- عبدالباري طاهر
عندما صنف العالم اللغوي والفقيه المتعدد المواهب الفيروابادي صاحب معجم «القاموس المحيط» كتابه«الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد» في ثلاثة مجلدات في عهد الملك الرسولي الأشرف إسماعيل في القرن الثامن الهجري- أمر الملك الأشرف أن يُحمل الكتاب على رؤوس ثلاثة من العلماء في موكب مهيب من العلماء والفقهاء والقضاة والوجهاء. احتفل الملك بالكتاب وصاحبه، ومنح المؤلف- كما يذكر الخزرجي في «العقود اللؤلؤية» – ثلاثة آلاف دينار، ولقبه بمجد الدين.
في الجاهلية كانت القبيلة تقيم الولائم والأفراح بميلاد شاعر من أبنائها؛ فهو المدافع عن أحسابها، الحافظ لأنسابها، والأمين على تاريخها وإرثها، والناطق بلسانها. عندما صدر كتاب «قاموس العرف القبلي في اليمن» للباحث العلامة أحمد صالح الجبلي انبرى الزميل العزيز الأديب الشاعر والناشر محمد عبد الوهاب الشيباني إلى ندوة للتوقيع؛ احتفاءً بصدور موسوعة علمية تدون إرث الأعراف والقيم والتقاليد القبلية العريقة في اليمن.
نظم اللقاء في مركز الدراسات والبحوث اليمني عدد غير قليل من الباحثين والناشطين والأدباء والكتاب في ظل غياب كلي ومطلق لأي مسئول في اليمن. ربما كان هذا أجمل ما في الاحتفاء. كان التكريم المعنوي للباحث وللكتاب تعويضاً أخلاقياً عن غياب الدولة ومؤسساتها عن الاحتفاء بالكتاب أو الاهتمام بصاحبه. ترى كم هو الفرق بين الجاهلية الأولى- تاريخ طفولة العرب وبدائيتها – والقرن الثامن – زمن دولة زبيد في العصر الرسولي –، وبين الجاهلية والثانية – زمن الحروب المتسلسلة والمتناسلة، ودعوات الطوائف القاتلة والأعراف المميتة-.
تحية للعزيز أحمد صالح الجبلي وموسوعته المائزة، واللعنة على الحروب ومشعليها ودعاتها، وتحية الإصدار دعوة ووعد بالكتابة عن أهم إصدار يوثق الإرث القبلي الحاكم في الوجدان الشعبي.