- طه العزعزي
البلاد التي أعيش فيها ، بلاد ” سعيدة ” حدود البلادة والموت المخيف ، تقع هذه البلاد في جغرافية وسيمة موجوعة غالباً تطمع الدول الكبيرة أن تسيطر عليها ، وتقع هذه البلاد الطويلة العريضة أيضاً في قلبي أكثر مما تقع على الأرض ، إنها بكل ألم توجعني بشدة في كل ليالي البؤس والتشرد والحزن والكتابة الحية والحروب التي تحاصر أحلامنا من الباب إلى النافذة ومن النافذة إلى الدمعة وحتى القلب ! .
إنهابلاد تعشق العذاب ، وتعشق كل أصناف الوجع ، طيبة جداً ! ، إذ أنها تعشق الغرباء أيضاً ، الغرباء كل الغرباء حتى أولئك الذين جاؤا كي يلتهموا بعض أحلامها الخضراء في العيش والحياة دفعة واحدة، أطلق عليها المؤرخين بكل إعجاب وتبلد إسم بلاد “السعيدة ” ! ، بينما هي ليست سعيدة إلا في الأحلام وربما هي ليست كذلك حتى ، الموت في بلاد السعيدة يمكن أن يكون هو الحياة التي وجدت إذ لاحياة هنا ، إنها بلادي التي سأموت فيها الآن أو في أي وقت غيبي آخر رغم أنني لم أعش فيها كما ينبغي وكما أحب ! .
قبل يومين ، في لقاء خاطف وسريع ، إلتقيت بأحد الأصدقاء المسافرين إلى خارج هذا الوطن الحبيب ، بكلمتين جريئتين فقط قال لي وهو يشير إلى الجحيم من حوله ” أنيكها بلاد ” ! ، لاحياة حتى هنا ، الجحيم لايحتاج إلا إلى قدمين سريعتين للهروب منه ، وهذه البلاد تكاد تعطي للجميع أكثر من خيار لأجل الهروب والخروج منها ومن لعنة الموت ، إنها تكاد تؤسس لمعاني الإرتحال والسفر منها إلى البعيد .
حقاً ، لاأظن بأن هذا المكان الذي أعيش فيه حتى الآن هو أفضل أمكنة العالم وأبهرها منظراً ، ثمة أمكنة أفضل وأخلب جمالاً في هذه الكرة الأرضية وثمة مكان هو العالم كله أود أن يكون بلادي الطويلة العريضة، هذه البلاد قاتلة وليست سعيدة ، ولكننا بلينا بعشقه حد التوجع والموت ، وإن كنا نحاول أن نسافر ونخرج منها فإننا لانفعل ذلك إلا لنعود إليها مرة أخرى .
في قصيدته “أمومة وطن ” يقول الشاعر العراقي المهاجر صلاح نيازي بدقة وبوصف شاعري ساحر المعنى وهو يتذكر موطنه العراق .
(أخطر الحب ماأرضعك
إن تشتتّ جمعك ، وإن تغربت أرجعك
أخطر الحب ماودعك
ثم يمشي معك ) ، هاهو هذا الحب هو ذلك الذي يعيش في قلب وخيال كل مغترب
مهما ظل شعوره في “تغرب” معني عن بلاده تلك التي ولد عليها وعاش فيها وربما يكون قبره هو الآخر موجوداً فيها .