- محمد ناجي أحمد
11 فبراير بين الظروف الموضوعية المعبرة عن توق الناس للشراكة السياسية وتحقيق المطالب الاجتماعية، وبين غياب الحامل السياسي المعبر عن الحاجة للتغيير.
كان الحامل السياسي الذي حدد أهدافه منذ انتخابات 2006 هو التجمع اليمني للإصلاح…
و حين تحركت عجلت الرفض الشبابي نحو إسقاط الأنظمة في تونس ومصر وسوريا وليبيا تحرك الشباب في اليمن منذ ليلة تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، وظلت ساحة الحكمة جوار جامعة صنعاء الجديدة، والتي سميت بساحة التغيير بعد ذلك، وساحة الحرية ، جوار محطة صافر، بعد انتقالها من شارع جمال بالاتفاق وتحديد السلطة المحلية للمكان- ظلت لأسبوعين تعبر عن رغبتها بالتغيير السياسي، دون حضور جماهيري وازن…
مع الأسبوع الثالث كان التجمع اليمني للإصلاح قد حسم خياره بالنزول إلى الساحات، وهنا تحولت الأعداد من العشرات والمئات إلى الآلاف، واتخذت مسيراتها تسمية(المسيرات المليونية) نقلا واستنساخا لتسمية الإخوان المسلمين المؤيدة للرئيس السوداني جعفر النميري في منتصف الثمانينات، حين أعلن ما سمي بقوانين الشريعة الإسلامية، التي تبناها الدكتور حسن الترابي وحركة الإخوان المسلمين في السودان.
اتخذت الساحات في اليمن شعار(دعوها فإنها مأمورة)لإلجام أي تفكير بمسار وخط وأهداف هذه المسيرات!
أن يكون إسقاط النظام مطلبا للقوى السياسية فذلك أمر طبيعي منذ سبعينيات القرن العشرين، فقد تحرك الناصريون والحزب الديمقراطي الثوري كلا على حده لإسقاط نظام 5نوفمبر 1967م من خلال التحرك داخل الجيش والأمن، وأن يتجه الإخوان المسلمون لإسقاط الرئيس علي عبد الله صالح، مع الحفاظ على أسس النظام ومكوناته ودستوره ورجالاته فذلك قد تحدد للتجمع اليمني للإصلاح منذ ما بعد الانتخابات النيابية 2003حين توجه نظام الرئيس علي عبدالله صالح نحو تقليص وجودهم التشريعي والتنفيذي وفي الجيش!
وفي الانتخابات الرئاسية والمحلية 2006 اختار رئيس التجمع اليمني للإصلاح الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ورئيس مجلس شورى الإصلاح الأستاذ عبد المجيد الزنداني انتخاب علي عبد الله صالح ، وفق قاعدة(جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفه)فيما اختار التجمع اليمني للإصلاح مرشحا رئاسيا مثله يومها فيصل بن شملان كمرشح للقاء المشترك، الذي كان يومها مظلة سياسية لتجمع الإصلاح أكثر من كونه لقاء جبهويا لعديد أحزاب.
لكن حركة الإخوان المسلمين منذ عام 2005 في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن توصلت مع الإدارة الأمريكية بواسطة دولة قطر-إلى تفاهمات واتفاقات بأن يكون التغيير السياسي للمنطقة لصالح الإخوان المسلمين، كونها الأقدر شعبيا على الحفاظ لما تسميه الدول الغربية بمصالحها في المنطقة العربية، وكذلك فيما يتعلق بالصراع مع إسرائيل، وما يتعلق بالتوجه الأمريكي وسط آسيا وشرقها.
وفي هذا السياق كان دعم إدارة بوش وأوباما لمؤسسات المجتمع المدني التي سارع الإخوان لتأسيسها لتكون إطارهم الحقوقي، وكان لناشطات حركة الإخوان المسلمين النصيب الأكبر من هذا الدعم والتوجيه.
مزجت هذه المؤسسات الدكاكينية التابعة للإخوان في نشاطها بين السياسي والحقوقي. واستثمرت المظالم في إطارها الضيق والمشخصن، كموضوع فلاحي الجعاشن في اليمن، وما سمته توكل كرمان بـ(مهجري الجعاشن)دون أن يتخذ هذا النشاط موضوع الحقوق إطاره الاجتماعي العام، أي المطالبة بتغيير الأسس القانونية لموضوع الشراكة للأرض والإيجار، والمزارعة، وظل الأمر في حدوده الضيقة، المحصورة بالشيخ محمد احمد منصور ومزارعيه!
جاءت 11فبراير 2011 وتحولت الساحات إلى أماكن للسمر ، وتناول الوجبات المجانية، ونمو المناشط والمنتديات الممولة بأغلبها من تنظيمات الإسلام السياسي، وتحرك المال الخليجي والإيراني في الساحات، ودعمت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا التوجهات الإسلامية مع تداخلات إيرانية ليست بالحجم المقتدر، باستثناء التوظيف المذهبي، كخطاب تجد الولايات المتحدة قدرة على استثماره والاستفادة منه ، وصولا إلى تسوية 28نوفمبر 2011، والتي كان للرباعية :الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات الدور المحوري فيها، وكان لعبد اللطيف الزياني أمين عام مجلس التعاون الخليجي ، والسفير الإماراتي دورا تنفيذيا ضاغطا على الرئيس علي عبد الله صالح، من أجل إنجاز تلك التسوية.
السؤال الذي يلح على القارئ طيلة أحداث 11فبراير 2011م :
هل كان للرئيس علي عبد الله صالح دور في تحريك أحداث 11 فبراير بما يتكامل مع رؤوس الثعابين، خاصة وأن طريقة تعامل النظام وأدوات عنفه ممثلة بالجيش والأمن والإدارة- كانت ناعمة وديمقراطية في جلها، إذا استثنينا الأيام الدامية في تعز وصنعاء ، والتي كانت تخدم تأجيج المشهد جماهيريا، وترفع من نسبة احتشاد الجماهير في الساحات؟
تعامل نظام الرئيس علي عبد الله صالح بنعومة مع نجوم الساحات، وكان ملفتا للنظر أن استخدام العنف سواء في ساحة الحرية بتعز، سواء بإلقاء قنبلة يوم الجمعة في الأسبوع الثاني او الثالث من الاعتصام في الساحة، أو الأيام الدامية المتتابعة في مواجهة المسيرات وصولا إلى إحراق ساحة الحرية، أو جريمة الجمعة التي سميت بـ(جمعة الكرامة) كلها كانت تصب في تأجيج ومراكمة الغضب الجماهيري واندفاعه للمشاركة والنزول إلى الساحات!
هل كان نظام رؤوس الثعابين والراقص عليها متكاملا في أدواره للوصول إلى النتائج التي تحولت بعد ذلك إلى مقدمات لما وصلنا إليه؟
ظني أن الأنظمة البوليسية حين تصبح فجأة مسالمة وناعمة وديمقراطية على غير عادتها فإن تلك النعومة في مآلاتها جزء من المؤامرة!