبد الله صالح و”الذين عملوا معه”، ولن يستطع المحمدان (بن سلمان وبن زايد) راعيا “الشرعية” الفاسدة إنقاذهم بمبادرة خليجية ثانية، فهما شريكان في الجريمة، فليس من المنطق أن يشاركا في القتل ولا يشاركا في الدية. قد تكون مسؤوليتهما، حتى الآن، أخلاقية، إلا أنها قابلة للتحويل إلى مسؤولية قانونية وجنائية أمام مؤسسات العدالة الدولية مستقبلاً، إذا لم يتداركا الأمور ويوفرا للحكومة “الشرعية” الموارد المالية اللازمة لدفع مرتبات موظفي الدولة للسنوات الأربع الماضية، ولا أشك بأن جيش الموظفين وفي مقدمهم المئات من أساتذة القانون الدولي، قادرون على تحريك دعاوى قضائية ضد السعودية والإمارات أمام القضاء الدولي، باعتبارهما دولتان وصيتان على الحكومة “الشرعية”.