- طه العامري
من المهم وقبل مواصلة الحديث عن المنبطحين اليوم أن نعرج قليلا لجذور المؤامرة ونتحدث عن منبطحي الأمس العربي ومؤسسي التأمر والخيانة على فلسطين الأرض والإنسان والتاريخ والمقدسات ..
يعود _ التأمر العربي الرسمي _ على فلسطين الأرض والشعب والوجود الحضاري لعقود مؤغلة من الزمن ؛ ويمكن القول أن هذا _ التأمر _ بدأ في ذات الوقت الذي صدر فيه ( وعد بلفور ) وإبرام الاتفاق الشهير بين وزيري خارجية ( بريطانيا وفرنسا ) والتي عرفت باتفاقية ( سايكس _ بيكو ) وأيضا بدءا عهد دولة ( آل سعود ) الثانية على يد بريطانيا التي نصبت للعهد ( السعودي الثاني ) السلطان عبد الرحمن آل سعود والذي التزم بعهد لبريطانيا بأن تكون ( فلسطين تحت تصرفها تمنحها لمن تريد أو تقدمها ( لإخواننا اليهود ) كما نصا في وثيقة سيء الذكر أعلاه ..؟!
لقد عملت الإمبراطورية الاستعمارية البريطانية منذ بداية القرن العشرين على تهيئة كل الضروف وحاكت المؤامرات لتكون فلسطين ( وطنا قوميا لليهود ) وهذا كما حملته الوثائق المتعلقة بصناعة الكيان الصهيوني ؛ لكن في الجوهر والدوافع السرية لم يكن الأمر متعلق ب( اليهود ) بل يرتبط ارتباط وثيق بحقيقتين : الأولى تطبيق الاساطير التلمودية على أرض الواقع وهذه الأرض هي فلسطين ؛ والثانية فصل الجغرافية العربية والحيلولة دون تواصل مشرق الوطن مع مغربه ؛ فالغرب لم يكترث يوما وعبر تاريخه ب( اليهودية ) لا كدين ولا كبشر واتباع ؛ بل ذاقت الجاليات اليهودية في أوروبا وعلى يد الأوروبيين كل صنوف القهر والتنكيل والتحقير والازدراء ؛ لكن ومع بروز ما يمكن وصفه بتيار ( المسيحية _ الصهيونية ) الذي تأسس على يد ( هرتزل ) بدعم ورعاية من أسرة ( روتشيلد ) وبعض البيوت الرأسمالية الغربية ليعقد هذا التيار مؤتمره الأول في مدينة ( بازل السويسرية ) أوائل العقد الأخير من القرن التاسع عشر ؛ وهو المؤتمر الصهيوني الذي توافق أعضائه على أقامه ( وطن قومي لليهود ) وأن تكون ( فلسطين ) هي المكان المناسب لهذا الوطن ..؟!!
بعد هذا المؤتمر الصهيوني أوكلت مهمة تحقيق أهدافه ومخرجاته للإمبراطورية الاستعمارية البريطانية ؛ التي بدورها أخذت تنسج خيوط مؤامراتها القذرة لتحقيق هذا الهدف والغاية الاستعماريتين من خلال حياكات سلسلة مؤامراتها بدءا من مساومة الدولة العثمانية ومن ثم التحريض عليها من قبل النخب العربية التي ضاقت ذرعا بالاستعمار العثماني واستبداده في أرجاء الوطن العربي ؛ وأيضا تكوين شبكات عثمانية داخلية مناهضة لدولة الخلافة من التيارات القومية التركية ؛ ومن ناحية أخرى سعت بريطانيا وفرنسا وحلفائهم في أوروبا وأمريكا إلى تطويق الدولة العثمانية والسعي في طريق تفكيكها وكانت الحرب العالمية الأولى وهزيمة الدولة العثمانية قد منحت نتائجها لكل من بريطانيا وفرنسا لإعادة تقاسم النفوذ في المنطقة وتوزعت مناطق نفوذ الدولة العثمانية المنهارة لهاتين الإمبراطوريتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا ؛ اللتين ذهبتا تزحفان نحو الجغرافية العربية لتذهب سورية ولبنان لفرنسا مع الجزائر وتونس والمغرب ؛ فيما سيطرت بريطانيا على مصر وفلسطين والعراق وجنوب اليمن والمحميات الخليجية ؛ وتستفرد إيطاليا بليبيا ؛ وكانت بريطانيا قبل هذا قد وقفت واستغلت ما يطلق عليه ب ( الثورة العربية ) ضد الاستعمار التركي ودفعت بالشريف حسين وقبائله لمواجهة الاتراك على أمل أن تمنحهم الاستقلال الكامل للعرب من المحيط للخليج ؛ والحقيقة لم يكن الشريف حسين وانجاله وقبائله إلا كما كان لا حقا حال المجاهدين المسلمين في أفغانستان الذي سخرتهم أمريكا لقتال الاتحاد السوفييتي ثم وبعد أن انهار وتفكك الاتحاد السوفيتي اتخذت أمريكا منهم أعداء وراحت تطاردهم في كل سهول وجبال العالم وهذا كان قد سبق وحدث مع من ثاروا ضد الاستعمار التركي بدعم بريطاني لتنقلب عليهم بريطانيا لا حقا وتجعل منهم حصان طروادة لتمزيق وتقسيم الجغرافية العربية واقتطاع فلسطين لتكون نقطة حراسة استعمارية تحول دون تقدم العرب وتوحدهم وتطورهم وتكرس في أوساطهم مظاهر التمزق والتفرق والتخلف لقرون وليس لعقود ..؟!!
ولم تكن بريطانيا ومخططيها بحالة من الغباء ليفرضوا خياراتهم في فلسطين بل أوجدوا الكثير من العوامل والدوافع والمسببات ليبدوا الأمر طبيعيا ؛ فعمدت أولا على تمكين عملائها من اعتلى ( عروش الحكم ) في بعض المحميات التي اقتطعتها بريطانيا وحددت معالمها ورسمت خرائطها واختارت أسرها الحاكمة ؛ الذين سيكونوا لا حقا مع أحفادهم كابرا عن كابر عبارة عن ( كلافين في اسطبلاتها الاستعمارية ) فكان الملك فاروق في مصر الذي كان يحكم بأمر الحاكم العسكري البريطاني ؛ وكان الأردن الذي منح للشريف حسين بعد تجريده من حكم ( مكة والمدينة ) وطرده منها لصالح ( أسرة آل سعود ) الذي ستؤكل إليها بريطانيا مهمات لاحقا لا يقوى على القيام بها سواهم ..!!
فيما وزعت أبناء الشريف على العراق وسوريا ونصبتهم ملوكا فيها ولكن تحت حكم المستعمرين فكانوا ملوكا صوريين فيما القرار لمن نصبهم ومن صنع منهم ملوكا ومن رسم حدود ممالكهم وهي بريطانيا ..؟!!
باللحظة الاستعمارية المناسبة تم الإعلان عن قيام ( الكيان الصهيوني ) في 15 مايو 1948م لتنشب حربا عربية على فلسطين وهي الحرب التي جاءت بعد سلسلة ثورات عربية فلسطينية قامت ضد الاستعمار البريطاني والعصابات الصهيونية التي كانت تنقل افرادها المنظمة الصهيونية من كل اصقاع المعمورة إلى فلسطين ؛ باعتبارها أرض بلا شعب ستمنح لشعب بلا أرض ومن لا يملك اعطى لمن لا يستحق ؛ ومع ذلك سجلت الجيوش العربية انتصارات جبارة في تلك الحرب وتمزق صفوف العصابات ( الصهيونية ) المدعومة سرا من قبل المحاور الاستعمارية بريطانيا وفرنسا والعديد من الدول الغربية وأمريكا ؛ وغالبية الأنظمة العربية الرسمية وخاصة تلك الأنظمة التي ساعدة الصهاينة في إقامة كيانهم الاستيطاني وذلك من خلال قيام تلك الأنظمة العربية العميلة والمرتهنة لبريطانيا بترحيل مواطنيها من أبنا الجاليات اليهودية إلى فلسطين وهذه أكبر مؤامرة علنية قام بها العرب واستهدفوا بها فلسطين الأرض والإنسان ؛ ومع ذلك أقول لقد حققت الجيوش العربية انتصارات جبارة عام 1948م على العصابات الصهيونية ولو لم تصدر الأمم المتحدة يؤمها قرارها الشهير بوقف اطلاق النار لكان بن ( جوريون ) مؤسس هذا الكيان قد غادر وكره في مدينة ( تل الربيع _ أو تل آبيب ) عائدا من حيث أتي والفاصل بين هروبه وبين نجاته وعدولة عن الهروب بضع ساعات فقط وهذه الحقيقة يجهلها الكثيرون من العرب الذين يتحدثون عن ( هزيمة الجيوش العربية عام 1948/ م) وهذا القول غير صحيح ؛ والصحيح أن قبول العرب بقرار الأمم المتحدة القاضي بوقف اطلاق النار والتزامه به مقابل رفض العصابات الصهيونية للقرار هو من قلب الانتصار العربي إلى هزيمة فالأنظمة العربية تواطأت مع بريطانيا والأمم المتحدة بحرصها على احترام قرار وقف اطلاق النار الذي اتخذت منه العصابات الصهيونية فرصة لإعادة ترتيب صفوفها وتلقي المساعدات من الاسطول البريطاني والامريكي ومن الفرنسيين ليواصلوا استهداف الجيوش العربية التي تلقت أوامر صارمة بعدم خرق قرار وقف اطلاق النار الاممي وكانت مصر فاروق وال سعود والأردن تحديدا وراء هذا الخذلان والهزيمة ..؟!!
بدرجة أساسية وخلفهم بقية الحكام الخونة من صنعاء للدار البيضاء ..!!
لقد وقفت الجيوش العربية يؤمها وحسب تاريخ الصهاينة أنفسهم على بعد 30 كيلو متر من عاصمة ( بن جوريون _ تل آبيب ) فيما القائد العربي يؤمها والزعيم اللاحق لمصر والأمة العربية الزعيم جمال عبد الناصر حوصر في منطقة ( الفالوجة ) التي تبعد عن عاصمة الكيان بقرابة 38 كيلوا متر غربا ؛ لكنها الخيانة الممنهجة والمرتبة والمخرجة بصورة جيدة من قبل الاستعمار وأدواته من الخونة العرب ..؟!
ولم يقف الأمر هناء بل ذهبت العصابات الصهيونية إلى احتلال ( أم الرشراش ) المصرية التي يطلق عليها اليوم ( إيلات ) وكان من السهولة على الجيوش العربية سحق تلك العصابات الصهيونية ومعاملتها بالمثل وأن من باب الدفاع عن النفس ولكن هذا لم يحدث لان أصحاب الخيانة والعمالة والارتهان والانبطاح من سفلة الأمة وقواديها لم يصدروا سوى أوامر مشددة لجيوشهم بعدم خرق القرار لان بقائهم على عروشهم مرهون بهزيمة جيوشهم وضياع فلسطين وهذا الخيار معمول به حتى اليوم فمن يريد البقاء من هولاء الحكام على كرسي الحكم عليه أن ينسى فلسطين وقضيتها ومن يريد أن يقتل أو يدمر وتدمر بلاده وتخرب فليتحدث عن فلسطين وقضيتها ومعاناة شعبها ..!!
يتبع