- ماجد زايد
يحتاج الكائن منا الى أسرتين في حياته، أسرة تصنعه وأخرى يصنعها بنفسه، هذا أهم شروط التوازن الفطري والمعيشي بين المنطق والعاطفة لكل إنسان، أسرة في بدايات العمر تهتم به وتبحث عنه وتخاف عليه، وأسرة لاحقة بعد سنوات الثلاثين يخلقها ويهتم بها ويحبها ويخاف عليها، لا يوجد إنسان ذكي واقعي ومتوازن يعارض هذه الضرورة الحتمية، تجاهل هذا الأمر في المحصلة يكون سببًا رئيسيًا في حالات الإنحدار النفسي السلبي والإستسلام التلقائي للحياة والإحباط المزمن والنوبات المتقدمة من الإضطرابات السيكولوجية والضعف الشديد في الشخصية، وفي علم النفس هي إحتياجات وضروريات مرتبطة بالفئة العمرية لكل إنسان، فمثلًا لا يفكر الشاب المراهق في سنواته الأولى بأشياء غير لفت الإنتباه والحصول على جرعة مينة من العاطفة، بعد سنوات المراهقة ومع بدايات العشرينات، يصبح باحثًا عن إثبات نفسه والتميز بين أقرانه، والحصول على وظيفة وعلاقات وإنشغالات، بعدها بخمسة أعوام -تقل أو تزيد- يفكر بشغف ورغبة لإيجاد فتاة يحبها ويتزوجها، بعد سن الثلاثين ينتهي التفكير بالذات ويأتي الأبناء ليشغلوا حيز الحياة والإهتمامات، هذه الإحتياجات الهرمية فطرية بالمنطق، هكذا تجري الأمور على طبيعتها، ولكن دائمًا ما يحدث الخلل عندما تتأخر عوامل صناعة الأسرة الشخصية لأسباب مرتبطة بالقناعة الشخصية أو بالتأخير والتسويف لتحقيق حلم لم يتحقق بعد، هذا يصبح بعد مرور السنوات الخمس بعد الثلاثين إنعدامًا تامًا في رغبة الحياة، بمعنى أنه لم يتحقق شيء ولم يحقق شيء، ولم يصنع ما يشغل حيز حياته ويحقق به حلمه ويعيش لأجله، ليس له أبناء يحبونه ويهتم بهم، ولم يعد هناك أب وأم وأشقاء متفرغون له، ولم يعد للإنسان في سنواته اللاحقه من الثلاثين أي إهتمام، هذا السن مخصص للأسرة والأبناء والإهتمام بهم، ومن لم يحقق إنجازه في خلق ما يعيش لأجله إنحدر في البقاء بلا رغبة ولا شعور، وهذا في النهاية مرضًا نفسيًا أو جنونًا أو إنتحار بالغ الصيت.