- رستم عبدالله
أدب الرعب هو نوع أدبي خاص يهدف من خلال أهداف متشابكة إلى إثارة الخوف والإثارة والصدمة لدى قرائه و يعود أصله إلى الأساطير الإغريقية القديمة وكانت تدور حول الموت والوحوش والأرواح الشريرة /الجن
ولروايات الرعب تفرعات كثير.. الرعب الغامض الرعب القوطي الرعب الخارق رعب الفنتازيا، رعب الخيال العلمي وروايات هذه الأيام تجمع أكثر من نوع من أنواع، الرعب فتجد عدة أنواع تتجسد في رواية واحدة، وأنواع الرعب السابقة وإن أختلفت إلا أنها تشترك في خاصية واحده وهي عنصر التشويق والإثارة..
والرعب تأخر كثيرا في الوطن العربي ويتجاهله كثير من النقاد والناشرين لأنهم يرون أنه، أدب تجاري ويطلقون عليه أيضا أدب درجة ثانية لايقدم للقارئ أي نوع من المعرفة وهذه معظلة عانيت منها كثيرا، أنا شخصيا مع أن مبيعات الكتب عالميا تثبت، أن كتب الخيال العلمي والرعب أكثر الكتب مبيعا للشباب والمراهقين بل وحتى سينمائيا أكثر الإيرادات للأفلام هي لتلك الأفلام المقتبسة من روايات الخيال العلمي والرعب، فمبيعات كاتب أدب الرعب الأمريكي / ستيفن كينج ملايين النسخ وترجمت لعدة لغات عالمية وحولت لأفلام سينمائية ناجحة، وتتفوق عليه أيضاً كاتبة الخيال والرعب / كاثلين رولينج صاحبة سلسلة هاري بوتر، والمرحوم أحمد خالد توفيق صاحب سلسلة الرعب ما وراء الطبيعة، والتي بيع من رواياته وقصصه المرعبة بلغت أرقاما فلكية، وبصورة عامة لا أحد يعرف متى ظهر أدب الرعب تحديدا كقصص وحكايات وأساطير ولكن أغلب الباحثين يتفقون أنه بدأ منذ زمن بعيد جدا، فهو أدب قديم تعود جذور للعصور الغابرة ولايعرفون أي الشعوب أنتهجته أولا وإن كان يعتقد كل شعب من الشعوب نسج قصصه وأساطير المخيفة بنفسه منذ أن ظهر الخوف بنفس الإنسان ..
ووفقا لموسوعة المعارف البريطانية، لا يُعد أدب الرعب فنًا حديثًا؛ فتاريخه يرجع إلى الفلكلور والحكايات الشعبية القديمة التي كانت تذخر بالسحرة والجنيات ومصاصي الدماء
وروايات وقصص الرعب بالشكل المتعارف عليه حاليا يعود أول ظهور لها للقرن الثامن عشر على يد / هوراس والبول الذي نشر روايته قلعة اوترانتو 1764م ، وألهمت رواية هوارس والبول الكتاب من بعده فكتبت ماري شلي فرانكنشتاين عام1818م ، وكتب إدغار ألن بو مجموعته القصصية المرعبة قناع الموت الأحمر. وعدد من قصصه الآخرى..
وكتب الأسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون دكتور جيكل ومستر هايد1886م، وكتب من بعدهم برام ستوكر 1845 – 1913 دراكولا، وعدد من قصصه المرعبة، ومن ثم الأمريكي هوارد فيليبس لوفكرافت1917 عدد من رواياته وقصصه المرعبة، ثم ستيفن كينج الكاتب الأكثر مبيعا لروايات الرعب وكانت رائعته كاري 1970 إنطلاقته نحو عالم الشهرة
وباركر كليف المولود 1952 .. الذي كتب عدد من الروايات المرعبة والتي حولت لأفلام سينمائية..
وكاثلين رولينج التي تحولت لمليونيرة بسبب سلسلة هاري بوتر ومن الوطن العربي ، برز العام 1993م المرحوم أحمد خالد توفيق عبر سلسلته ما وراء الطبيعة.. ثم جاء من بعده حسن الجندي، وأحمد مراد، ومحمود الجعيدي، وعمرو المنيفي، وشيرين هنائي، وسالي عادل، وآخرون كثيرون من الأدباء الشباب الجدد .. كتبوا أدب الرعب لدرجة أن أيقونة الرعب في الوطن العربي المرحوم أحمد خالد توفيق قال صرخته الشهيرة من غير المعقول الناس كلها تتحول لتكتب أدب الرعب لازم تكتب أنماط ثانية، ولمزيد من المعلومات عن أدب الرعب ورواده هناك موسوعة الظلام الصادرة العام2006م، وهي أول موسوعة في الرعب للدكتور أحمد خالد توفيق.. كتبها مشتركا مع سند راشد دخيل ومع هذا تظل النظرة قاصرة وظالمة لأدب الرعب في الوطن العربي، وينظر إليه كأدب درجة ثانية وينفر الناشرون والنقاد منه، وذات مرة رد لي ناشر يمني أرسلت له أرض المومياء، لأحظى بفرصة طبع مجاني لديه.. مع أن العرض مجحف من بدايته فقط 3 نسخ لي وكل الحقوق له، طبع ليس لي بل هذا عرضه بكل منشوراته للكتاب الراغبين بطبع مجاني طبعا .. قال إن لجنة القراءة لديه قالت أن هذا الكتاب تغلب عليه السوداوية والناس تحاول تتجنب هذا النوع من القراءة.. شيء طبيعي أدب الرعب به التخويف والدماء والأشلاء والوحوش والأشباح وأحيانا الخوف والرعب النفسي دون دماء وقتل، هذه سمته ولماذا أصلا سمي رعبا ، فهو يتعمد إدخال أكبر قدر من الخوف و الفزع وإقناع القارئ بقدرته على التخويف..
نعود لمسار القراءة:
قد تستغربون إذا عرفتم، إن قراءاتي الأولى وأكثر ما قرأته كانت في الأدب البوليسي وليس الرعب، كسلاسل المغامرين ال5 لمحمود سالم المخبرين ال4 لمجدي صابر ، وع×2نبيل فاروق، وإرسين لوبين لموريس لبلان، وقصص أجاثا كريستي وشارلوك هولمز لأرثر كونان دويل وغيرها .
وقصص ورويات الرعب لم تكن بالكم الهائل لقراءتي البوليسية، ومع هذا قرأت كمًا لابأس به أيضًا وتركت روايات وقصص الرعب أثرها في نفسي، وطبعت بصمة واضحة بكتابتي وتوجهي وشكلت وعيي ووجداني، وأثارت مخيلتي وجعلتني أتجه نحو شواطئها وأرسو هناك.. أغوص وأتامل وأتخيل وأدون، دون أن أبحر نحو عوالم أخرى، ولعل الأسباب التي أعزوها لذلك هو القصص الكثيرة عن الأساطير والحكايات المرعبة التي سمعتها بطفولتي قبل أن أتعلم الأبجدية من الجدات والأجداد و مسنات القرية، والتي كانت غالبا تحكى لنا بعد صلاة العشاء.. عن الحَمل نباش القبور وأكل جثث الموتى وعن الجرجوف والدجرة وطاوي الليل والعضروط والجن والسحرة.. فضلا عن أن أبي رحمه الله كان قارئا نهما، وكان يحتفظ على ما أذكر بكتاب ذي غلاف أبيض (حكايات وأساطير يمنية) لعلي محمد عبده قرأته باكرا وأنا بالصف السادس الإبتدائي.. كل ذلك ألقى البذرة الأولى في مخيلتي التي نمت مع القراءة المستمرة لتثمر روايتي مدينة الموتى، وأرض المومياء ..
بدأت فكرة رواية الموتى تلح عليَّ وتنخر في مخيلتي ليلا ، وأحب هنا أن أضيف كل كتاباتي وأفكاري تخرج ليلا حتى عملي معظمه ليلا .. لا أعرف سر عشقي للسهر و للقراءة والكتابة ليلا. ولعل خير تعبير للحالة التي أعيشها هذه المقولة: (إن الأفكار كالأشباح تخرج من مكامنها ليلا – أحمد خالد توفيق)!.
ففي شهر أغسطس من العام2014م ، قفزت لذهني حكايات النباش الحَمل أستدعائها عقلي الباطن من مرابع الطفولة الغائرة، وظلت تستولي على عقلي إلى أن تشكلت كعجينة جاهزة للطبخ، وكنت وبدفتر مذكرات أدون الأفكار والملاحظات، وأجمع المعلومات حول الفكرة التي أنا بصدد بناء الرواية عليها حينها بدأت أجلس إلى المسنين، وأقرأ الكتب اليمنية والقصص التي تتناول الأساطير والحكايات والخرافات اليمنية القديمة، وأيضا أستعين بالنت حتى أجمع أكبر قدر من المعلومات، وأكون قاموس ثري من الألفاظ والمصطلحات والوقائع والأساطير اليمنية التي تدور أحداث الرواية حولها، وأيضاً قرأت الكتب التي تتناول الأساطير العربية والعالمية .. لأطعم الرواية وأسندها ببعض المعلومات وأعمل رشة توابل تضفي عليها القناعة والمصداقية وادخال أكبر قدر من الفزع لقلب القارىء، ككاتب حالم يطرق بباب الرواية والرعب لأول مرة في حياته، وكنت وأنا أخوض التجربة لأول مرة خائفا من الفشل، ومازلت رهين هذا الخوف حتى اللحظة حتى ظهر بصيص ضوء وأمل يلوح بالأفق وأستقامت الدعمات تماما وبدأت جديا وفعليا بالكتابة من 1 أكتوبر حتى1 من نوفمبر2014م، ومن ثم بدأت مرحلة تنقيح ومراجعة وعرضها على عدد من المهتمين.. حتى نهاية العام ومن ثم في مارس من العام التالي2015م أندلعت الحرب، وجمدت العمل على الرواية حتى منتصف العام2016م ، وبدأت أعيد ترتيب أموري وأكملت ما يتعلق بها وبعد رحلة مضنية بالبحث عن ناشر تنتهي كلها بالفشل بسبب النظرة الظالمة لأدب الرعب، أو ما يحلو لهم تسميته بأدب درجة ثانية.. حيث تحجم عنه دور النشر وتراه كأدب تجاري لايقدم أي نوع من المعرفة.. مع العلم عالميا أن أدب الخيال العلمي والرعب أكثر الكتب مبيعا للشباب والمراهقين، وحتى سينمائيا أكثر الايرادات للخيال العلمي والرعب، وبلغت مبيعات المرحوم أحمد خالد توفيق أكثر من15 مليون نسخة، ومازالت تحظى بالقبول وهي أصعب أنواع الأدب كتابة ويتطلب صبر وتعب وبحث دؤوب ، وحول هذا كتب الروائي والناقد جيمس سميث في صحيفة الجارديان (إن الرعب.من أصعب أنواع الكتابة).
وفي هذا الصدد كتب صديقي الصحفي والمثقف الموسوعي أحمد الأغبري عن صدور رواية أرض المومياء إلكترونيا للأسباب التي سردتها لكم سلفا ، وتعذر طباعتها لضيق ذات اليد ولعزوف الناشرين:
“رستم عبدالله ترجمة رؤاه سرديا ما مكنه من اقتحام مجال صعب في أدب الرعب محققا تميزا سيفتح الباب أمامه لتقديم سردية عالية”، ولست هنا للترويج أو المفاخرة، فقط لأبين الصعوبات والعوائق التي تعترض كاتب الرعب.. مع هذا تمكنت بفضل الله من طبع مدينة الموتى بمصر وإخراج أرض المومياء إلكترونيا مؤقتا، ولدي خطة مستقبلية لطبعها ورقيا أيضا على حسابي كأختها، لكن ما هون علي وخفف من وطاة التعب وتلك الخيبات التي وجدتها من الناشرين.. كان الإقبال الكبير من القراء والرسائل التي تصلنا عبر الوتساب والماسينجر، ونشر القراء عن مدى إعجابهم بمدينة الموتى، وايضا التشجيع من قبل أصدقائي الأدباء بنادي القصة.. وعلى رأسهم الملهم وأب الأدب والأبداع الغربي عمران .. جعلنا لا أفقد الأمل و أسعدنا كثيرا تفاعلهم وبدأت مجدداً مع تعب لذيذ آخر في أرض المومياء ، وقبل أن أختم تجربتي مع مدينة الموتى، أحب أوضح أيضا أرض المومياء تشابهت نفس الظروف، غير إن من أوحى لي بكتابتها .. هو فيلم وثائقي لقناة ناشيونال جرافيك عن المومياوات المكتشفة باليمن، وبهذه الرواية لم أجعلها فقط للتسلية والمتعة، وتخويف ورعب صرف، حاولت إيصال عدة رسائل بها عن التحنيط اليمني الفريد والمقابر الكهفية، والمقابر الصخرية والنووايس وإظهار قبح الحرب، والدعوة للسلام ، ولنبذ العنف ولم الشعث ونسيان الماضي والترويج لثقافة التعايش والمحبة.