- هدى جعفر
تصوير احتدام رغبات الجسد من أصعب المشاهد في السينما
ليس فقط لأنّ ذلك يُشبه السير على حبلٍ مشدودٍ يتجنب الماشي، أو هكذا
أفترض، الوقوع في المحافظة أو الابتذال، في مباشرة كاشفة بلا تشويق، أو
تورية ضبابية لا ترى ولا تُري، بل لأنّه فن المحاذاة بين العام والخاص
والأكثر خصوصية.
في السينما العربية الأمر أصعب، لأنّ الحبل أرفع وأكثر حدّة!.
كان هذا الفيلم يقبع في جهازي منذ مدّة وقد صرفني عنه عنوانُه الواضح غير المشجّع “حرام الجسد” رغم أنّه من بطولة إحدى ممثلاتي المفضلات.
علي (أحمد عبد الله محمود) يفر من السجن في قاهرة يناير 2011، يذهب لابن
عمه حسن (محمود البزاوي) المتزوج من فاطمة (ناهد السباعي) في بيتهما
المنزوي، فاطمة عشيقة علي قبل السجن وحسن وبعدها، علاقة ثلاثية، رجلان
وامرأة، من السهل دائمًا تخمين تلك القصص.
يحاول علي إغواء فاطمة في
الأوقات المُختلسة ولكنّها تُمانع خشية الذنب والفضيحة، الفرق بين الزوج
والعشيق جليّ، الأول مريض وذاوٍ مثل فتيل القنديل، والثاني شاب بقامة مديدة قصّر الاشتهاء عمرها.
وفي كل مرة يختلي الزوجان في غرفتهما الجافة،
“يلتقط” علي “فأسه” ويضرب الشجرة بأقوى ما لديه، جسده الجميل يلمع تحت
تأثير النار القريبة، وهو يهوي على الجذع بغل وحزن، ضربات متتالية، وقوية،
وفي الهدف!.
لا حاجة لشرح ما يرمز إليه الفأس هنا، فعليّ الذي
يرى نفسه الأحق بالالتصاق من الزوج، يفعل في الشجرة ما كان يجب أن يفعله في الحجرة، وأنّه هو “الفأس” الذي يجب أن يُصيب جسد فاطمة الذي استبدلته
الشجرة والأرض.
كثيرًا ما ترد في الثقافة العربية مفردات الزراعة
للدلالة على الفعل الجنسيّ ومساقاته، “الرحم بُستان” هكذا يقول المثل،
والمرأة التي لا تُنجب “أرض بور” أي التي لم تُجدِ معها محاولات “الفأس”،
وجاء في القرآن “نساؤكم حرث لكم”.
وعليّ الغاضب هنا من غياب فاطمة، يصب قهره بـ”فأسه” الصلب على الجمادات الأكثر صلابة، التي تشي بقسوة الحبيبة،
في رقعة مكانية يدل كل ما فيها على الجوع الذي صبغ وجوه سكانها الثلاثة
بأسلبة ذكرتني قليلًا ثم كثيرًا بفيلم “الطوق والأسورة”.
الفيلم للمخرج خالد الحجر وهو كاتب القصة والحوار، وهو في رأيي، من أفضل الأفلام العربية في العشرية الأخيرة.