- منصور الأصبحي
أن نضع كل شيء في قائمة المسلمات، فهذا السبب لتخلفنا لأن السؤال التفكيري النقدي هنا يكون المعدوم، لاعتبار أن تقدم المجتمعات أو تخلفها بأنها إما أن تتجرد من كل أعباء التفكير “المسلماتي” كي تخرج من عباءاته بدون أي مشرط لجراح قد يكون قاسيا إذا لزم الأمر، وهذا ربما تتحكم فيه طبيعة التبعية لتلك المسلمات التي لا تقبل نقد أو نقضا أو غيره، بالتالي يلزم الجراح أضعافا من جهد ومشارط. إن أي شيءإذا لم يخضع للنقد والفحص والتجربة العملية ومن بعده الاقتناع التام أوالرفض التام لفكرة مطروحة بكونها محل الجدل والفحص والاختبار والتحليل ليترتب عليه قولبة متزمتة كإيمان مطلق لتجميد التفكير خارج حدود تلك المسلمات ولو كانت تناقض مقتضيات ومفاهيم وضرورات التطور العقلي والتفكير المنطقي. ربما كثرة المسلمات في الحياة تلغي دور العقل، بل تحصره بشخص واحد ملهمفقط وهو من يستخدم عقله الذي يفكر به عن الجميع، كأنالباقين أشبه بقطيع تابع، وهذا عكس خطة العقل كآلية “تفكيرية” منحت لكل فرد كاستحقاق قدري في هذا الكون كبصمة خاصة تختلف عن بصمات كل المخلوقات البشرية التي ينتمي إليها هذا الفرد. أحدث “التفكير النقدي” ثورة عقلية كبرى نتج عنها عدة ثورات فلسفية -تحديدا- حيث بدأ #سقراط بهذا البحث قبل أكثر من الفي سنة، ويعتبركثيرون أن #جون_ديوي أبا للتفكير الناقد المعاصر، وهوفيلسوف أمريكي ومدرس وعالم نفس، وقد سماه “التفكير التأملي” حين عرفه بالتالي : هو اعتبار فاعل ومتشبث وحذر لاعتقاد أو لافتراضنوع من أنواع المعرفة في ضوء قاعدة تدعمه واستنتاج ينتجعنه، وهذا ربما ما استطاعوا أن يسموه عملا “منفعلا”. إن “ديوي” وكل من عمل فيالتفكير الناقد يعتبرونه فاعلا أساسا حيث تفكر في الأمور بنفسك، وتلقيأسئلة بنفسك، وتستنتج معلومات متعلقة بالأمر بنفسك وهكذا.. بدلا عن التعلم بطريقة منفعلة من آخرين. عندما يعرف “ديوي” التفكير الناقد بأنه “متشبث”يميزه عن تفكير غير تأملي نقع فيه حين نتسرع بنتيجة ما أو عندما نرتجل قرارا من غير أن نفكر فيه مليا. وأهم مايتصف به تعريف “ديوي” هو القاعدة التي يعتمد عليها “اعتقاد” ما وما يستنتج منها، حيث يقول “ديوي” : إن المهم هو الأسباب التي تحملنا إلى أي اعتقاد ما، بل وهومضمون اعتقادنا. فالتفكير الناقد يعول كثيرا علىالأسباب، وتعليلها وتبين أسباب هذا التعليل وتقويمه على أفضل وجه. إن التفكير الناقد يعني أكثر من ذلك، غير أن البراعة بالتعليل هي ما يعولعليه بصفة مركزية. فكم نحن بحاجة لعملية تفكير متحررة من أغلب النقليات المتكلسة، ومن عقليات مغلقة لينتصر العقل بالتفكير، لتحريره من كل قوالب التفكيرية التسطيحية والتي طغت عليه وضربت عليه سياجا منيعا من ثقالات مادية “قداسية” محرم عليه مجرد التفكير بمناقشتها ذهنيا ناهيك عن تحليلها أو مراجعتها من باب هو أولى للحد من سيطرتها التاريخية. يحسب للمثقف التنويري أنه خاض معاركه التفكيرية ضد كتائب العقليات التكفيرية لأي تطور مدني -بعيدا عن المسألة الدينية التي ارتبطت بها عملية التكفير، بل هي إحدى أدواتها الدفاعية بحسب النصوص الدينية- وهنا نتحدث عن “تكفيرية” ثقافية راسخة في كثير من الأفكار المثقفة “وقد يكون مثقفا لا ديني” لكنه مرتهن لماضاوية في شكل من أشكالها سيما حين الحديث عن الحرية العامة ناهيك عن حرية الرأي والرأي المضاد، أو القبول بالآخر وهذه هي نقطة جوهرية من خلالها نستطيع أن نحكم عليه، فلو آمن برأيه سيقبل الآخر الضد ويقبل رأيه الضد بدون تحيزات للقناعات المسبقة عن “الآخر” وهذا لا يشترط عليه تنفيذ رأي “الآخر” بل أن يمنحه فرصة ليعبر عن رأيه، كهدف لحريته بممارسة معتقداته دون ازدراء أو مقت أو تحريض أو تعريض ناسف، وهنا بإمكاننا أن نتحدث عن الحرية دون ادعاء ومراوغة، حين نقبل بعضنا بأرواح متجردة من غل وتعبئة وشحن وتخوين، ليبقى الكل وحياته الخاصة وحالاته الفكرية وأفكاره التعبدية، غض النظر عن انفتاح الآخر أو انغلاقه فهذا مردود عليه، لكن حين أتحدث عن “أنا وأنت” إذا قبلنا بعضنا من جانب ورفضنا جوانب أخرى فلن نكون أحرارا ومنهجيين بالمعنى الحقيقي، لنكتشف أن تفكيرنا بالمعنى الحرية ليس مضبوطا، وهذا مرجعه الخلل للبنيوي في نقدية التفكير الموضوعي الذي يضع محددات لكل أشكال العلاقات والتناولات والتعاطيات وليس مع الأفكار والنصوص فجسب وإنما بكل تفاصيل الحياة ومنها الثقافية والفكرية والمجتمعية أو أخرى مرتبطة بها ارتباطا تفرضه الضرورة كحتمية لاكتمال الصورة. بالنسبة للحرية كمبدأ للتعايش الإنساني، وما يترتب عليه من قبول للآخر، وربما قبلها الاعتراف به ككيان إنسان هي خلاصة لاستمازة منحها من منحها ومنع عنها غيره لأسباب لها علاقة بمبدأ الروح، وتراكمات الوعي، وباكتمالات خلايا عقلية خالية من تعقيدات الآيدلوجيا وعقد #الإيغوسنتريا والتي تحول بينه وبين الآخر كمبدأ أولا، وكقيمة اعتبارا، هنا يكتشف الفرد كثير من تفاصيل التحررية من يعتبرها جزءا من جزئياته الكينونية، عداها تفاصيل ادعائية أشبه بهرطقات شانها شأن ادعاءات “آخر” يوافقه بذات تفاصيله.