- كتب: عبدالمجيد التركي
تمنيت لو أنني أستطيع البقاء على ظهره طوال اليوم وتأمُّلَه مليَّاً وهو ممسكٌ بخناق جبل شهارة «الفَيْشْ» وكأنه يخشى أن يفلت من قبضته!!
أقنعت نفسي بعدم التصديق بنسبة بنائه إلى إنسانٍ عاش في القرن التاسع عشر، ورسخت هذه القناعة فيَّ منذ نعومة تفكيري..لكني أيقنت – بعد ذلك – أن العقل ليس له حدودٌ تقيِّدُ انطلاقه.
سألني ذات يومٍ أحد أصدقائي المولعين بالسياحة- ونحن نتأمل هندسة هذا الجسر كصوفيَّيْنِ يحاولان اختراق الحُجُب-: من بنى هذا الجسر..؟!
أجبته كأني أطلعه على سرٍّ خطير:
ذات مساء مليء بالدهشة نزل رجال الفضاء بأطباقهم الطائرة فقاموا ببنائه في نفس الليلة، فما استيقظ الناس إلا وهو معمور.. وقيل أيضاً إنهم نفرٌ من الجن..!
لم يكن أمامه خيار سوى أن يصدقني، فهذا العمل الرائع المهول لا تستطيع الآلات الحديثة الإتيان بمثله.
ويكفي بانيه من العبقرية أنه استطاع في هذا الفجِّ الفاصل بين الجبلين أن يرسم لوحة حجرية بديعة.. وكأنه نظر إلى هذا الفجِّ من منظور فلسفي واستنتج أن هذا التباعد نتج عن خصام أزليٍّ بين جبل شهارة (الأمير وجبل) شهارة «الفيش».. فقرر بناء هذا الجسر الذي وفَّق بينهما وجعلهما يتصافحان في حميمية دائمة، وجمال مطلق ومنظر بديع لم يخطر ببال الكاميرا التي تعجز عن استيعاب كل هذا الجمال بعين واحدة.
* كان بناء هذا الجسر في سنة 1315هـ – كما تروي بعض المصادر – وبعد إكمال بنائه أصبحت شهارة (الأمير) وشهارة «الفيش» كمدينة واحدة..
أما باني هذا الجسر الأعجوبة فيروي الناس أن اسمه «الأسطى صالح»، وهذا الاسم غير المكتمل هو ما عرفه الناس وتردد على ألسنتهم وأسماعهم.. وقد قيل إنه لما انتهى من بناء هذا الجسر أصيب بانفصام الشخصية وكان يحاور نفسه كأنه يحاور شخصاً آخر نتيجة لعدم تصديقه أنه هو الذي بنى الجسر..
وقد صار هذا الجسر مزاراً للسياح الذين يأتون من مختلف بلدان العالم لمشاهدته والاستمتاع بجماله الأسطوري ودِقَّته المعمارية والهندسية.
ولما لهذا الجسر من أهمية تاريخية وسياحية فقد صدرت في منتصف التسعينيات عملة معدنية يمنية تحمل صورة هذا الجسر العظيم، وهذه العملة هي فئة العشرة ريالات.
* وأنت تقف على جسر شهارة تريد تصويره بكاميرتك المدهوشة توقن جيداً أن الكاميرا تحتاج إلى عين ثانية، لأنها غير قادرة على استيعاب كل هذه الفتنة واعتقال كل هذا السحر بعين واحدة فقط..
يتميز الجسر بحاذبية عجيبة تجعلك تتمنى أن يتوقف الزمن لتتمكن من البقاء لمشاهدته لأطول فترة ممكنة.. حينها تدرك أبعاد نظرية «اينشتاين» عن النسبية، وعندما تغادر جسر شهارة يخيَّل إليك أنك كنت في غيبوبة لذيذة وأحلام خرافية لا تمت إلى كوكبنا بصلة.
نباتات سحرية
توجد بجوار جسر شهارة نباتات سحرية يندر أن توجد في مكان آخر.. ومن هذه النباتات السحرية نبتة تشبه البرسيم بأوراقها وزهورها البيضاء التي تنفث عبيرها في خجل واضح، وتسمى هذه النبتة «مُسْكر الدِّمَمْ»!! فما أن ترى القطط هذه النبتة الفوَّاحة حتى تخرج عن طبيعتها وتتحول – بفعل ذلك العبير الذي تنفثه هذه النبتة السحرية – إلى حيوان نباتي.. فتراها تلتهم تلك النبتة بِشَرَهٍ عجيبٍ لا تلبث أن تترنَّح بعده يمنياً وشمالاً.. ولا تصحو من سكرتها هذه، إلا بعد أن تخبط رأسها في كلِّ جدار يصادفها..؟!
والبعض من هذه القطط لا يستطيع المشي إن أفرط في تناول هذه النبتة.. ولو أنك أخذت بعضاً من أوراق هذه النبتة وزهورها وخبأتها في جيبك لوجدت نفسك محاطاً بعشرات القطط وكأنها تهمُّ بافتراسك.. ولاشك في أنها لن تخلي سبيلك حتى تمنحها تلك النبتة السحرية التي تُغيِّبها في دهاليز اللاوعي اللذيذ والمخيف في آنٍ واحد.
عندما سألني صديقي المولع بالسياحة عن سرِّ هذه النبتة وانحصارها في مدينة شهارة وبالذات حول هذا الجسر قلت له: إن رجال الفضاء الذين نزلوا بأطباقهم الطائرة لبناء جسر شهارة قاموا بزرع هذه النبتة لتكون دليلاً على نزولهم إلى الأرض وبنائهم لهذا الجسر الأعجوبة..!!؟