- كتب: حسين الوادعي
فيه جانب مهم في النقاش الحاد حول فيلم “أصحاب ولا أعز” وهو انه بيمثل صراع بين ايديولوجيتين؛ ايديولوجية woke capitalism “الرأسمالية الصحوية” وايديولوجيا قيم الأسرة أو قيم المجتمع.
ظهرت في الغرب، وفي أمريكا بالذات، حركة شبه ثورية (يسار ليبرالي) اطلق عليها woke واللي ممكن نترجمها “الصحوة” أو “خليك صاحي”.
الحركة هذه أعادت تعريف الصراع داخل المجتمع الغربي على أنه صراع لامساواة هويات مش صراع طبقي. الصراع بالنسبة لها هو صراع البيض ضد السود، والرجل ضد المرأة، والمغايرين ضد المثليين والسحاقيات والعابرين جنسيا، والأغلبية ضد الأقليات المهاجرة.
هدف ال woke لم يعد الغاء الرأسمالية وإنما ضمان ان “الاقليات” بتحصل على نفس النصيب من الامتيازات الرأسمالية زيها زي الاغلبية.
من داخل هذه الأيديولوجيا ظهرت حركات مهمة مثل black lives matter و me too و نسوية LGBTQ واستطاعت انها تنشر مفاهيمها في الإعلام والاكاديميا والحركات الاجتماعية والسياسية.
الراسمالية من ناحيتها ما قصرت.
شافت ان “الصحوة” صار لها جمهور ضخم وعندها مفاهيم سهله وقابلة للاستهلاك الجماهيري فقامت اخذت هذه المفاهيم واعادت تغليفها وقولبتها في غلاف انيق قابل للتسويق وتحقيق الأرباح.
وشافت أيضا أن تحويل الصراع من طبقي إلى هوياتي يقدم لها خدمة العمر التي لا تعوض.
الراسمالية الصحوية تأخذ قضية المثليين وتنتج فيلم سوبرمان بطله مثلي أو المرأة الخارقة اللي عندها علاقة سحاقية مع صديقتها وتضرب عصفورين بحجر. من ناحية تقدم نفسها للجمهور متبنية للقيم الثورية حول الجندر والمثلية، ومن ناحية ثانية تحقق مليارات الدولارات أرباح.
تقفز الرأسمالية الصحوية الى قضية العدالة وتنتج مسلسل squid game اللي في ظاهره نقد صارم للاستغلال الراسمالي للانسان لكن في حقيقته هو اعادة تأكيد على أنه لا بديل إلا للراسمالية التي سيتحول “البطل” بفضلها الى ملياردير في نهاية المسلسل.
وما فيش مانع ان المسلسل الناقد للجشع الراسمالي يدر ارباح تتجاوز المليار للدولار للعملاق الرأسمالي الذي انتجه!
بالمقابل كلنا مستوعبين ايديولوجيا “قيم الأسرة” او “قيم المجتمع” وهي عنوان حريض يقدر أي شخص او جماعة قومية او وطنية او اسلامية تستخدمه لمحاربة كتاب او فيلم او فكرة.
قيم المجتمع نابعة من تصور مثالي للمجتمع الخالي من العيوب الذي يسيطر فيه الاي ويوجه وتخضع النساء والصغار له وتحتل قيمة الشرف بالمعنى الجنسي مكان الصدارة فيه إضافة الى قيم طاعة الدين واحترام العادات والتقاليد.
فيلم “اصحاب ولا أعز” هو لحظة صراع كاشفة بين الايديولوجيتين.
الفيلم مصنوع حسب معايير woke capitalism. يعني خذ قضية حساسة من قضايا العدالة او الاقليات وادفشها في الفيلم حتى ولو ما لها علاقة بالخط الدرامي للفيلم علشان تخفي سطحية الفيلم وعيوبه الفنية.
الفيلم معمول على طريقة الهامبرجر باللحم الحلال أو بلحم الجمل أو بالكاري الهندي. اللي في الأخير ضروري يظل هامبرجر. مش مطلوب انه يتحول الى سندوتش فلافل أو طعميه لأنه ضروري يكون عنده طعم محايد وقابل لمخاطبة أوسع فئات ممكنة من الأذواق والتوجهات.
الخلطة سهله: خيانة زوجية بسبب الملل الزوجي، علاقة مثلية، لغة بذيئة، جنس محرم، وأسرار شخصية حميمية يتم كشفها دون مراعاة للتسلسل الدرامي أو تطور الشخصية الدرامية.
نتفلكس تعيد تعريف الدراما عالميا ضمن قوالب woke capitalism وهي الموضة السائدة عالميا، ولما تظهر موضة جديدة بتتخلى عن القديمة وتنتقل لتسويق المنتج الجديد.
في الأخير أنا ضد الحملات التحريضية مهما كان مستوى العمل الفني. واعتبر ان مشاهدة الفيلم تجربة مهمة لاستيعاب تحولات الدرما في ظل سيطرة عمالقة الانتاج العولمي.
أما ايديولوجيا قيم المجتمع فهي سلاح ذو حدين لأنها قيم مختلف عليها وكل صاحب سلطة يفرض القيم المناسبة للحظة الصراع.