- ضياف البراق
من حولي ضجة كبيرة لا معنى لها. وضجة هذه الحرب لن تختفي من حياتنا أبدًا. لا شيء في هذا العالم أشد من العنف جنونًا. الحقيقة أننا مجانين، كلنا مجانين ولكننا لا نعترف بذلك. اليوم أيضًا انكسرت أشياء كثيرة بداخلي ولكنّي لم أشعر بالقلق ولا بالتعب ولا بالندم. كل شيء واقِعٌ في هاوية الانكسار، وكل انكسارٍ واقع علينا وفينا.
لا شيء صادقًا. انكسارات وانتظارات وانتصارات زائفة. وهذه نهاراتنا المنكسِرة فوق الأرصفة، وأحلامنا المنطفئة بين الجدران الخاوية. وهذه الحياة الرائعة التي تنفلِت من أيدينا وتصير رمادًا يتراكم فوقنا. حتى عندما نلجأ إلى النسيان تزداد جراحنا الكثيرة. ومع ذلك، نبقى نحب الحياة ونلهث وراء سرابها وغبارها وضجيجها الكاذب.
إنها الحياة، كما يراها الشاعر الساخِر عبدالوكيل السروري، هي ذلك العفَنُ الناتج عن مخلَّفات الطبخ. وحسب الشاعر اليوناني يانيس ريتسوس، الحياة جرح في العدم!
الحياة، أيضًا، عندما تذهب إلى الحمّام لإفراغ حمولة ثقيلة ثم تفتح صنبور الماء وتلقاه فارغًا.
انسَ الحياة ينسَك الموت. انسَ نفسك يتذكّرك الناس. النسيان ليس علاجًا للألم، ولكنه قد يساعدنا قليلًا في هذه الظروف الأشد ضرارةً.
أمارسُ الكتابةَ من باب النسيان، أمارسها كخدعة للخروج من جراحي، أكتبُ كي أنسى نفسي وأختفي عن كل شيء. الإنسان ابتكر الكتابة ضد النسيان ولكن النسيان هزم هذه الحيلة وابتلعها. وهكذا، صارت الكتابة طريقًا إلى النسيان. لكن آثار الحروب لا تُنسى ولا تختفي صوَرها من ذاكرة المجتمع. ألمجتمعنا ذاكرة؟ النسيان لا يقوى على بشاعة الحروب، إنها تحطمه مثلما تحطم هذا البلد الفاشل.
تحاول أن تنسى الأسئلة التي تزعجك باستمرار ولكنك تفشل ثم تعود تتساءل وتبحث عن أجوبة شافية لآلامك المتزايدة. تلجأ إلى البكاء ولكن حتى هذا لا ينفعك. لا تبك. لا تنم. لا تمش. لا تفعل أي شيء. غير أن الكوبيس ستظل تطاردك في كل زمان ومكان، لن ترحمك حتى لو انحيتَ لها أو تلاشيتَ خضوعًا لها.
كتاباتك ضد الكوابيس وكوابيسك ضد كل شيء. لا تيأس يا صديقي، ولا تكترث للأمل. عش كمجنون ساخِر لا يبالي بشيء. عش بهدوء عميق مثلما ينام الطفل السعيد. لكن، كيف ينام الإنسان بسلام وسط هذه الفوضى العارمة؟
كم قَتَلتِ الحربُ من أهلك، من إخوتك وأصدقائك، من عمرك وأحلامك وأشيائك؟
كم من الحروب تشتعل الآن على مقربة منك؟
وهل أنت مستعد لمواجهة الحروب المُقبِلة عليك في الغد؟
ثم، ماذا يعني لك الغد؟ ألديك مستقبَل لتعيشه؟ ألديك وقت للصبر والكفاح؟ ماذا لديك غير جنونك بالكتابة؟ بالطبع، جنونك هذا هو كل ما لديك في هذا العدم الضائق بك..
كم من الهزائم يتجرعها قلبك الآن؟
أنت بالكاد تعُد أصابعك. بالكاد تخرُج من كآبة وجهك. بالكاد تضحك على نفسك الممتلئة بالرماد.
أيها الرماد، أيها الكاتب الرمادي، أيتها اللحظات والأشياء الرمادية، أيها الرماديّون جميعًا، الحياة هي هذه الكوابيس الوردية التي تجري على الدوام بما ينفع أيامنا ويزيدها جمالًا.
الحاصِل: الحياة رائعة جدًا.
الناصِل: سننجو بالتأكيد.