لم تعد غرفتي على السطوح بعد أن سُقف البهو الذي كان بقدر ما تزعجني
ريحه اثناء مضغ القات خصوصا عند قضاء حاجات فسيولوجية، إلا أن علي الاعتراف أنها
اصعب فترات حياتي و انها كانت أكثر تجربة رائعة عشتها، رغم أني فقدت فيها الوزن حد
سوء التغذية.
انتظر اخي وليد ليعود لي ببعض القليل من القات أثناء عودته من العمل
واتقسط بعض السجائر واتشاجر مع كل شي واتصالح بمعنى تأملي عميق، كانت لدي مكتبة لا
بأس بها من ايام العز قبل أن اخمن مع الرفاق بثورة 2011 بناء على معطيات صحيحة
ذهبت لزبد فائض السمع والطاعة لأحزاب معارضة يمنية مترهلة وخائنة.
باتت غرفتي التي بلا تلابيس معنى لقضم أكبر كمية من المعرفة وبفعل
غياب الكهرباء منذ ثورة الشباب والى اللحظة المختلفة في 2019 ، كنت استعمل كشاف
(لامب) احرص استخدامها إلى أن يغب النور في بصري بفعل انعدام المادة، كَبر شِعري
وشَعري ايضا ابيض وكبر حزن خارق في نفس الفتى الثوري المثقوبة احلامه كما ثقبت
ركبتيه في جولة كنتاكي بصنعاء، أشعر بالوجع مازلت للان وبشكل أكبر فالهراوت
المكممة تفتح ما انغلق في رؤاك، استدرت كثيرا وكذلك الكثير من الأصدقاء والرفاق
على خلفيات محطمة، كان الضباب متأثرا ومتكاثرا بجملة أوجاع وخيانات لم نكن لنقبلها
ابدا.
كنا مجموعة جميلة من الشباب بدأ بساحة الحرية في حجة إلى التغيير في
صنعاء إلى الحرية مرة أخرى في تعز وخليج الحرية في إب، قلوب رهيفة وحالمة بوطن
نتبادل فيها الاتهامات ونسوق كبريائنا ومفاضلاتنا بطريقة غبية أحيانا، إنما كل
واحد فينا كان على حق بحرصه الشديد على صنع نموذج يمني فارق، لكنها اضغاث احلام ..
عندما لا تعالج مشكلتك وتشككاتك أولا بأول فإنك تخسر قالب الهواجس
بالطبع وان طال الزمن، تكاثرت في الساحة الخيمات والخيبات وكتب علي هلال الشاعر
اليمني الكبير الذي رحل وهو في مقتبل العمر، ملخصا مشكلة الثورة في نصه الشهير- نص
الثورة – عن احد الرفاق الشيوعيين كشخصية ثورية انتهازية وسفسطائية(مذكرات اخي
عبدالهادي والثورة) اخي
وجعنا جميعا وجعلها هاجس الخذلان في الساعة اليمانية.
انا احد من ساهم في ثورة الشباب السلمية وعدت خائبا بعد كنت اعمل في
جمعية محلية شهيرة كرئيسا لها وتخليت عن كل شيء من أجل حلم اعظم وانكفأت على
هزيمتنا كما فعل وضاح اليمن و حسين السهيلي ونوح الوافي في تعز ،و رضوان فارع في
عدن، وصقر ابو حسن في ذمار، وعمار فخر الدين الاصبحي و عبدالرحمن السماوي وصامد و عبدالرزاق
عزعزي وغيرهم في صنعاء، وهمدان الشعلي وهشام واصل في حجة، وعصام الكمالي في إب،
محمد الحميقاني في البيضاء، وعلي دهيس في الحديدة، ووو… هناك
الكثير من الأصدقاء والرفاق- اتذكرهم ولا مجال- انكسروا كساق ورقة رقيق لأننا
القادمين بليونة ثورية غير واعين بالضبط أعتمالات وخيانات الساسة ورغم اختلاف
مشاريعنا السياسية و الأيديولوجية إلا أننا كنا أخوة ورافق واعز اصدقاء.
تعلمت في غرفتي مقرفصا كيف الوجع! اهز رأسي فجأة واضحك وابكي كثيرا
المآل المستوحش في أعماقنا، ليتنا نسيناها لكن لم يحصل سوى رجعة فاحصة لثقوب مندغمة
ومبهمة بلمسة آلام كونيه ونحن نشاهد انهيار البلد بأُم أعيننا، عندها لمست يدي
كتاب الفيلسوف الهولندي سبينوزا وهو يقول بمعنى(انا عكس الناس وجدت الحرب فرصة
للتأمل) جاءت الفكرة وتطابقت… استوقفتني
ومازالت تطن معانيها وتفاسيرها لما صرنا عليه وفيه، وسبينوزا أهم من كتب ضد الفوضى
مع قوننة الدولة والحياة وهو عبقري بحق.
دائما ثمة طَرق على الباب في التاسعة ما يعني أن اخي وليد جاء بقليل
قات وسجائر قلقا ومتطلعا مع أسرة بحالها ان اتجاوز ما انا فيه بينما كنت انتقل من
خطأ لآخر وأنا اتبصر طريقي بثقة الوصول، انكسرت كثيرا ووقفت من جديد بقلب مفعم
ومحطم كثيرا لكن أعماقي كانت تجد دروبها حتى في رؤى النوم، قرأت الكثير في التشيع
والتصوف والاشتراكية والبهائية، صاحبت انجاردن وهيجل وماركس وهيدجر وسارتر أفلاطون
وديكارت وبودلير، و ت- س اليوت وروائي وفلاسفةوشعراء ونقاد العالم ومررت مندهشا
بينهم.. أحببتهم وسببتهم في قرارتي الخاصة حبا وكرها..
كنت اضع الجنة صورة في جدار غرفتي الغير ملبسة سوى بما انا فيه وفي
الجهة الثانية جهنم وازيد مقدارا لكل فشل أو نجاح.
صفاقة الكثير أكثر ما تقتل المرء غير أنني تغيرت إلا من بعض التباسات
تجعل الإنسان غاضب حتى من أقرب الناس إليه لأنه يدرك فداحة خطأ الإستمرار في دروب
وعكها وهشمت قلبه.
لم يتصل كل الأصدقاء والرفاق على الأغلب إلا ما ندر منهم جدا جدا
وكأنني في آخر المجرة استمع لاغنيات عبر الراديو بالتحديد راديو سوى بفعل قوة
ذبذباتها وكانت يدي تشل وانا ابحث عن بي بي سي أو مونتكارلوا..
كانت هذه لحظة اكتبها مقضبا لكم واحتفظ بباقي جروحي إلى تماسفات
سيجدها المكان والزمان المناسبين.