غنــــاء: أحمد قاسم
- كتب: د. عبدالعزيز علوان
من ريح الشروق ، التي حملتنا إلى معظم بقاع الأرض اليمنية، وجابت فضاء القاهرة الفني بصوت كل من ( رويدا عدنان و جلال فكري )مع فرسان خليفه، مرورا بالنجم السامر فوق المصلى الذي أنطلق من لحن محمد مرشد ناجي ، في آفاق الشام بصوت ( فهد بلان ) ، و من تأوهات مناجاة الفتاة، الذي جابت عوالم القاهرة في زمنها الفني الجميل ، بصوت الفنانه فائزه أحمد (في عملها المشترك مع فرسان خليفه) .
هذه الفتاة الأغنية، التي تطلب من أخيها الصغير ، التوسط عند أبيها لتزوجيها ، خوفا من ضياع عمرها انتظارا، وحتى الوصول إلى هذه الريح ( الجلاب ) والريح الجلاب هي الريح التي تحمل السحاب ، المحملة بالغيث ، ينتظره المزارعين ويتمنون قدومه محملا بالغيث ( المطر )، تفاعل اللحن والصوت الجهوري للفنان أحمد قاسم ، يجعل المستمع ، يتماهي مع الأغنية ، يصعد معها إلى أعلى جبال العدين ، ويدغدغ انسياب المياه ، نبض أوديتها.
العدين من أخصب المناطق الزراعية في محافظة إب ، وخصب الأرض يدل على هطول الأمطار الموسمية بكثرة، وقد أعتاد المزارعون أن يسندوا معرفتهم لقدوم الأمطار باتجاه حركة الريح ، وبالتالي فإن القصيدة الأغنية ، تتضرع إلى الله أن يأتيها بريح جلاب من جهة العدين، أو يأتيها بسحاب ، تندي علوم (أخبار) أحبابها ، والسحاب هي قوافل البشارة العائدة بهذه الأخبار:
من العدين يالله .. يالله بريح جلاب
والاّ سحاب تندي علوم الاحباب
في هذه الهدأة من الليل ، التي يخلد فيها الناس للنوم، يجد الشاعر نفسه تجول ( تتقلب ) فوق فراش الأرق، فقلب الشاعر أحترق ، وحُق له التساؤل ، لماذا العذاب يارب:
الناس رقود وانا الفراش يجول بي
قلبي احترق لمُ العذاب يا ربي
لم ألتق أهلي ، ولا محبي، فبالله عليك ياريح الصَبا الدافئة والمنعشة للمشاعر الإنسانية ، أن تهبي ناحيتي، لكي تخففي من حدة هذه الغربة التي يعيشها الشاعر:
ولا لقيت أهلي ولا محبي
ريح الصبا بالله عليك تهبي
من العدين يالله … يالله بريح جلاب
بالله عليك ، إستحلاف للقمر بالله ، أن يقل لهذا الغائب ،إذا ضاقت به داره أو سكنه في غربته، فإن القليب سيكون محلا لإقامته الآمنة ، وبضوئك المنير ، أمانتك تدله على طريق ، العودة لتسقية أشجار البن، وليجن زهور فله:
بالله عليك يا ذا القمر تقوله له
إن ضاق به داره قلبي محله
على الطريق أمانتك تدله
يرجع يسقي البن ويجني فله
من العدين يالله … يالله بريح جلاب
من ذا يقول، إستئناس واستفسار لأحد ما ، يقول لي ، (يارب) ، ما الذي (جرى له) أي حصل له في غيابه
فقد صار داره خرابا ، والحقل جف ( مساله ) أي مجرى السيل الذي يستقي منه ، ويحمل الشاعر المخاطب المستتر ، الأمانة ، أن يقل للحبيب الغائب بماحدث من خراب في غيابه ، المتعلق بحوله ( قطعة أرض ، وأن يحكي له شيئا عن حوله ( قطعة أرضه الخصبة ) هذه وعن الحال الذي آل إليه (نباله) وهي أداة الحراثة:
من ذا يقول يا رب ماهو جرى له
داره خرب والحقل جف مساله
أمانتك إذا جزعت قباله
تخبره عن حوله عن نباله
من العدين يالله … يالله بريح جلاب
من خلال ما سبق ، نرى أن ثمة غموضا ، بدا واضحا، في المكان الجغرافي الذي يتخذ من الريح الآتية من العدين ( مزنما ) أو معلما لتلك السحاب المحملة بالمطر ، فليست كل مزانم السحاب الممطرة عُدِينية، لذا فإن القراءة للقصيدة المهجل من وجهة نظر زراعية ، لن يفيد القارئ في شيء ، ف ( العدين ) ليست مزنما للمزارعين يُرتجى منه قدوم السحاب إلى عدن … حسب معرفتي المتواضعة في هذا المجال .
فهل جاءت هذه ( العدين ) كإستدعاء من اللاوعي ، كموروث شعبي للملالات والمهاجل ، والأخبار ، التي كان يتناقلها الجمالة ، الذين يأتون لمناطق ماكان يعرف باللواء الأخضر ( محافظة إب حاليا ) لجلب القمح إلى مناطق كثيرة في الحجرية، أو تلك التي تتغنى بجمال العدين من أبنائها الذين سافروا منها إلى مناطق الحجرية ، وتعز ، وعدن، أم أنها ( العدين ) ذات دلالات رمزية للطلائع الثوريةمثلا ؟!
أم أن لها دلالات اخرى ؟
أسئلة تفرض نفسها هنا … لمزيد من القراءات.
القصائد المغناة التي وردت فيها منطقة العدين:
- ( والاخضري من العدين بكر) د. سعيد الشيباني/ المرشدي
- ( أخضر جهيش مليان حلا عديني ) الجابري /المرشدي
- ( يا بدر ياعديني ) عبده عثمان محمد/ إسكندر ثابت