- محمود ياسين
يقال أن لا أحد يمكنه الإفلات من جسده لكنني أفلت ورغم خشيتي من إمضاء الحياة مجرد خيال، أجوب بمخيلتي مضائق بين جزر غير مأهولة وهناك أخترع قوسا لبدائيتي المغوية، أتواجد في جسد توم هانكس وهو يترك للشمس أن تسلقه في جزيرة أمضى فيها خمس سنوات، من أفلام كهذه أرجئ خيال هوليود مبتكرا لأجلي سيناريوهات بمقاس يمني لحظة نشوة، ومن صنعاء أسرق مغامرات جاك لندن الرجل الذئب وأبحر في حالة من نشوة من يتحدي ظلمات المحيط الهادي بقارب على مقدمته حشد من أعلام القراصنة وإثنيات وقبائل بائدة، يالسخاء وجسارة هذا الخيال وهو ينتزع امبراطورا صينيا من تثاؤباته ويلقي به في قعر المحيط، رفقتي أسود ونمور من فيلم أقوم بإلقائها في عتمة المحيط وأستبدلها بمقوت لأجلي أصطحبه ضمانا لديمومة النشوة، لا أهتم من أي قرية هو لكنه بملامح أصحاب حرف سفيان ومايلبث أن يترك مؤونة شهر ويعود أدراجه.
على موج الظلمات أصغي لتلاطم الأقدار على دعائم عرش الله الذي كان على الماء، وأبحر صوب مرافئ مأهولة بنساء بدائيات لبس لديهن حسابات في الفيسبوك، وإلى مجاهل الخلق وبذور التكوين الأول..
أجتاح باريس مثل خلاصة هزيمة مني بها نابوليون بنابرت لكنني أصنع له قوسا يمنيا للنصر على سبيل تقدير النهايات العظيمة وعدم ترك قائد أسطوري بلا قوس، بمخيلتي أتلاعب بأزمنة باريس منتزعا حقبة صعود البوهيمية على منحدر مونامارتر وعلى الفور يتكون لي مسرح مولان روج وتغني لي نيكول كيدمان بدلا من المهراجا الثري النهم وهو لا يكتفي من اقتناء وشراء الملذات، وأمضي دون أن ألتفت لمصائر أبطال الرقص والتيه والعواقب وقبل حتى أن يردد مدير مولان روج: يجب أن بستمر العرض..
كأن الكوكب بخطوط الطول والعرض لا يكفي مخيلة تحتدم في مغرب صنعاء، وكأن بيزوف وايلون ماسك هناك في انتظار القدر على هيئة مخيلة سخية يسمحون لها بالتسلل لخزائنهم وانتزاع مايكفي لإرساله ليمن يتطلب مائة مليار أضاعفها تباعا بقدر اكتشافي وأنا هناك كم يحتاجه هنا ليمضي حياة جيدة بلا أرق وتوقعات سيئة..
ربما هو عباس العقاد من قال: امنحني المادة الأولى للكون وأنا ابتكر كونا بديلا أفضل، ولا أذكر اسم الفيلسوف الذي كان فقط وبثقة مفرطة بخاجة لمكان خارج الكوكب وهو سيتمكن من تحريكه وابتكار زمن مغاير وفواصل وحقب ومآلا وجوديا وفقا لتبدلات زمن مقتضب..
لن أمضي ليلة في غرفة بموتيل بين ولايتين أمريكيتين ولن أقف أمام شلالات نياغرا ولن أعود للاغتراب في السعودية بملامح حضرمي يبرع في صناعة الثروة واسمه “باياسين” كما كنت أحلم فيما مضى، تنتقل المخيلة للمستوى التالي كل ما تبدلت معادلة ساعتك البيلوجية وأمسى عقلك صقيلا أكثر ولا تعود تكفيه خطوط الطول والعرض..
أجلس بدلا من ستالين على ذات المقعد الذي جلس عليه ستالين الصباح ذاته وأمامي تمر عربات الجند وراجمات الصواريخ وناقلات الأسلحة الباليستية، صباح اسفلتي مضمخ بالأحمر المتعالي المحتدم وقد سرقت الفتاة لينا من مخيلة عبد الكريم الرازحي، أخبرها أن كلينا من عائلة نووية متقمصا ستالين لساعتين فحسب بغرض جعل ستالين يتقمصني ويكون طيب القلب وأمضي، أمضي مطمئنا لكونه سيطلق سراح كل المعتقلين السوفييت في أرخبيل الغولاغ، ياللمهام هذه وأنت تدعي بشكل قاطع أنك طيبة القلب التي يحتاجها جبابرة التاريخ، والضراوة التي تنقص مترقبي الموت والمرض وكأنني أنتزعت جهاز المناعة من آخر ديناصور قبل ستين مليون عام ورحت أتجول به حالة من تحدي فيروسات القرن الحادي والعشرين، هكذا مثل محاكاة مرتجلة لتجربة الدكتور فرانكشتاين أكون فيها العالم والتجربة..
وأعود لمتكئي في صنعاء منهكا وظافرا وكامل الضربات، بينما يتردد في الأعماق تساؤل: كيف يكتهل اليمني مبكرا ؟ هل ينقصه الوقت أم الخيال؟