- محمد عبدالوهاب الشيباني
حتى وهو يعيش ضائقاته المالية الكبيرة والمتكررة في سنواته الأخيرة كان الراحل (حسين محمد السفاري) عند دخول الشتاء في صنعاء يطلب من أحد تجار البالة المعروفين لديه في منطقة التحرير تزويده بأكبر وأنظف (طربال) استورده حديثاً يحتوى على ملابس شتوية متنوعة (جاكتات وكنزات صوفية)، وحين تصله يطلب من أحد معاونيه فرزها وإرسالها للمغسلة، ثم يطلب منه لاحقاً توزيعها على عمال البنك المتعبين الذين يعرفهم بالاسم. كان أيضاً يفتح حسابات في المطاعم والبوفيات القريبة من مكتبه ، ويتيح للكثير من العمال الجائعين تناول وجبات الإفطار البسيطة على هذه النوتة. كان يطلب من موظفي صناديق البنك توفير مبالغ من الفئات النقدية الصغيرة النظيفة (فئة المائة ريال) بشكل مستمر من حسابه الشخصي ليحملها معه في السيارة ويقوم بتوزيعها على كل من يقابلهم في الجولات والأسواق من المتسولين، ومن يقرأ في عيونهم الحاجة. كان يحس بسعادة غامرة وهو ينظف آخر ما في جيوبه من نقود لسائل ومحتاج يلجأ إليه.
كان حينما يجد بائعاً متجولاً أمامه يعرض عليه ما يحمل لا يتردد في شراء كمية مما يبيع هذا الشخص، حتى وهو غير محتاج لهذه السلعة البسيطة والرديئة في الغالب، لكنه ينقد صاحبها المبلغ الذي يطلبه بدون مفاصلة ، ويأخذ منه ما اشترى ويمنحها آخرين من معارفه وغير معارفه ، وكان يقول أنه باستطاعته منح البائع مبلغاً صغيراً دون أخذ بضاعته، غير أنه لا يريد اشعاره أنه يتصدق عليه.
الخميس الماضي مررت مع أحد الأصدقاء المشتركين أمام أحد مكاتب شركات رجل أعمال معروف في شارع القصر وأمامه طابور طويل من النساء والأطفال والشيوخ ينتظرون خروج أحد الموظفين لتوزيع صدقات رجل الأعمال الاسبوعية من فئة المائة الريال المتهتكة ، فقال لي أن العم حسين كان ينفق على مثل هؤلاء مبالغ كبيرة وبدون منَّ، وبغير هذه الطريقة التي تنتقص من إنسانية البشر.