- عبدالكريم الرازحي
في صباح اليوم التالي لوصولنا، وفيما كنا نتناول فطورنا ، تناهى إلى مسامعنا أصوات تساقط حجارة.. تسقط قريبا منا، وسرعان مارأينا صخرة تهوي من شاهق، وتستقر على بعد متر من المكان الذي كنا نتناول فيه فطورنا !!.
“الرباح الرباح” ..صرخ أحدهم مرعوبا ،
وعندها قمنا مفزوعين، ورحنا نبحث عن مكان آمن، كيما يحمينا من غضب القرود ، التي راحت تدحرج الحجارة والصخور باتجاه مخيمنا بدون توقف .
كانت هناك كتيبة من القرود تقف على حافة جرف في منتصف الجبل ومتحفزة للهجوم علينا ،
وكانت تنظر إلينا بعداء وتواصل استهدافنا بالحجارة ، واللعب باعصابنا، وتتعامل معنا كما لوكنا أعداء لها، جئنا لنسلبها حياتها..أو كأن بيننا وبينها ثأر.. وتريد أن تثأر منا (!)
كان هذا الموقف من قبلها قد اثار استغرابنا ، وكان أن رحنا نسأل أنفسنا..ونتساءل فيما بيننا :
- ترى ماهو السبب ؟ ولماذا هي غاضبة علينا.. ورافضة لوجودنا ؟ وما الذي حدث واستجد حتى تستقبلنا بالغضب والحجارة ؟
مرات عديدة وفي كل زياراتنا للمنطقة كانت قرود سردود تمر من جنبنا ونمر من جنبها..ونلقي عليها السلام وشيئا من الطعام، وكانت قد تعودت علينا والفتنا واعتبرتنا أصدقاء لها، خصوصا وأننا كل عام نجدّد صداقتنا معها..ونعيد تجديد “معاهدة السلام” فيما بيننا وبينها .. وتجديد العهود .
بقينا نسأل ونتساءل ونفكر في سر غضبها وعدوانها علينا ..وفي الأسباب التي دفعتها إلى كراهيتنا واحتقارها لنا ..وعدم الثقة بنا بعد أن كانت تفرح بوصولنا وتنتشي بوجودنا.
وفيما نحن نفكر ونجهد عقولنا لمعرفة الأسباب سقط حجر ضخم وهوى، كأنه النيزك ثم انفجر وتطايرت شظاياه كأنها السكاكين وكل شظية منه كانت كافية لجز ّرقبة وقطع رأس..ومن شدة الرعب الذي أصابنا نزعنا خيامنا على عجل، والقينا بها مع الحقائب على ظهورنا..و قررنا الرحيل والتوجه إلى منطقة العيون الحارة.. ومن دون تلكؤ أو تفكير وعند وصولنا نقطة التقاء المياه الباردة بالمياه الحارة قررنا أن نتوقف هناك ونعد طعام الغدا قبل ان نستأنف رحلتنا إلى منطقة المياه الحارة .
وكان توقفنا عند تلك النقطة، والذي تم بالصدفة ومن دون خطة مسبقة قد ساعدنا في الوصول إلى اكتشاف سر غضب القرود علينا واسباب ثورتها ضدنا..
لكن ماحدث لا يـُفسر بالصدفة ولا بالمصادفة وإنما هو صوت الطبيعة، أو ربما صوت أرواح القرود التي هي جزء من روح الطبيعة.. ومن الروح الكلية والكونية اوحت لنا بالتوقف هناك .
ذلك أننا في كل رحلاتنا إلى عيون سردد لم يحدث أن توقفنا عند نقطة التقاء المياه الباردة بالمياه الحارة لتناول طعام الغدا وإذا حدث أن توقفنا نتوقف للراحة ثم نمضي صاعدين عكس التيار .أما هذه المرة وعند تلك النقطة التي يلتقي فيها الماء البارد بالماء الحار ويلتقي فيه الشيئ وضده..والحق بالباطل.. وفيما رحنا نبحث عن حطب لإشعال النار عثرنا على قردة ضخمة مقطوعة الرأس وبجانبها أولادها الثلاثة برؤوس مقطوعة.. لكن الرؤوس لم تكن موجودة بالجوار .
ومع أننا كنا قد وجدنا الأجوبة لأسئلتنا وعرفنا سر غضب القرود وثورتهم علينا ورغبتهم في أخذ الثأر منا الا أن السؤال الذي انبثق في رأسي حين رأيت الرؤس المقطوعة ولم أجد له جوابا هو :
لماذا يقطعون الرؤوس وعندهم البنادق والرصاص ؟
وعندما سألت أحدسكان الوادي قال لي وهو يضحك :
-يقطعوهن على سب يبيعوهن..رؤوس الرباح غاليات
مادرّاك انت !!
وحين سالته عن سبب غلاء اسعاررؤوس القرود !!
رد قائلا :
المخ حق الربح علاج يقوي الذكر والنظر..مادراك انت !!
2021/3/22