- المهندس/ حسين بن سعد العبيدي*
ستظل مأرب حجر الزاوية في المعترك السياسي والاجتماعي القادم وسيكون على أبناء مأرب أنفسهم أن يعبدوا هذا الطريق الجديد لا سواهم وأن ينظفوا ما حولهم من المدخلات الجيوسياسية القائمة إذ أن هناك من يريد ان يثبت ان الصورة القائمة في مأرب هي حالة نموذجية من الأمن والاستقرار والتنمية وهم في سبيل ذلك يزيحون كل عائق من أمام هذا التصور فقد تنكروا للديمقراطية والتعايش والحوار وانشغلوا بتكديس الاموال والاسلحة والمقاتلين استعداداً لأي رياح تغيير تهب في اتجاههم. لقد أراد الحكام الجدد في مأرب ذو النهج الأقصاي ان يصنعوا نموذجاً يشبه نموذج الصراع المسلح والمواجهة الاجتماعية القائمة في بعض أجزاء سوريا والمحافظات العراقية المحاذية لها حتى انهم اتخذوا من حقول النفط مخيمات وكنوز وجلبوا اليها كل الطامحين للثراء حتى شرعنوا جهاد النكاح استكمالا لذلك النموذج. وعندما بدأ الجيش المصري بإعادة تنظيم البلاد في مدن مصر الكنانة بعد فورة الربيع العربي فوجئ المصريون بانتقال المواجهة مع تلك المجاميع الإرهابية إلى شبه جزيرة سيناء المقدسة لقتال الدولة والجيش المصري بينما كانوا يصورون أنفسهم في ساحات قاهرة المعز دعاة للسلمية والتسامح والانطلاق نحو الديمقراطية. ونحن إذ نرى ذلك السيناريو في مصر وليبيا والعراق وسوريا يتكرر في محافظات الصحراء اليمنية الغنية بالموارد الطبيعية من النفط والغاز وهي مأرب وشبوة والجوف فأننا ننبه هنا إلى احتمال نشوء وضع اجتماعي جديد في إقليم مأرب ومحيطها يتمثل في توسع هذه الفئات بشريا وجغرافيا إذ بلغ أعداد السواح الجهاديين النازحين إلى مأرب ما يقارب ثلاثة مليون نسمة مقابل تعداد السكان الأصليين لمحافظة مأرب والذين لا يتجاوزون ثلاثمائة ألف نسمة وتحويل نفسها إلى بؤرة استيطانية حزبية وفئوية تحولت مع الزمن إلي تجمعات سياسية ثم تكتلات مليشاوية تهدد امن وسلام ومستقبل مأرب والمنطقة بشكل عام وقد تستقطب هذه المجموعات قيادات إرهابية وداعشية تتواجد في مأرب والخارج وقد تغرى بالمال والسلاح وحينئذ سوف تنتعش هذه المجموعات للانتقام والثأر من الطوائف الاجتماعية والسياسية الأخرى وسوف تواصل اكتساب المال والسلاح والثروة حتى تصبح قوة عسكرية وسياسية لا يستطيع احد الاقتراب منها أو الحوار معها، وثاني تلك الخيارات وهو ما نصبو إليه هو أن ينشأ عاجلا حراك سياسي واجتماعي وأمني نصحح به توجهات هذه الفئة المتطرفة التي ستدفع مجتمع مأرب إلى عزلة إنسانية لم تحدث في تاريخ مأرب من قبل وسيجعل مأرب تعود إلى قرون ضاربة في القدم من التخلف والتزمت والانطواء وسينفصل هذا الجزء الصحراوي اليمني بثرواته وتكويناته القبلية عن الوطن الأم بعد إعلان الانفصال والانضمام إلى تحالفات شريرة خارج الوطن اليمني وربما ترتمي إلى حضن استعماري واسع تديره القوى الرأسمالية الغربية أو المجموعات الجهادية المتطرفة أو كليهما وستتحول هذه التكتلات إلى مخيمات جهادية تغير على كل من يحاورها وتفسد في الأرض وتهلك الحرث والنسل وعندئذ لن نستطيع التخلص من هذه إلا بتدخل واسع من الدول العظمى كما حدث في سوريا وجزء من العراق وتركيا وسينتهي ذلك الهامش المتاح من الاعتراف بالأقلمة وبالسلطة المحلية التي جمد عملها في مأرب في بداية تأسيسها وأغلق الباب على أهم ممارسات نشاطاتها الاجتماعية والتنموية الضرورية. وبهذا فإننا نرسل هذه الرسالة التنبيهية قبل فوات الاوان فقد تحقق لهؤلاء المتعصبون عقائدياً ما كانوا يلهثون وراءه منذ 70 عام فهم الآن يغطسون في بركة ذهبية عميقة ويحيطون أنفسهم بأسلاك ومتاريس ويحاربون كل من يحاول الاقتراب منهم وإعادتهم إلى الصراط المستقيم كما نحذر من هذا المشروع الخطير الذي يراد لمأرب بعد الاستفراد الأحادي على أكثر من 70% من واردات اليمن الاستثمارية التي تصل منذ أربعة أعوام إلى خزائنهم الشخصية وبعد أن قاموا بإلغاء مشاريع الديمقراطية والحوار والتعايش.
- رئيس مركز مداري للدرسات والابحاث الاستراتيجية