سوريا.. ماذا بعد ؟!

عبدالجبار الحاج

ما حدث ويحدث في سوريا أمر بالغ الخطورة، فلم يتوقف الأمر عند إسقاط نظام الاسد، حيث شن جيش الاحتلال الاسرئيلي هجومًا واسعًا هو الأكبر والأخطر منذ قيام دولة العدو عام 48 فمن حيث كم الطلعات والغارات والأهداف والنتائج التدميرية على أوسع نطاق في عموم سوريا.

نحن أمام أكبر هجوم تتعرض له مقدرات سوريا بحسب تصريحات قادة العدو.. حتى إن جيش العدو وصل اليوم إلى مشارف دمشق وتقدم عشرات الكيلومترات، بدأ مع فجر يوم الثلاثاء وبلغ اجتياحه حتى وصل ريف دمشق وبات متمركزًا على بعد 20 كيلو متر منها.
….
ما إن تقرر وأعلن عن موافقة وسريان وقف النار في لبنان حتى أطلقت تركيا صفارة البدء. وما إن سقط الأسد حتى بدأت إسرائيل طلعاتها الجوية وضرباتها الصاروخية لأهداف هي الأوسع قياسًا بكل الحروب التي شهدتها بلدان الطوق وسوريا في المقدمة.
…
كيف يمكن أن ننتظر موقفًا من الدولة السورية الجديدة في دمشق وإلى متى ننتظر ادأن يصدر موقفًا أو حتى بيانًا عن سلطة دمشق الجديدة ضد العدوان الصهيوني، يقول قائل: ذلك لأنها هذه السلطة هي صنيعة النظام التركي الموجه للدولة الجديدة القابضة على قرار سلطة دمشق بعد سقوط الأسد. وهي الموجه /أي تركيا/ الموجه لخياراتها وقراراتها فكيف لنا أن ننتظر منها موقفًا معاديًا وتركيا هي هي من تتقاسم مع أمريكا وإسرائيل مشروع تقسيم وتقاسم تركيا.
والواقع أن السؤال الأبرز الذي بقي جميعنا ينتظر جوابه انتظار بيان نظام دمشق الجديد هو انتظار يحتمل بعض الصبر أما وقد مضت أكثر من 48 ساعة وولجنا ساعات اليوم الثالث من بدء الهجوم الأكبر ضد سوريا فقد نطق صمتهم بجواب واضح ولا مراء فيه وعرفنا ما لا تريد الجماعة ان تعكر فيه مذاق كأس طاب لها شرابه.
….
في موازاة الهجوم الاسرائيلي قامت تركيا بالسيطرة على مناطق عدة شمال سوريا تحديدا امتدت على عمق يمتد 30 كيلو متر توجت باحتلال منبج اليوم وهو العمق العازل الذي كانت تركيا تطلبه من سوريا الاسد وهو عرض رفضه الاسد وهذه حقيقة لابد من عرضها لما لها من اهمية في ذاكرة الحدث وما سيليه وليس تبيضا لصفحة الاسد في هذا المضمار . ما ادى الى تولي تركيا الدفع بجيوشها الاحتياطية المتعددة في إدلب من الجيش الحر لما اسموها معركة فجر الغد وهيئة تحرير الشام التي أسندت لها معركة ردع العدوان إلى القيام تاديبا لنظام سوريا وقد تم إسقاطه فعلا بلا معارك تذكر عدا ما سويعات في جبل زين العابدين سرعان ما سويت وفتحت الطريق بعدها سالكة ومأمونة من عثرة على حجر.
….
ما تتعرض له سوريا هو ما سبق ان تعرضت له العراق حيث قامت اسرائيل بهجوم شامل استهدف قدرات العراق العسكرية فضلا عن الاحتلال الامريكي آنذاك . ادت تلك الهجمات إلى ضرب كامل مقدرات العسكرية للعراق الذي كان يمثل في جيشه ثاني اقوى جيش عربي وادى هذا إنهاء قوة لم تتمكن العراق حتى اليوم من استعادة 10% مما كانت عليه لا من حيث قدراتها العسكرية فحسب ولكن في عموم المستوى الاقتصادي والعلمي وفي ميدان الخدمات الصحية والتعليمية وحتى الثقافية والفنية كدولة فهي متخلفة اليوم كثيرا عما كانت عليه رغم ثرائها ورغم انها في بداية تعافيها الان.
….
المعلومات المؤكدة من مصادر عربية صحفية رفيعة ومطلعة ؛ ان اليمن ستكون المحطة التالية بعد سوريا لهجوم سيتمد على طول اليمن وعرضها وعلى كل جهاتها ليس لضرب المقدرات العسكرية بل لضرب ما تبقى من مقدراتها الاقتصادية والمدنية كافة .
في هذه اللحظات العصيبة والاصعب التي ستتعرض لها اليمن من مثل هذا العدوان الكبير من دولة الاحتلال وخلفها امريكا على اليمنيين ان يستعدوا ويغادروا خندق المواجهة البينية وعبثية الحرب او لنقل حالة اللاحرب وللاسلم بينهم إلى صف العدو القادم وهو هو عدو كل شعوب المنطقة العربية وان يقدموا نموذجا للموقف اليمني الواحد وان يتصدوا لهجوم كبير وعاصف قادم حتى ولو تحت سقف مواجهة العدو المشترك اولا.

مخاوفنا اكيدة وعلى وشك التحقق والانتقال من الحالة السورية فيما يتصل بالعدوان الاسرائيلي الموصوف بالهجوم الاكبر . وعيوننا ناظرة وكلها خوف على هذا البلد ما لم تنهض الحالة العربية فإن سوريا ستكون نموذجا اسواء مما هو عليه النموذج الليبي التي كانت قبل سقوط القذافي دولة تنمية وتقدم رغم كل مآخذنا على نظام القذافي.
…..
من ايجابيات المشهد السوري عقب سقوط دمشق على عكس ما كنا نتوقع وهو مشهد مطمئن وظاهر حتى الآن عدا حالات قليلة فيما سمعنا . فقد خلا المشهد من اعمال نهب واسعة وخلا من مظاهر الثأر والانتقام التي كنا نتوقعها..
وفي المشهد الإيجابي العفو عن جنود الخدمة الإلزامية في الجيش السوري.
المخيف. مع أن المخيف اكثر ما يطمئن في عدم شمول العفو عن افراد وضباط وقادة الجيش الاساسي وهم هم جميعا من جعل الطريق مفتوحا وسالكا والقوا كل سلاح امام جحافل هيئة تحرير الشام المصنفة من قبل داعميها من تركيا وأمريكا بالإرهابية. هنا نتوقف حتى نرى ما سنرى في هذا المضمار ؟!.
……..
نعود إلى مشاهد اكثر خطرا على سوريا وما تتعرض له من هجوم واحتلال وحرب ضارية من طرف واحد إذ لا نجد الان على الارض السورية من يرد او سيرد من كطرف مقابل.
بالمرور سريعا على ما جيش العدو الاسرائيلي في سوريا يمكننا بإيجاز شديد رصد ما نفذه الهجوم الاسرئيلي الاكبر على سوريا منذ قيام دولة الاحتلال عام 48.

اجتاحت اسرائيل المنطقة العازلة واحتلت جبل الشيخ وشنت مئات الغارات الجوية استهدفت مناطق عدة:

ضرب الرادارات.. تدمير عشرات الطائرات من طراز ميج 29 و21 ومنظومات الدفاع الجوي والرادارت والاسطول البحري في اللاذقية وتدمير مركز البحوث العلمية ومركزا للحرب الالكترنية.

ضرب ميناء في اللاذقية ومطار دمشق وضرب على قاعدة القامشلي شمال شرق سوريا ومطار المزة العسكرية لعدة مرات ومواقع انتاج مستودعات للصواريخ متوسطة وطويلة المدى، وقاعدة شنشار العسكريةفي حمص ومطار الحوامات محيط السلمية في الريف الشرقي لحماة، وقصف معامل الدفاع في حلب، فضلا عن ضرب مباني صناعة الدواء وقصف لمواقع مدينة سفيرة بريف حلب.
…..
جدير بنا أن نشير إلى المناطق التي أحتلتها أسرائيل في حرب 67 امتدت حتى القنيطرة وسيطر حينها على مساحة قدرها 1800 كم مربع من الجولان. وفي حرب 73 تمكن الجيش العربي السوري من استعادة 600 كم مربع ومنها جبل الشيخ وبقيت 1200 كم مذاك تحت احتلال جيش العدو حيث تم الاتفاق في مايو 74 على المنطقة العازلة وبموجب اتفاق فض الاشتباك تحددت المنطقة العازلة لفك الاشتباك مع حق سوريا إدارة المنطقة العازلة..
(جبل الشيخ يرتفع 2280 متر يطل على طبريا سهل البقاع وكاشف لدمشق ودرعا والسويداء).
…
من الخطير ألا نسمع حتى الآن صوتا عربيا يدين على قيام جيش الاحتلال للاستيلاء على جبل الشيخ، والأخطر الا نسمع صوتا من دمشق من السلطة الجديدة يرفض أو يهدد جراء هذه التمدد على أرض سوريا عل هذا الصوت يضع حدا لتلك الشهية الاحتلالية الاستباحة المتعددة على أرض سوريا.
إن هذا الصمت السوري والعربي في آن عن استمرار الهجوم الكبير الذي ينفذه جيش الاحتلال لمواقع الحيش السوري ومواقع الانتاج وابحاث ومخازن سلاح الجيش السوري وتدمير سلاح الجو ووسائط الدفاع الجوي.

مصر الدولة العربية الأولى التي اتخذت موقفا عبر تصريح لوزير جارجيتها أدانت فيه جيش الاحتلال جراء تمدده واستيلائه على جبل الشيخ واعتبرته عدوانا صارخا واحتلالها للاراضي السورية واعدته انتهاكا وخرقا لقرارات الامم المتحدة النافذة.
المنطقة التي أحتلها العدو على هذه القمة تساوي 235 كيلو متر بعمق2/3 كيلومتر حتى الآن اي ما لم يتمدد اكثر في ظل هذا الصمت المريب. وقال ممثل الأمم المتحدة أن هذا العمل يعد انتهاكا لقرار الامم المتحدة النافذة منذ عام 74.
….
ما لم تتجه جهود عربية صادقة من العراق ومن مصر ومن الخليج ومن كافة العرب نحو صد المخاطر المحتومة وايقافها أو وضع حد لها فإن سوريا هي البوابة وما سيحدث في سوريا لن يكون إلا نسخة سوف تتكرر على اكثر من بلد عربي.
ولنا عودة نتابع بها الملف العربي من البوابة السورية.
…
سؤال آخر كيف يمكن التعامل مع سلطة دمشق الجديدة في الجامعة العربية
بعد أن سقطت دمشق الأسد في الثامن من ديسمبر .. وتولي أحمد الشرع زمام نظامها الجديد؟.
اقتصرت في هذا المقال على تناول الهجوم على سوريا وهو ما يعد تمهيدا لتامين الأهداف التالية لمابعد تدمير قدرات سوريا العسكرية والعلمية والاقتصادية وصولا إلى تحضير مساحاتها الواسعة وتنوعاتها الثقافية والحضارية وتوزعاتها السكانية البالغة التعدد وتجهيزها لمشروع التقسيم..
وحري بنا متابعة تطورات الأوضاع السورية الراهنة والتنبه والتحذير من المخاطر المحدقة بهذا الوطن الحبيب.

ملاحظة: