- حسن عبدالوارث
لطالما فخرَ اليمنيون بتاريخهم الذي يرونه موغلاً في المجد ومُكلّلاًَ
بالهيلمان وفائضاً بالسؤدد . وتأسيساً على هذا الفخر يتعاطى اليمنيون حشيشة الاعتزاز وأفيون الاطمئنان . وبالتالي لا يجروء أحد على أن يهزّ هذا
الاعتقاد الراسخ لدى اليمنيين بعظمة تاريخهم ، بأن يشير الى أن جزءاً
حميماً من هذا التاريخ زائف من الأساس .
ان كتابة التاريخ اليمني كانت
في جانب منها اما يعتورها الزيف الخالص أو تكتنفها المبالغة الشديدة أو
المكيجة البليدة ، يستوي في ذلك التاريخ السياسي والحربي والديني والثقافي . وثمة دراسات علمية كشفت الكثير من جوانب هذه الحقيقة ، وتصطف اليوم في
عديد مكتبات وجامعات العالم عدا مواقع الشبكة العنكبوتية .
كما أن
العديد من القراءات التاريخية – حالها حال معظم الكتابات التاريخية – لم
تكن أمينة مع مبادىء العلم ومعاييره في ما يتصل بالدقة والأمانة والمسؤولية والموضوعية . فقد أخفى عدد من الباحثين والمؤرخين عديداً من الأسرار التي
تكشّفت لهم أثناء دراساتهم أو قراءاتهم ، ايغالاً في التمويه على زيف هذا
التاريخ أو زيف مؤلفيه !
وقد أستمر الأمر على هذا المنوال الى زمننا
التاريخي الحديث والمعاصر ، اِذْ راحت عملية كتابة التاريخ تتلوّى تحت
سيطرة عدد من أصحاب الولاء لمعتقدهم السياسي أو الآيديولوجي ، أو ذوي
الانقياد لمصالحهم الطائفية أو السلالية أو الجهوية ، أو ممن اقترن بمصلحة
نفعية ما على حساب حقائق التاريخ وقواعد العلم وحق الأجيال في المعرفة .
ان معظم تاريخ ثورتَيْ 1962 و1963 – على سبيل المثال – الملقى قبالة بصر
الأجيال موغل في الزيف . و قِسْ على ذلك معظم المعطيات التاريخية المتصلة
بأحداث ووقائع تاريخية جسيمة أخرى مثل استقلال 1967 ووحدة 1990 . فالكثير
من وثائق وحقائق تلك الأحداث وغيرها لا تزال في حالة من ثلاث : اما مطموسة ، واما مدسوسة ، واما مُلتبسة . ويتعمّد البعض – ممن شاركوا في صنع تلك
الأحداث أو اطَّلعوا على مجرياتها – أن تظل هذه الحالات قائمة في الوعي
الجمعي اليمني ، لأغراض موغلة في الذاتية أو متصلة بالبراجماتية أو مرتبطة
بالمرجعية . والأمر ذاته ينطبق على تاريخنا في عهدَيْ الاحتلالين التركي
والبريطاني أو في ظل المملكة المتوكلية والأحداث التي شهدتها بعض المناطق
والطوائف فيها .
وفي الوقت نفسه ، تجري اليوم في مناهج التعليم ووسائل
الثقافة والاعلام حملة محمومة لاعادة كتابة وتكريس محطات جديدة في التاريخ
اليمني ، على هوى السلطات القائمة اليوم على المؤسسات التعليمية والثقافية
والاعلامية ، مما يجعل مُدخلات هذه العملية تغدو – بعد زمن ليس بالبعيد –
مفاهيم وحقائق تاريخية مغروسة في وعي ووجدان الأجيال القادمة والى عهد لا
يعلم أمده وأثره أحد .
ان أولى الخطوات اللازمة لغسل الدماغ الجمعي
للأمة تبدأ من غسل أدمغة النشء . وليس أنجع وسيلة لتحقيق ذلك من زرع أفكار
ومفاهيم ورؤى وتعاليم تتحول الى حقائق راسخة في نسيج الوعي والوجدان الجمعي للجيل الجديد ، بما يتصل بعقيدته الدينية وثقافته التاريخية وموروثه
الوطني ، على غير ما درجت عليه الأمة وأجيالها المتعاقبة طيلة العقود بل
القرون الماضية .
والحق أن ثمة محاولات تتأسَّس منذ زمن قريب لكشف
النقاب عن كثير من جوانب الزيف في هذا المحمول التاريخي ، ما يطال الأحداث
والوقائع والأشخاص وغيرها من الحقائق التاريخية .
واذا كتب الله عمراً
مديداً – لي وللقارىء الكريم – سنستطيع أن نقرأ نسخة من كتابنا التاريخي
خالية من الشوائب والزوائد والنواقص والجراثيم الضارة بعقل ووجدان الأجيال .
غير أن البلاء العظيم يكمن في المحمول الجديد الذي لا يزال يتأسس ويتجذر في هذه اللحظة !!
———————————-
- الصور :
القبطان هينز ، الامام يحيى ، وعثمانيون في اليمن .