- ضياف البراق
الموقف الذي يضعه بين فقهاء الدين، لا بين نقاد الأدب، رأيه الكارثي في أدونيس. والحقيقة أنه عاجز تمامًا عن فهم الفلسفة الأدونيسية، ولا يستطيع أن يكتب مثله لا نثرًا ولا شعرًا ولا نقدًا.. وما أصعبَ الوصول إلى مستوى أدونيس أو التقليل من شأنه!
قال: أدونيس مجرد ظاهرة إعلامية!
بمعنى أنه ليس بشاعر كبير، ولا بمفكر مرموق، ولا عنده موهبة، وإنما هو مجرد شخص عادي يمارس الكتابة!
الدكتور قائد غيلان، كما عرفته شخصيًا، من لقاء واحد، إنسانٌ لطيف كثيرًا، أنيق مظهره، قلبه كبير، ولكنه سطحي كناقد، أو قُلْ مُتسرِّع، أو رجعي، أو يتعمَّد أن يظهر على الجمهور بأسلوبه المعروف، ذاك الأشبه بالاندفاع الاستعراضي، والصدامي أحيانًا، ولكنْ لمجرد الاستعراض والشهرة، كما يبدو لي.
ما يقوله على سبيل النقد، الكثير منه لا يعجبني. هو ناقد جريء، لا أشكُّ في ذلك، ولكن جرأته هجومية، وتبلغ أحيانا درجة العدائية.. يكتب بأسلوب رشيق، مُتمرِّد، مُشاكِس، مُعاكِس، قد ينسفك ثم يعتذر لك، أو يمتدحك حتى وإن لم تكن تستحق المدح.. ليس هو بالناقد الكبير ولا بالكاتب المُبدِع.. وفكره النقدي يفتقر إلى روح الحداثة، أو لم يستوعب أبعادها الفلسفية، كما ينبغي، وتأتي آراؤه إما مثيرة للجدل، مُحِقَّة بعض الشيء، أو صادمة للحق مُخالِفة للحقيقة، أو فارغة من الجمال والقيمة..
مشكلته أنه يحب الإثارة أكثر من الحقيقة. المهمّ، الحصول على الشهرة ولو من باب الفراغ أو عن طريق الضجيج. النقد بلا رؤية عميقة ونزاهة رزينة، يغدو مجرد ثرثرة لا أكثر. ومشكلته الأخرى، أنّ ثقافته النقدية لا تتطور؛ وذلك لعدم إطلاعه على جديد الأدب العالمي، وجديد النقد الأدبي الحديث. الناقد المُقِلّ في القراءة والاجتهاد، لا يُعوَّل عليه في إثراء الأدب والثقافة والإبداع. وهنا يطلع سؤالي من الأعماق صارخًا: لِمَ النقاد الأقلّ ثقافةً والأدنى إبداعًا هم الأكثر ضجيجًا والأسعد حظًا؟ لا أنتظِرُ جوابًا من أحد.
أحيانًا هو ذلك الحداثي باعِث الأمل والدهشة، وأحيانًا يصير رجعيًا حتى النخاع.. ولا أفهم عن أي دافع أو أزمة يصدر هذا التناقُضُ الغريب، أو هذا التلوُّن المخيف، أو هذا التخبُّط بين النضج والعبث!
بالطبع، أنا أحبه لوضوحه وشجاعته، ولكنّي آخُذ عليه أنه مُتسرِّع في الحكم على هذا النص أو تلك القصيدة، على هذا الكاتب أو ذلك الشاعر.. هو لا ينجز قراءات نقدية تدخل في صميم النقد المنهجي، النزيه، وإنما يأتي بانطباعات لا تتخطى حدود ذائقته الأدبية الشخصية، لكنها تنطلق من نزعة نقدية وتكتسي بطابع نقدي إلى حد ما، وإليكم فلسفته السهلة في النقد: هذا النص جيّد، وذاك النص رديء، فلان كاتب رائع، والكاتب الفلاني غير مبدع… هكذا، بغير تحليل نقدي أو إقناع له صلة بفلسفة النقد!
موقفه من الحداثة غير ناضج، ولا أدري إن كان يحسب نفسه عليها، أم لا.. فهو يبدو قاصرًا عن فهمها، شعرًا وسردًا، والمنشورات الأدبية التي يكتبها على صفحته في الفيسبوك، تدل، ببساطة، على أنه أقل من مستوى الإبداع بكثير، وبالتالي، كيف سيقرأ الكتابات الإبداعية، قراءةً نقدية ناضجة؟ أو كيف سيفهم كتابات أدونيس؟
هذا عاشق يحب الحياة ويكتب باستمرار عن الحسناوات.. وليست لديه مواقف نقدية جريئة ضد التخلُّف الذي ينخر أعماق مجتمعنا ويطحنه من الدماغ إلى القلب.. لمْ أقرأ له مقالًا واحدًا ضد هذه البشاعات التي تغمر البلاد وتجرفها إلى الهاوية.. ولا أعرف ما موقفه السياسي؟ ما أهم إنجاز نقدي له؟ وماذا أضاف إلى الأدب اليمني؟
تنفضح رداءة الناقد، وتتجلى هشاشته بمنتهى الوضوح، بمجرد أن يتحول إلى مُراهِق أو عدائيّ في إطلاق الأحكام أو الآراء النقدية. والتنمُّر سلاح النقّاد الفاشلين في التقليل من قيمة المبدعين الكبار. وفي بلدنا المخنوق بالتعاسة، ربما ليس لدينا ناقد أدبي واحد ينجز كتابات هامّة في مجاله هذا.. ولا لدينا ناقد واحد يؤدّي مسؤوليته بنزاهة، أي يكتب نقدًا بلغة فنية ناضجة حُرَّة لا تنخرِط في المدح والذم، أو التهريج والزَّيْف، أو فيما شابه ذلك من أشكال الانحطاط.
حاصل الكلام: دكتورنا العزيز، ناقد بسيط على قدر ثقافته، جميل الروح، يحب الظهور والاستعراض والتنمُّر، قلة من آرائه عميقة ونزيهة، والبقية تعيسة كلها، سطحية أو غير مفيدة.