غناء : عبدالباسط عبسي
- كتب: د. عبدالعزيز علوان
القصيدة الأغنية ( عروق الورد ) ، ليس لها مستقر ، نسند إليه القراءة ، بأقل تكلفة ممكنة من الجهد ، كما لا نستطيع فصل إيقاعاتها الداخلية ، عن الصوت المتدفق بأنفاس الفنان عبد الباسط عبسي .
هذا الصوت المتماهي مع إيقاعات وموسيقى القصيدة الداخلية، المندغم مع الحالة النفسية لثلاثة أطراف ( الشاعر ، الفنان ، المستمع ) .
تلك هي النظرة العامة للقصيدة الأغنية ، أما من ناحية الخطاب الذي تتوجه إليه القصيدة في محاورة الآخر ، فقد أتخذ من وجهة نظري الشواهد الآتية :
الأول :
الخطاب الغائي للأعلى (للذات الإلهية ، المنشئة للسحاب من خلال (عروق الورد تستني رعودك) .
الثاني :
يتوجه إلى ذات الشاعر الإنسانية بما تحمله من توق للإندغام في الحياة ومن أجل الحياة ذاتها.
الثالث :
ربما يكون هذا الخطاب موجها للمرأة التي تسقي جذور الورد بيدها ، أثناء تدفق السيول .
ها هي عروق الورد (مستني ) منتظرة رعودك ، ف لا مطره تقع من غير رعود .
نرى في جملة (حنينك) ، إثارة لإنتباه الحبيبة من خلال أسلوب النداء (يا مسقي الزرع بيدك).
اليد هنا تشير إلى القوة التعاونية ( الرجل والمرأة ) في المشاركة في سقاية الزرع أو القوة الذاتية للفرد رجلا أو إمرأه:
عروق الورد مستني رعودك
حنينك يامسقي الزرع بيدك
غصون البان نوع من النبات ( المورجينا ) تغنى به الكثير من الشعراء وله فوائد صحية، وهنا يتمنى خدودك (يا مسقي الزرع ) فمع السقاية المطلوبة تخضر غصون البان ، ومع هبوب النسائم الخفيفة بعد المطر ؛ يتلطف الجو بـ( البرود ) من ( حما ) حرارة الدنيا :
غصون البان تتمنى خدودك
برودك من حما الدنيا برودك
(حنين القلب يا سلمى ) الحنين هنا يتوجه صوب سلمى المخاطبة ، ك ..( ذات الشاعر العاشقه ، الحبيبة ، أو هي الأرض) ، محددا غرضه المتناغم ، ( بشاعرية القصيدة الذات ، وحنين المرأة كحبيبة ، أو عطش الارض ) مع هذه الألحان التي تنساب بصوت العبسي عبدالباسط .
في العيون التي تغني هذا الحنين، ( قد تكون إشارة رمزية لعيون الماء التي تتفجر بعد المطر ) ، هذه العيون التي تغني الحنين بصوت البن والكاذي وهزات الشجون ، في تشخيص ملفت النظر و مسترسل مع نمو هذه النباتات ، وما تودعه في الفضاء النفسي والجسمي من أسرار هذا النمو:
حنين القلب ياسلمى
تغنيه العيون
بصوت البن والكاذي
وهزات الشجون
كم رقص الدمع كفعل ماض داخل عيونك ، فرحة بالمطر ، أو خوفا من الجدب كما يتراقص الماء (يترقرق ) في عيون الينابيع ، ، وفي الحالين فإن هذا الدمع قد خالط في طول تلك الرقصات حنينك ، مع الاعتبار بأن المخالطة ، يمكن فصل مكوناتها بسهولة بعد الخلط ، من وجهة نظر الفيزياء والكيمياء ، بينما تبدو وجهة النظر الشعرية غير ذلك:
وكم دمعك رقص داخل عيونك
وخالط طول رقصتهن حنينك
(وهبتك روحي الوهان ) الروح لا توهب إلا فداء( للدين والعرض والأرض ) كغاية أسمى ، هذه الروح الولهانة، (الوله هو شدة العشق الذي يمحي ، كل شيء ماعدا المعشوق من منظور صوفي)، ولذا فقد وصفت القصيدة الأغنية هذه الروح الولهانة (عشقا . والموهوبة فداء للهدف السامي ) ، بأنها شمعة كضوء نابع من الذات العليا الإلهية أو الدنيا الإنسانية ) وليس كوجود مادي للشمعة.
وكما يأتي دفير السيل ، إندفاعه ، كدمعة فوق أخرى ، (الدمعة جاءت نكره لتشير الى الخاصية المشتركة للإنسانية ) ، فإن نور المحبه يأتي ليؤكد أن الشمعة هي – مصدر نور المحبة في كل( بقعة ) من ثرى هذه الأرض التربة اليمنيه – ، في إشارة واضحه للوحدة اليمنية. التي يتفيأ ظلال بروردها ( هوى ) الأحباب جميعا ، بمشاربه الفكرية والسياسية المتنوعة:
وهبتك روحي الولهان
شمعه
دفير السيل دمعه
فوق دمعه
عشق نور المحبه كل بقعه
برودك ياهوى الأحباب جمعه
هنا تبدأ العلاقه الجدلية معك، (يوم حبيتك ) بداية حبي لك ، وبداية الشباب هو بداية الحب ، المتبادل بين الفتى والفتاة ، ويسمى ما قبل مرحلة الحب هذا إعجاب .
أما التعلق في حب الارض ، فهو يبدأ من الصغر حتى من قبل تعلم الحروف الأبجدية ، مذ ذاك اليوم الذي حبيتك فيه ، وقلبي ، (هذا المتقلب في ولهه وهجرانه ، في قربك منه وبعدك عنه ، وفي غربته عنك واغترابه فيك ) ، يشرب الراحه (قهد) والقهد هو أرق مشوب بالقلق ، يتحول إلى راحة في صيرورة الراحة الكائنة في همسة عيونك:
من يوم حبيتك وقلبي
يشرب الراحه قهد
مانسى همسة عيونك
عند تلك الهمسة التي ( دق) طرق فيها الحب ابواب النفوس ، فإن شوقي ، ذاب منذ لحظتئذ في شجونك ، ولم يك يدري لحظتها أن (المحبة تقتل العاشق إذا غاب الحبيب )، في (عذابات سنينك) .
فهل يمكننا اعتبار هذا الغياب ، غياب وجودي ، كإغتراب في الهوية والتربة ، أم فقط نكتفي بالقول أنه غربة ابتعاد عن الوطن ؟!:
حين دق الحب
ابواب النفوس
ذاب شوقي في شجونك
مادرى إن المحبه تقتل العاشق
إذا غاب الحبيب
ياعذابي من سنينك
للعروق في شعر الصريمي معان أخرى كالشرايين والأوردة التي تحمل الدم من القلب إلى جميع أجزاء الجسم ، وللوردة أيضا في قاموس الصريمي معان آخرى منها الثورة كما في قصيده نشوان:
قطر العروق شا يسقي الورد يا نشوان