غناء: عبدالباسط عبسي
- كتب: د. عبدالعزيز علوان
مع طائر الدان حلقت بنا عاليا ، و طرقت أبواب قلوبنا لتقطف منها ورود المحبة ، وتغرف منها ما تشاء .. كل تلك الألحان ، والصوت المرافق لها ، والذي يأخذ مأخذه من قلب المستمع ، جعل الكثير من المستعمين ينسب معظم تلك الأغاني إلى الدكتور سلطان الصريمي ، كونهما ، ثنائيان متفردان ، في تاريخ الأغنية اليمنية.
(قليلة هي الأشياء التي يمكن أن تُوصف بأنها أكثر إنعاشًا من الاستمتاع بتناول مشروب بارد بعد قضاء يوم تحت قيظ الشمس في فصل الصيف. لكن احتساء مشروب ما ، لا يروي الظمأ دومًا) كماء البحر وهمس الشروق.
تتوجه القصيدة الأغنية بالخطاب إلى الحبيب بصيغه ضمير المخاطبة ( كِ ) ، حسب الأداء الصوتي للفنان عبد الباسط، هذه النفس التواقة إلى الصفاء والنقاء الذين تنفسا تلاقيهما بهمس الشروق..
بلقاء هذه النفس بصفائها و ديمومة ألقها( بكِ) ، بعد إن كادت تطفيه الحروق ، والحروق ، هي تلك الآهات والكدر الذي يخلف وراءه قطعا من السواد ، وركاما من الرماد:
نفسي الظمآنة من همس الشروق
لقيتك بعد ماكادت تطفيها الحروق
في لقاء النفس بين احضانك ( انتِ ) ، ألتقت مطرها ، ولمعان بروقها ، في دورة حياة ، ترتوي منك ( العشانج ) الأغصان بوارف ظلها، والعروق في أعماق تربتها:
ولتقت بين احضانك مطرها والبروق
ومنك ارتوت كل العشانج والعروق
الكلام عن الحب ، قِيل ، من قلب عاشق ، والعشق كما يذهب الصوفية إليه هو عبارة عن ( محو ) يُمحي كل شيء من حوله ، ويبقى الحبيب هو المتربع عرش توحده العشقي، الذي يُغرق العاشق من أخمص قدميه حتى أذنيه ، ويغوص في بحاره ليبحث في( صدفه) عن محارات معناقته ( عِناقه):
احبك قلتها من قلب عاشق
وفي حبك الي الاذنين غارق
يدور في صدف بحرك معانق
بحيث يكون هذا العناق خاصا لأحلام المُعنى (المقصود بالعشق) ، بدون فراق ، ( يا أنتِ ) ، يا رمانة أيامي ، وأنسها ، وعنبها وكل ثمار عمرها:
لأحلام المعنى لا يفارق
يا رمان ايامي وانسي والعنب
عليك أيتها الحبيبة ، سواء كنت (إنسانة. ، ارضا. فكرة ، قصيدة ، قضية ، ثورة ، أو غيرها ) عليك أنت كم تعب القلب، من التعب المتكرر ( تعب ،تعب ) ولأجلك قد عصر روحه ، وصب هذا العصير في ترابك ، واغترب في طياته ، ( داخله ) :
عليك يما تعب قلبي تعب تعب
لاجلك قد عصر روحه وصب
عصيره في ترابك واغترب
في المقيل اتمناك وفي السمر ، الذي يهديني خيالك ، فيهما للغناء سحره ، وبه (احاري) أجعل ( وقيد ) الشوق مشتعلة من جمر هذا لخيال:
تمنيتك مع المقيال والسمرا
واهداني خيالك للغناء سحره
وحاريته وقيد الشوق من جمره
وها قد حبيتكِ(انتِ) ، بضوء الفجر ، بكل جماله ، وزغاريد عصافيره ، وأنوار ابتساماته ، و حبيتكِ أيضا ، في ظلام الليل ، بإعتبارك نورا يسري في القلب دفئا ، و نجوما متلالئه في سماوات محبته:
وحبيتك بضوء الصبح والغدره
لقيتك شوق احلامي وصبحي
في سِحر ، جمالك ، وذكراك ، وحبك المتواصل ليلا نهارا يكون ، شفائي ، ودواء جراحي .. لأنني كتبتك من مداد قلبي ومن رمحي ، كتؤامي النضال ( توحدا وانتصارا) ، في أغنياتي لك بكل أحزاني ، وكل افراحي:
وفي سحرك شفاء دااائي وجرجي
وكتبتك من مداد قلبي ورمحي
وغنيتك باحزاني وفرحي
بعد كل هذا ، ما الذي يمكننا قوله ،عن العلاقة الجدلية بين النفس الضمآنه وهمس الشروق ، كبداية متجددة للحياة..
هل نستطيع القول بأن القصيدة الأغنية في جدلتها ، الكامنة فيها ، وإن كانت تلمح إلى وجود حبيب بعينه، فهي تشير أيضا لتلك النفس الضأمئة إلى نور أسمى وأجل ، كنتاج لتجل صوفي سما بالظمأ النفسي ، والتقى بالنور الذي تجلى بكل جزئيات الحياة الإنسانية أرضا ، وبحرا وسماء..
ولن نذهب بعيدا إن قلنا بأن العلاقة الجدلية ،تلك إستحضرت من اللاوعي ، الآية القرآنية ( والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس ) ، لنتبين منها مدى ظلام الليل النفسي الذي كان محيطا بنفس الشاعر ، ونستدل بهمسة الشروق على انطلاقتها لمعانقة الضوء المكثف في همس الشروق.
هوامش :
- خضبان ، مسعود هجر ، همس الشروق ، متى وارعيه شمطر ( الصريمي )
- آه ما أمر الرحيل ، وا قمري غرد ، لينا شتسافر ،( الفتيح )
- من الضحى حتى قدوم الاصيل ، من مبسم الفجر ( الفضول).
- طائر الدان ( عبدالفتاح عبدالولي )
- مظلوم معك ( عبدالرب المقطري )ِ
- لمه لمه قد اجيت ( عبده علي ياقوت الذبحاني )