- حسن عبدالوارث
أشدُّ ما يُثقل قلبي ويُقلق راحتي في هذه الأيام وفي مشهد الحرب الملعونة
ليس منظر الدماء والدموع والدمار ، فهذه سُنَّة الحرب في كل زمان ومكان ،
انما هو الأكثر ايلاماً من هذا وذاك ..
انه مشهد السقوط الأكبر ، سقوط المرء في مهاوي الخيانة والعمالة والارتزاق !
ظل اليمنيون يقتتلون بأبشع صورة ولأتفه سبب . وبعد أن ينجلي غبار المعارك ، يلتقي المتحاربون على كلمة ليست دائماً سواء ، غير أن صفحاتهم تكون برغم
سوادها واحمرارها خالية من شائبة العمالة ونائبة الارتزاق .
كانوا
يقتتلون لأغراض دنيئة في معظمها ، لكنها مُطهَّرة من دنس الأصبع الدخيلة .
انما اليوم فقد كشفت هذه الحرب عن نتانة طافحة جامحة كاسحة لدى أطراف الحرب ، ولا أستثني أحداً منهم على الاطلاق . فقد انقسموا فسطاطين : خليجي
وفارسي .. ولا مكان بينهما لليمن البتة .
لقد كان العملاء والمرتزقة
والخونة من أبناء اليمن – في ما مضى – هم أولئك المرتبطون بالسلطات
البريطانية أو اللجنة الخاصة السعودية . كانت لندن كعبتهم وكمال أدهم
نبيَّهم وسلطان ربَّهم الأعلى .. فاذا بنا اليوم قبالة أنبياء كثيرين
وأرباب أكثر ، وثمة كعبة هنا وهناك : في الرياض وأبوظبي وطهران والسطور
تتسع للاضافة .
وكان الخونة والعملاء والمرتزقة من أبناء اليمن – في ما مضى – ينحصرون في فئات الساسة وكبار الضباط وشيوخ القبائل ، الاَّ من رحم
ربي ودعت له أمه الطاهرة .. لكن فئة جديدة أُضيفت اليها اليوم هي فئة
المثقفين ، بما تحتوي من كُتَّاب وأدباء وصحافيين وأساتذة جامعات ونحوهم .
وكان الخونة والعملاء والمرتزقة من أبناء اليمن – في ما مضى – يخوضون في
وحلهم بصمت مُدثَّر بالخجل وشعور بالخزي واحساس بذنب عظيم ، فيما هم اليوم
يُفاخرون بعمالتهم للأجنبي ويُجاهرون بارتزاقهم على قارعة الطريق ، كأنِّي
بهم يتلذَّذون بوصفهم ” قحبة وفي يدها مشعل ” !
وهؤلاء بالذات تروح
اليوم تبحث عن اليمن في سطور كتاباتهم وأطروحاتهم ومشاريعهم فلا تجدها على
الاطلاق . فلست تجد ثمة الاَّ حمامة ظبيانية ترقد على عروش أفئدتهم ، أو
غزالة نجديَّة تربض في تلافيف أدمغتهم ، أو طاؤوس فارسي يختال بين جوانحهم
وجوارحهم . أما اليمن فهي مجرد منطوق لفظي رخيص في قاموسهم .
أن يسقط
زعيم سياسي في بالوعة العمالة ، أو يكبو قائد عسكري في وحل الارتزاق ، أو
يغدو شيخ قبيلة نخَّاس رذيلة في سوق الخيانة ، فهذا والله أهون احتمالاً من رؤية مثقف في هذا الموقف .
وأشدُّ ما آلمني أن أرى رفيقي الماركسي
القديم ، حامل شهادة التختوراه في علوم المادية التاريخية والجدلية – يخرُّ ساجداً مُتعبِّداً قبالة العقال والريال ، في لحظة مكثفة البشاعة وكالحة
السوداوية ، تجلَّت فيها كل صور السقوط الرخيص ومعاني الانحطاط الأسطوري !
لعنتي مضروبة في 28 مليوناً و250 ألفاً .