- إبراهيم الغزالي
لم تكن كلاب الحي تلاحقني كالعادة، وأنا استقيل دراجتي النارية، برغم من أن الليل بدأ مظلماً وبدت “تبة الطاهش” التي تعلو الحي مظلمة ايضاً، في جغرافيا مساحتها مكتظة بالجبال من الشمال جبل جرة ومن الغرب جبل الطاهش، وسلاسل جبالية مترابطة . لا يعلم معظم الأهالي ما اسباب تسميت تلك التباب وبالأخص تبة الطاهش .
فمنذ أن عشت فوق صخورها الممتدة الى وادي القاضي، لم نسمع يوماً عن طاهش الجبل بل كل ما سمعناه عن طاهش الحوبان، في غياب ملحوظ للكتابة، و معرفة أسباب التسميات لتلك المناطق والتباب، وإن كان أحد منا له معرفة عنها ليكشف لي ولكم أيضا أسباب تسميت تلك التبة وهل يعقل بأن علي الكرار “رضي الله عنه ” قد شقها بسيفه؟! فقد سمي معظم من يقطنون أعلاها بمنطقة الضربة !! أسئلة تراودني كل يوم وانا أقبع في اطراف الوادي وأستقيل دراجتي النارية ؟!
لقد كنت أقيلها ليلاً، أتمشا بها في وسط المدينة، كالعادة، عند هطول الأمطار أجد نفسي كأنني أمضي بين منحنيات، أخشى أن تتبلل ملابسي جراء تلك الحفريات العشوائية الممتلئة بالماء وزخات المطر، وخوفاً ايضاً من أطارات السيارات التي لا تعير لجانبها اية أهتمام ” أطفش ” !!
كم هي المدينة عجيبة!! تكون ساحرة عند هطول الأمطار، ولكن لم تكن طباع الناس توازيها، فالحرب أثرت نفسياً على معظم ساكنيها وأمسى البعض يعاني من حالة نفسية والبعض الأخر نسخة من عفاطت” علي حيرو” .. للأسف.
يالله خراجك أنا وسائق الطقم … أها،
أنزلقت أنا ودراجتي الى أحدى الحفريات هرباً من سرعته الجنونيه، فيبدوا أن الطقم ومن عليه في مهمة عسكرية قلتها في نفسي وتماسكت.
الحقيقة إنّ انطفاء الكهرباء أثر علينا – سائقي الدرجات والعربات بشكل عام – لم تبقى سوا إضاءات خافتة لطاقات شمسية لا تلبي الغرض، وإنارات عربات بعين واحدة، فيما كان من الأحرى من ملك الرعب ألفريد هيتشكوك تصوير مشاهد افلامه هنا وهو يمر بدراجته النارية في عمق الوادي بدلا ً من بذل الجهد واستنفاد الطاقة.
ما زاد الوضع سوءاً كثرة الإغتيالات والتقطعات في شوارع المدينة، حتى رائحة المطر تبدي نفس الرغبة فقد اختلطت زخاتها بالمياة الراكدة وفاحت روائح غريبة من ممرات العبّارات، يبدو أن “ابو مهند” لم يتطرق اليها ولم يشتمها سمير بعد !!
أتجهت بدراجتي الى أحدا أسواق القات” القبة”، بدأ يعلو الضجيج شيء فشيئاً
والأزدحام يشتد ايضاً، وبدت مرافق يداي تطرق حواف العربات، في مجازفة عادية عودتنا بها المدينة،
( هم هكذا سائقي الدراجات … بلاطجة! ) أستفزني أحدهم وهو يخاطب من بجواره، ما إن مضيت قليلاً إلا وعقب بندقية تهشم
رأسه ( والله ما بلطجي بن بلطجي إلا انت)، ياضميري أسترح فتعز تعزر بنا
جميعاً؛ حتى سائق الطقم يفرد جناحيه من شرفة بوابة المركبة، مولولا ( والله ما روح إلا قاهو لليل ) نعم لم يكن في مهمة عسكرية بل مهمة الوصول الى ”
القبة” معركة بحد ذاتها !! مدد .. يا مسعده مدد !!
لقد كان بالفعل مسلسل غربة البن، حكاية بحد ذاتها أعاد فينا الشجون والحنين للماضي برغم إن لم يكن في المسلسل رائحة للبن، ولكن مشهد عبد الوكيل وخيانته للأمانة أثر على مجريات الأحداث، وأمسى المقوت الذي قعدت بجواره فارداً جناحيه مولولا كما الخلفية الموسيقية للمشهد (والله ما روح إلا قاهو لليل )، تلك العبارات الشعبية أصبحت ملهمة للبعض وبالأخص حين رافقها مشهد عبد الوكيل وهو يخون امانة مسعود .. لم يكن المقوت هو الوحيد بل من قبله سائق الطقم ومعظم من مررت بجوارهم كانوا يولولون بها، إن للدراما تأثير فعلي على المجتمع، بل قد يغير سلوكيات وانطباعات شعباً بأكمله ويغير ثقافات .
بالطبع لم أكن اعلم بنوايا الناس ولا أهتم بطبائعهم المختلفة، فقد أشتريت كيس من وريقات القات بعدما أخرجت مافي حوزتي من النقود، وعدت الى دراجتي النارية، أحاول أن اقلعها ولا فائدة قد نفذ الوقود، كيف نفد وقد أملئتها ليلة أمس؟! قال سائق عربة الموز : (بارك الله بالسواق ) وضحك. قهرنا أبن الذين لا نقود، ولا وقود، لأرتطع بجواره منتظراً أن يأتي أحد ركابي الدراجات لعلي أجد بقشيش يقيل عثراتي المتكررة، هو الزمن أغبر يا نوال.. لا حول ولا قوة إلا بالله.
يالله وجدت أحدهم بعد طلوع الروح … وكما
العادة عند
نفاد الوقود أدخلت شفتايا في فوهة البرميل نفخت فيه حتى أتمكن من إقلاع
الدراجة والمضي ولو قليلاً حتى الوصول الى أقرب محطة، وبالقرب من المحطة
بدأ الراكب مولولاً ( والله ما روح إلا قاهو لليل )، وقفت ونزلت مسرعاً
وصراخي بدأ يعلو : أسمع أنزل نزلت نفسك ما ناش مسعود .
بدا الراكب مرتبكاُ وبديت أنا اشد غضباً، فلست ساذجاً فالمقوت والسائق أقل ضرارا من هذا الذي بدأ يصب الملالة بأذني تماماً، يعلم الله مو كان ناوي هكذا قلت في نفسي بعد أن قدت الدراجة وأمنتها بجوار سور المحطة … عدت منكسر الجبين مطئطئ الرأس، عائداً بخفي حنين فقد أنتشل مني كيس القات .. ولم تفد تبة الطاهش التي انتمي اليها !!