- لطف الصراري
يتعزز لدي اعتقاد بأن القادة العرب والمسلمين الذين تولوا مقاليد الحكم منذ عصر النهضة الأوروبية، لم يستوعبوا جيدا التحولات السياسية والدينية
والثقافية والاجتماعية لبلدانهم الأصلية. وبصورة موازية، ساد نفس القصور
لدى النخب المثقفة ذات التأثير في منظومات الحكم، سلطة ومعارضة.
قادة الدولة الإسلامية الذين عادوا من أطراف أوروبا، كانوا مثقلين بالهزيمة،
وقادة أوروبا المسيحية استمرأوا مذاق النصر بعد قرون من الهزائم.
الأكثر فداحة من هذا القصور، هو سوء فهم وتأويل تاريخ الصراع الديني والسياسي، وتكييفه لأغراض الاستبداد والانتقام وإطالة أمد الاستئثار بالسلطة والثروة.
الاستبداد لا يحتاج إلى تعريف، لكن “طبائعه” وصوره، ليست متعددة وحسب، بل
مخاتلة أيضاً، للحاكم والمحكوم، للجلاد والضحية. أسوأ أشكاله تلك التي تحقن الذات الفردية والجمعية بـ”القهر” و”الهدر”، وتلاشي الفروق بين درجات
الهوان. وفي الوقت الذي كانت فيه الشعوب العربية ترزح تحت وطأة غياب
العدالة والمواطنة المتساوية، كان بإمكان القادة العثور على مثقفين ومفكرين وفقهاء، يعملون بدأب لإراحة الضمائر المستبدة، وتكييف الظلم قانوناً
وشرعاً وفكراً. في الواقع، لم تسترح ضمائر المستبدين بقدر ما عميت بصائرهم
عن رؤية شعوبهم تحتضر ببطء.
في فترات هذا العمى الذي أصاب بصائر
الحكام وخدر ضمائرهم، خملت حيوية الشعوب واستكانت همتها. وبطبيعة الصراع
التاريخي بين العرب والمسلمين، وبين امبراطوريات أوروبا المسيحية، عرفت هذه الأخيرة كيف تتواصل مع الشعوب المقهورة وتكيف مظالمها لإسقاط الحاكم
الأعمى.