- سلطان العزعزي
لم تعد جبهات القتال وساحات الاحتراب تنفرد بتزويدنا باخبار الموت والقتل و من قضى نحبه هناك ومن ينتظر ،لم يعد الموت حصرا على مواقع المواجهة بالنار ، بعد ان تحولت كل اسباب الحياة والبقاء على قيدها ،الى واحدة من الاسباب التي تنفتح على الموت وتختطف الحياة ،حتى طرق السير والسفر صارت كمائن للغادين ذهابا وإيابا فمن نجا باعجوبة من رصاص المتقاتلين المتخندقين في مواقع المواجهة على حدود ومداخل المدن ،ومن نجا باعجوبة من قطاع الطرق والمتهبشين ،ومن نجا من الالغام والمتفجرات التي يزرعها المتخاصمون على جوانب طرق المسافرين كيفما اتفق،ومن نجا من قصف عشوائي للمتحاربين اوقصف جوي للطيران عند تنقله من مدينة الى اخرى،من نجا من حالة اشتباه من قناصة ورصاصات النقاط المنشرة على طول وعرض الطرق ،من نجا من السيول المفاجئة التي تنهمر فجأة لتجرف مركبات و عربات السير ومن بداخلها من البشر وهي تفتك بحياتهم ، ومن نجا من صخرة منزلقة من منحدرات الجبال والأدوية المطلة على طرق السفر التي تقتل حياة من كانوا بداخل وسائل النقل من المسافرين ، من نجا من كل هذه المخاطر تحولت أمامه الطريق إلى خطر حقيقي يهدد حياته بين لحظة وأخرى أما بسبب ارتباك السائقين من الاشتباكات المفاجئة التي تحدث بين اطراف الصراع اومن مخاطر النقط والتقطعات المنتشرة على الطريق أو بسبب الخوف والارتباك الذي يصيب السائقين جراء التفكير في هذا كله وماينجم عن ذلك من حوادث السير من الانقلاب أو الصدام …الخخخ، ومن حالفه الحظ ونجا من هذا كله تحولت الطريق أمامه إلى كمين ولغم يمكن أن يهدد حياة مركبات السير ومن بداخلها إلى إلى ركام واشلاء ، ومن نجا منهم يقتله نزيف الطريق وعذاباتها الطويلة للوصول لأقرب مستشفى ،ومن طال به العمر ووصل إلى المستشفى قد يقابله الموت بعد دخولها لعدم وجود مايكفي من العناية والتطبيب والأدوية او عدم وجود من يستقبل حالة طؤاري من هذا النوع، هذه واحدة فقط من أسباب كثيرة تقودك للموت ،أما بسبب عناء الطريق ومشقاتها ومسافاتها ، وأما بسبب سوء الطريق نفسها اوالخوف والارتباك الذي تلاحظه ملازما للسائقين أنفسهم وهم يقطعون الطرق وكأنهم يسيرون على خط اشبه بالصراط المستقيم رفيع بالكاد يتسع لوضع أقدامهم عليه،نعم الموت والحياة بيد الله ، لكن هناك من سيختصر لك أقرب الطرق ليوصلك إلى النهاية ، ولعل حالة الحرب والصراع القائمة في يمننا السعيد والتي صار العبث أحد عناوينها، اليمز السعيد الذي صار كل يوم يتجه مواطنيه نحو الحزن والبؤس والمأساة دون أن يسأل فيه أحد أو يرفع صوته محتجا -كفانا أيها المتحاربون -نحن ندفع حياتنا كل يوم ثمنا رخيصا من أجل وهم بقاءكم واقفين على جثثنا ،عفوا صديقي عبد الرحمن وقع خبر رحيلك كالصاعقة على قلبي ،لكن ماذا عساي أن اكتب في عزاء صديق مثلك عرفته منذ أربعون عام ، عبد الرحمن مقبل حزام الذي دفع حياته ثمنا وهو يلاحق مرتبه من أقصى البلاد إلى أقصاه ليسد القليل مماتيسر من حاجة افراد اسرته للبقاء على قيد الحياة،ماذا كان بوسعه ان يفعل وقد قرر المتحاربون ان يجعلوا من ثمن لقمة عيشة عبور مغامرة خط النار ،وبقرارهم هذا قد ادخلوا حياة ملايين الاسر من اليمنيين إلى زنزانة للعقاب لم يسبق لكل مجرمي الحروب ان يفكروا فيها ، وحولوا حياتهم إلى جحيم ملتهب لايطاق،سيظل مقتلك يا صديقي عبد الرحمن مقبل انت الموظف الذي لم تسعفه وظيفته خلال ثلاثة عقود من تحقيق أبسط احلام عمره في حياة مستقرة لأنك أحببت وطنك ، سيظل اسمك ومقتلك صرخة مفتوحة وسؤال مدوي في أذان كل أطراف الحرب وموتك وانت تلاحق قوت أطفالك سيظل يوم رحيلك احد عناوين المأساة التي صنعها تجار الحرب ، واكتوى بنارها ملايين الموظفين، سامحني صديقي عبد الرحمن مقبل أردت أن ارثيك أن اكتب عزاءا يليق بك بشخصك وانسانك النبيل الهادئ الطيب ، لكنه الحزن ياصديقي وقف بداخل قلبي فاوقفه عن التدفق، أردت أن اكتب عن شخصك وانسانك واخلاقك الطيبة لكل من عرفك ،لكن الغصة وقفت في مداخل حنجتي ولم أستطع ،ماذا عسايا أن أن ارثيك واعزيك وقد تحول البلد كله إلى صالة عزاء ، والى مبكى كبير من أقصاه الى أقصاه ،ماذا عسايا أن أرى وثمة دمعة تسقط من عيني عليك وعلى بلد …يساق في عربة موت جماعي على طريق بلا نهاية،،،،، نم قرير العين ، أسأل الله ان يرحمك رحمة الأبرار وان يغفر لك ويسكنك فسيح جناته ، وان يلهم أفراد أسرتك الصبر والسلوان ..وانا لله وانا إليه راجعون…وعظم الله اجر الجميع..(والفاتحة)??