- محمد عبدالوهاب الشيباني
منذ سنوات خلت، وفي معظم
الصباحات، يجمعنا رصيف مقهى الدملؤة في جولة كنتاكي وتحت جسرها ِ، ولنا
كأصدقاء اهتماماتنا المختلفة واحيانا المتعارضة، غير ان القاسم المشترك
في هذه الصحبة بين ( الشاقي الطبيب والكاتب والصحافي والمصرفي والمهندس
والضابط وشيخ الدين والتربوي والقاضي والمحامي والمحاسب) هي اُلفتنا لبعض
بفعل الوقت، وجميعنا وبلا استثناء نشترك بمحبة وديع الدبعي لأسباب كثيرة
على رأسها خصيصة الانسان التي يحملها ، وليس اقلها روحه المرحة التي تفيض علينا محبة وبهجة ، حتى في اوقات الحش والمشاكسات (الشمال)، التي تطاله من بعضنا على سبيل الدعابات الخادشة، الذي يمهد لها غالبا بطرفة او عررة او استذكار مشهد طريف او مقلب فكه اعده لغيره، حين كان طالبا في بولندا.
نحمل
اليه اوجاعنا واوجاع غيرنا من الاصدقاء والمعاريف ، فلا يتردد ابدا في
تشخيصها ومداواتها في كل الاحوال، ويقوم غالبا بشراء الادوية لأكثرنا بؤسا وفقراً. اما عيادته المتواضعة الكائنة بالقرب من بوابة المستشفى الجمهوري فقد صارت مزارا لنا ولإصدقائنا، الذين نرسلهم اليه، ولا يعود احدا خائبا
من عنده.
تبدأ مشاركته لنا صباح المقهى، قبل ذهابه للعيادة او نوباته
في المستشفى، ويؤجل كل مواعيده الطبية ويرجئها الى اوقات لاحقة ان صار هو
محور الحديث ومركزه في القضايا الطبية والشأن العام، وغالبا يبدأ بقراءة
خلاصات معاركه الليلية في مجاميع الواتس آب مع النطائح ومترديات الوقت ،
الذين علَّبت عقولهم الصدئة المسلمات الجاهزة في الدين والاخلاق والمعرفة،
ثم يستعرض كل رسائل مرضاه واسرهم الذين تشافوا على يديه من امراض استعصت
على الكثيرين.
قبل ان يغادر مجلسنا في الرصيف ، بعد ان يضجنا رنين
هاتفه باتصالات المرضى المنتظرين له ، يترك العنان للسانه لافراغ الشتائم
لكائنات الاعاقة التاريخية من شيوخ دين مبتذلين وجماعات عصبوية واحزاب
كرتونية وتجار حرب، لكنه بالتاكيد سيأخذ احدنا معه الى العيادة او احد
معارفينا المتعبين او اي عامل بسيط التجأ اليه، حيث سيجري له المعاينة
الفحوصات لتشخيص حالته المرضية و لن يتركه يغادر قبل ان يمنحه او يساعده في شراء الادوية ، بطيب خاطر وابتسامة محب.
المجد للمقهى