
- بقلم: سمية الفقيه
129 عامًا من القهر والاستعلاء والظلم ظل الاحتلال الانجليزي جاثمًا على جنوب اليمن، لكن جبال ردفان خرجت عن صمتها، وأعلنت للعالم لحظة الميلاد الكبرى لثورة الـ 14 من أكتوبر، و أن الحرية لا تُستجدى، بل تُنتزع انتزاعًا.
كانت الثورة نبوءة الأرض الطيبة لوطنٍ قرر أن يقول لا، لا للاستعمار، لا للتبعية. لا للذل الذي أرادوا أن يورّثوه للأجيال،
لوطن اسمه اليمن، واحدًا لا يتجزأ.
لكننا اليوم يبدو أننا في هذه الأرض الطيبة سنظل على موعد مع الخيانات المُقنَّعة، وها هي أصوات الخيانة القديمة تعود في ثيابٍ جديدة، وها هم أعداء الثورة يعودون بأسماء مختلفة،
يحملون الرايات نفسها التي حاولت بالأمس تمزيق اليمن،
لكنها اليوم ترفعها على أكتاف من يتحدثون بلغتنا، ويسكنون بيوتنا، ويدّعون أنهم “أبناء الوطن”.
لقد أدرك المستعمر القديم أن عودته بالسلاح مستحيلة، فعاد يتلوّن عبر الوكلاء المحليين، وعبر مشاريع التفتيت السياسية والمناطقية والمذهبية، وعبر المال والإعلام والتضليل. عاد في هيئة مليشيات مذهبية شمالًا، ومليشيات انفصالية جنوبًا، وقوى فساد تتدثر بشعارات زائفة، وكلها تلتقي عند هدفٍ واحد وهو كسر إرادة اليمنيين وإجهاض حلمهم بوطنٍ حرٍّ وموحدٍ وعادل، ظنًّا منهم أن الذاكرة الوطنية قد صدئت، وأن جذوة الثورة قد خمدت.
محاولات تمزيق الجغرافيا ليست إلا استعماراً آخر، يحمل خرائط جديدة بأسماء قديمة، ويحاول أن يجعل من دماء الشهداء جسرًا لعودة المستعمر، ولكن هذه المرة بأيدٍ محلية وبخطابٍ وطني زائف.
نعم، إنهم أعداء سبتمبر أكتوبر أنفسهم، الذين ضاقوا بصوت الحرية، فحاولوا تدجينهما، وضاقوا بروح الوحدة، فحاولوا اغتيالها، لكنهم نسوا أن الثورة التي وُلدت من رحم النار، لا تموت إلا إذا توقف اليمني عن الحلم، واليمني لا يتوقف عن الحلم مهما اشتدّ عليه الخراب والمؤامرات.
ستظل 14 أكتوبر علامةً فارقة،
تذكّرنا أن الاستعمار مهما تبدّلت لغته، ومهما غيّر وجهه أو جنسيته، فإنه يظل استعمارًا،
وأن اليمن، رغم الجراح،
ما زال أكبر من كل مشاريع التقزيم، وأقوى من كل محاولات الطمس.