- حسن عبدالوارث
——— ( 1 ) ———
ظللتُ لأكثر من نصف قرن مزدحماً بالأصدقاء .
وكان الأصدقاء يتناوبون على المكان والزمان والوقائع والذاكرة . وقلتُ : ما أكثرهم !
وفي السنوات الخمس الأخيرة ، ظللتُ أراهم قد ذهبوا مذاهب شتى ، واتّخذوا مواقفَ وأخلاقاً شتى ، وغابوا . قلتُ : ما أندرهم !
عرفتُ أن الصداقة عُملة ، اذا هبطت قيمتها ، رخص الانسان ..
وكذبة ، اذا راجت في الأرجاء ، صدَّقها الناس وأنكرها الرأس ..
فلا تقل : ان فلاناً صديقي .. أو تزعم ان لك أصدقاء . ولا تعتقد بتوافر حالة الصداقة الاَّ في قواميس اللغة ونصوص الآداب والأحلام الرومانسية .
ان المواقف تكشف المعدن الرخيص من النفيس في النفس البشرية . وان الحرب تكشف .. وان السفر يكشف .. وان الأزمات تكشف ..
ويظل الزمن كفيلاً بسرد الصداقات في كتاب الحياة ، ورصد الأصدقاء في مجهر العمر .
واعرف أن أكثر أصدقائك حميمية هو … أنت !
———- ( 2 ) ———–
يتقاطرون الى المقبرة من دون وداعٍ أخير .
ثم يتقاطرون الى مجلس العزاء ليومٍ أو ثلاثة . ثم يصمت الجميع عن الكلام في مناقب الفقيد أو استذكار مواقفهم ودردشاتهم معه أو الدعوى له بالرحمة والمغفرة !
يتكرر هذا المشهد كثيراً خلال السنوات القليلة الماضية . وسيتكرر كثيراً خلال السنوات الكثيرة المقبلة . ولا جديد فيه سوى اسم الفقيد فقط . وماذا في حياتنا من جديد أصلاً ؟
منذ أن دهمت الحرب حيواتنا ، لم يعد ثمة جديد جدير بالذكر . صار الموت لعبة يومية ، والبهجة قيمة مفقودة ، والحب حالة قتالية . وانقسمت يومياتنا الى جبهات ومتارس وثكنات وكوارث .
ولقد ازدحمت المقابر في داخل الوطن وخارجه . صار الوطن مقبرة كبيرة ، ممتدة الى المهجر . وانقسم اليمنيون الى حالات محددة الاقامة في ثلاثة أماكن لا علاقة لها بالوطن البتة :
الخنادق ، الفنادق والمقابر ..
وصارت هذه الأماكن تنضح بالموت ، وانْ بصور مختلفة ..
غير أن الموت في اليمن له السبب نفسه الذي لم يتعدد ولم يتجدد .
يكفي أن تكون يمنياً لتستحق الموت بجدارة !
- يمن مونيتور