- ضياف البراق
أتت العاصفة ولم أهرب. كنتُ أهربُ لو أنها أتت منذُ قليل. ما نجوتُ مرّةً في حياتي بأسلوب الهروب، مع أنّي جرّبتُ ذلك ما يربو على المليون مرة. الآن ما عاد الهروب ينفع أحدًا. هذا عصر سريع جدًا، ليس فيه مجال للتفكير. لا يفلح فيه أي أمل ولا ينفع معه أي هروب. لن تفلحَ فيه ولو فعلتَ أي شيء. إنه يهرب من بين أيدينا ومن تحت أقدامنا ولا نلحقه بل لا نراه. كأن لا عمل له غير إفحامنا بسرعته والتقيؤ في وجوهنا بعد دهسها وهرسها. لا يترك لنا فرصة النظر إليه، ويواصل جنونه السريع في هذا الظلام. ظلامه وظلامنا معًا. غادرت العاصفةُ وبقيتُ غارقًا. هي تعرف طريقها دائمًا. كل الطرقات هي طريق العاصفة فقط. وجفَّتِ الأمواهُ وبقيتُ غارقًا. عادت بطريقة أخرى ولم أتزحزح كثيرًا. بقيت غارقًا، وهو ما أقدر عليه. أنا لا أنتظر شيئًا هنا. وهناك أيضًا. الهالكون في العواصف هم الهاربون منها. لعلهم يهربون ليتلذذوا بتكرار موتهم وحسب. لذة التكرار هنا تعادل لذة الحياة التي لم يطعموها بعدُ. إنهم لا يقصدون الحياة بل عاصفة أخرى. تأتيهم العواصف فيفرحون. الحياة هي تكرار الموت مع عدم الانفصال عنه. هي هذا الهروب السيزيفي من موت إلى موت. الأفضل هو البقاء وسط العاصفة حتى آخر عاصفة. الغرق لا الهروب. ففي الغرق نحن على الأقل لا نتعِب أقدامنا دون فائدة. بل لا نحتاجها.