- حسن عبدالوارث
أعتقد أن لكل كارثة من الكوارث التي تصيب البشر أو الطبيعة أو غيرهما من عناصر الحياة وأطراف الكوكب ، محاسن بقدر ما لها من مساوىء .
ومن المحاسن التي أجدها في انتشار وباء كورونا أنها كشفت لنا حقيقة التعليم والثقافة وأشكال المعرفة لدى بعض الكائنات البشرية . وكانت الحرب القائمة في بلادنا قد كشفت لنا أشياء من هذا القبيل . فشكراً للأوبئة والحروب !
ان طائفة ممن كنا نظنهم متعلمين – بل ومثقفين – جاءت هذه الجائحة لتكشف أنانيتهم المفرطة من جهة ، ومن جهة أخرى سقوطهم في مستنقع الجهل والغيب والخرافة ، وما عادت ثمة قيمة ولو في أدنى مستوياتها للعلم والعقل .
لقد ذكر الله – في مُحكم كتابه – كلمة ” عقل ” أكثر من خمسين مرة ، فيما لم يذكر مفردة ” مقدس ” سوى عشر مرات فقط .. غير أن بعضنا لا يفقه دلالة هذه الصورة الالهية !
ما علينا . خلّينا مع هذا المشهد اليماني الذي دعاني للكتابة اليوم :
- ” عُرسي عشان نفرح .. مش عشان نقرح ” !
هذه العبارة تضمَّنتْها الدعوة التي وجَّهها الشاب اليمني الأصيل محمد المشرة الى ذويه ومحبيه ليشاركونه فرحته بدخوله بستان الزوجية العاطر العامر .
أما أصل الحكاية أن محمداً أقام عرسه عبر تقنية البث المباشر في فيسبوك ، طالباً من أصدقائه وزملائه وأقاربه أن يشاركوه فرحة العمر بالاكتفاء بتهنئته عبر واتساب ، منعاً لحدوث المحذور الكوروني من توافد واحتشاد يؤدي بالضرورة الى انتشار فيروس الوباء القاتل .
يقول محمد في رسالته الى الجميع والمنشورة في حسابه الفيسبوكي : ” ان التضحية بيوم العمر شيء صعب ، لكنْ أن أبني فرحتي على حساب أحزان الآخرين غير صحيح وغير انساني ، وسأتحول من عريس الى قاتل مُحتَمل ” . وأشار الى أن دافعه الى اطلاقه هذه الفكرة الرائعة هو تحمُّل المسؤولية ومحاولة خلق نموذج واعٍ على أرض الواقع ، داعياً الآخرين الى التحلِّي بروح المسؤولية تجاه معاناة المجتمع في هكذا ظرف خطير .
وترافقاً مع وسْمَيْ ” الزفة الفيسبوكية ” و ” عرس في زمن الكورونا ” أختتم المشرة دعوته بلغة رصينة بل وحكيمة : ” اللي يحبني تكفيني تهنئتك ، رسالتك ، اتصالك ، حوالتك المالية . تحبني الزم بيتك أنا فدالك . معنا ألف مناسبة بنلتقي فيها لما نكون كلنا بخير . عرسي عشان نفرح ، مش عشان نقرح . وفرحتي يوم أشوف أحبابنا بخير ” .
وأثارت هذه المبادرة اعجاباً واسع النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي ، وقد تلقَّى صاحبها سيلاً من التهاني اثر بثه المباشر لوقائع حفل عرسه العائلي المحدود الذي أقامه في منزله .
ولكن هذا السلوك الرائع من شاب حكيم يقابله سلوك مشين من مسؤول حكومي لا أدري بماذا أصفه ، وهو ما دعاني الى كتابة ذلك المفتتح في مستهل هذا المقال . فقد أقام مسؤول كبير في وزارة الصحة – له علاقة وظيفية مباشرة بحملة مكافحة هذا الوباء – حفل عرس أنجاله بحضور حاشد للمدعوين وفي صالة احتفالية عامة ، ضارباً عرض الحائط بكل المحاذير والمخاوف التي يكيلها للناس والجهات في المجتمع ليلاً ونهاراً !
اذا أردتَ أن تعرف ماهيّة السلوك الحضاري ، ومعنى الحكمة اليمانية ، وهوية الانسان النموذجي ، فلن تلقى سوى اجابة واحدة … محمد المشرة .
( مقالي في موقع : يمن مونيتور )