- جمال حسن
كان خالد طربوش الكاتب أو كما اسميته “وحش الضحك” يبني علاقته بالعالم عبر ضحكته الرهيبة التي سعينا في ذلك الوقت، ادخالها موسوعة جينيس في الأرقام القياسية، كصاحب اقوى ضحكة في العالم.
حين كان يضحك داخل منزل، تبدأ الاواني والاكواب بالارتعاش في المطبخ، وتهتز اللمبات المعلقة وربما تشققت الجدران والسقوف. اعتدنا ما ان يكون بجوارنا ارسال مقدمات لصاحب المنزل، عن امكانية حدوث امور غير طبيعية، حتى لا يصيبه الرعب.
انذاك اصبحت احياء بأكملها في صنعاء تحفظ اسم خالد طربوش، فمع حضوره تحدث ارتجاجات غريبة وصخب رهيب. وقتها، لم تظهر صور السلفي، او ان العشرات كانوا سيوقفونه من اجل التقاطها معه. كان الاطفال والرجال يسألونه: هل انت خالد طربوش. وذات يوم اوقفته فتاة جميلة تسأله، وكنت على مسافة اشتري الماء، حتى اني على عجل نسيت باقي الألف ريال، وجريت لأقحم حديثاً معها، كنا يافعين، لكنها مشت قبل وصولي، وبقيت معلقاً لبعض الوقت في مشيتها المبتعدة وتموج العباءة السوداء على جسدها مثل غمامات في الريح.
1
وفي يوم اخذه صديق مشترك يعمل لدى ارصاد الزلازل ليقيس قوة ضحكته بدرجة ريختر. وتوقعنا ان تبلغ درجة او درجتين، وهذا امر هائل. لكن جهاز قياس الزلازل الوحيد في صنعاء تحطم وقتها.
ولحسن الحظ لم تحدث هزات ارضية في ذلك الوقت، كانت بداية الألفية. وسأله صديقنا، هل انت جزيرة يابانية.
حين كنا في منزل، واتذكر ان مضيفنا ظل يصف كيف يحصل على متعة السينما عند مشاهدة الافلام على شاشة البلازما ذات الـ 52 بوصة، كان اشتراها قبل شهر.
لا ادري كيف اضطرمت ضحكة خالد فجأة كنار في الهشيم، لتسقط الشاشة وتتحطم. ياله من يوم عصيب لصاحبها، وظل يذّكرنا دائماً بتلك الحادثة، كما لو انها طائرة ايرباص وقعت واحترقت. وفي اخر مرة التقيته، ربما قبل شهرين، كان مريضاً بالسكري، وسألني اين صديقك الذي تسبب في تحطم شاشتي.
2
كان لضحكة خالد الرائعة والهائلة، حوادث تتسبب بها، لهذا اصبحنا نحرص عند زيارة بيت وهو معنا الاستفسار، إن كان هناك نجف معلقة، او اشياء كبيرة يمكنها السقوط، وربما تسببت بالقتل او جروح دامية اذا وقعت فوق احدهم.
كنا نترجى خالد بعدم الضحك، حال وُجدت، مهما كان السبب. ونؤكد لصاحب المنزل عدم السماح لأولاده بأن يكونوا قريبين من تلك الأشياء. فيتساءل مذهولاً؛ ليش، خير؟
كنت انا وصديقين ، ربما احدهم محمد ودف، لا اتذكر تماماً، اضافة الى خالد صاحب الضحكة المدهشة. وحدث امر ما، قاومنا الضحك بصعوبة حتى لا تتسرب عدواه الى خالد. لكن بطنه بدأت ترتج، وبدأ يمسك فمه بيد، وبالأخرى يضرب على جبهته مخفياً رأسه، حتى لا تتدحرج الكرة الضخمة من فمه.
ياللهول، قمنا فزعين، قفز احدنا نحو خالد، ضاغطاً بيديه على فمه، تبعناه انا والآخر. وكنا نضغط بكل قوة على فمه، لكن من الصعب ايقاف انهيار جبلي او جليدي. بدأ جسده يرتج، ونهتز معه، وكانت ضحكته تتدفق وتندفع بقوة يصعب صدها، حتى ان ايدينا تراجعت عاجزة في خضم القوة الدافعة، وفجأة تدفقت ضحكته كعاصفة والقتنا بعيدين. اصطدم رأسي بقوة على الارض، وشعرت انه سيغمى علي.
3
يالها من ايام ممتعة، فعندما تنفجر ضحكته في الشارع كانت السيارات تتوقف وتلتفت الفتيات، كما الرجال، باسمات نحوه. بينما تتدفق ضحكته وتحملنا معها في غمامة نشوة، ونجري معها كأحصنة جامحة. كنا نقول هذه الضحكة تحتاج الى حرب عالمية كي تخبو.
لكني كنت غالباً ضحية تلفيقاته المازحة، يخترع حولي قصصاً او يضخم ما يجرى لي ويحوره بفانتازية عجيبة.
4
في عدن كنت وهو في مقهى بالشيخ عثمان، وجلس رجل في الرابعة والخمسين من عمره. التفت خالد نحوه فجأة ودون مقدمات.
صاحبي هذا ستقتله الفياجرا، قال بنبرة جادة، مشيراً نحوي، “ارجوك انصحه”
ضحكتُ مذهولاً من الأمر، عاجزاً عن قول شيء. التفت نحوي الرجل الذي يرتدي فوطة وقميص نصف كم ابيض، باسماً، وقال كاعتراف في قداس، انه يستخدم الفياجرا مرتين اسبوعياً، حتى يمارس مع زوجته.
في تلك اللحظة غمغم صديقي، واستدرك الموقف، “مرتين في الاسبوع تمام،” قال ثم ربت على ظهري مضيفاً، “لكن صاحبنا يستخدمها يومياً، تصور كل يوم.”
وبشيء من الاستياء لفق حولي مغامرات غير مشروعة. ومخاطر ان يتسبب ذلك اصابتي بمرض قاتل. ثم برطم بجدية وقال؛ هذا مش معقول، قوله يبطل… كل ما استطعت قوله وعيوني اغرورقت بالدمع من الضحك: لا تصدق.
وبدا ان الرجل صدق، فسرد لنا قصصه، وكيف انه خلال جامعياته في اوكرانيا استهلك كل طاقته. حتى انه لم يعد قادراً على الفعل دون مقويات. المسكين سلبنه الاوكرانيات الجميلات كل مخزونه؛ علق باسماً ونادماً: كنا شباباً وقتها. لم اتوقف عن الضحك، واستمر خالد يخترع القصص حولي. ولحسن حظي كان مرهقاَ فلم ينشب ضحكته كوحش ضروس.
بعد ان ودعنا الرجل بمصافحة ودودة.
قال لي: انظر حصلنا على قصة، وكما لو انه حصل على كنز. لم اتوقف عن الضحك، واغرورقت عيني بالدموع، حاولت ان اغضب، من اسلوبه المستهتر، حاولت ان اكون جاداً، لكني كنت مسلوباً من أي قدرة.