- حسن عبدالوارث
لا أدري لماذا تسعى أجهزة المخابرات دائماً الى ” تجنيد ” الصحافيين ؟
بالطبع أدري ، ولكنني أستهبل !
فالصحافي هو أكثر الناس قدرةً على استجلاب – بل واستحلاب – المعلومات بطرائق خاصة ومتميزة ، من دون اثارة أية شكوك ، باعتبار أن ذلك من صميم مهنته . ولأن المخابرات تعتمد كثيراً على المعلومات ، والصحافي خير من يمكنه أن يُزوّدها بها ، تقوم تلك العلاقة التكاملية الميلوبراجماتية بين الطرفين .
وفي كثير من الدول ، يتم تجنيد عدد غير قليل من الصحافيين لهذا الغرض . ومعظم هؤلاء الصحافيين يستمرىء المهمة أو يستحلي الشغلة ، فاذا به قد استحال من صحافي الى مُخبر ، حتى وانْ كان يقوم بهذا الشغل من أجل الوطن والثورة والدولة والشعب والطفولة والحدائق العامة !
وفي هذا البلد عديد من الصحافيين أشتغلوا – وبعضهم لايزال الى الآن – مع جهاز المخابرات . وبالطبع هؤلاء يكون شغلهم داخلي النطاق أو محلي المهام . لم يعملوا يوماً – مثالاً – على خطوط العدو أو خلفها أو في عمقه الأمني ونطاقه الاستراتيجي ، على غرار رفعت الجمّال ( رأفت الهجّان ) مثالاً .
والغريب أن هؤلاء يكونون معروفين تماماً لدى زملائهم وآخرين بأنهم ” جماعة الأمن ” لكنهم لا تهتز لهم شعرة أو تختلج لهم نبرة ، بل تجدهم – في حالات عديدة – يُفاخِرون بهذه الصفة !
…
تعرّضتُ شخصياً الى محاولتين لتجنيدي ..
أعتبرتُ ذلك يومها نوعاً من التحرُّش الأمني !
الأولى في عدن قُبيل الوحدة ، قام بها ضابط كبير جداً وصديق عزيز جداً ، مُبدِياً وسيلة استظرافية ونبرة ودِّية وبعيداً عن أية صيغة رسمية .
والثانية في صنعاء بعد الوحدة ، بدعوة ملتوية من ضابط كبير جداً أيضاً ولكن عبر صديق عزيز جداً أيضاً ممن يعملون تحت رئاسته المباشرة .
فلتُّ ساخراً من المحاولتين . لكن هاتين الواقعتين كشفتا لي قصصاً أخرى عن محاولات أخرى تعرَّض لها زملاء أعزاء . في الوقت الذي وقع آخرون في مصيدة التخابُر ( أو التعاون ، بحسب اللفظ المُحبَّب لديهم ! ) مع هذا الجهاز في عهود وأنظمة متواترة . بعضهم خشيةً ، وبعضهم رغبةً ، وبعص آخر لسببٍِ آخر ربما !
ان أجهزة المخابرات في دول العالم المُتقدِّم ” تطبخ ” الوجبة الأولى التي ينبغي تقديمها على مائدة القرارات السيادية العليا ، وتضع مداميك الاجراءات الاستراتيجية للدولة . أما في دول العالم المتخلف – وبضمنها بلادنا – فان طباختها تكون رديئة الصنعة وأطباقها نتنة الرائحة ، ولذا فانها تصنع مخبرين فاشلين ، وبالتالي تُنتج قرارات فاشلة .
سمع أحد هؤلاء المُخبرين الفاشلين مواطناً في مقهى يشتم نظاماً سياسياً لم يُسمِّه علناً ، فسارع بالقبض عليه . قال له الرجل أنه لا يشتم نظام هذا البلد وانما نظاماً آخر في أفريقيا الاستوائية . ردَّ عليه المخبر : لا تكذب ، فوالله أن الأوصاف كلها التي وردت في كلامك لا تنطبق الاَّ على نظامنا ! . أنتهت النكتة . أنتهى المقال .
- عن موقع : بلقيس