- محمد الشرجبي
تقلقني، أو حتى تغيظني فكرة إستقطاب الأخر أو حتى اجتذابه، بل إنها كعظم سمك علق باللقمة فلا أني بلعته ولا أني قذفته، ليترك أثر دمٍ وجرح، ليس هذا وحسب بل أنها كفكرة الشهرة تفقدني توازني، فكرة المليوني مشاهدة والترليون “لايك” فكرة قضية الأسبوع وخبر اليوم.
ويصعقني تبدل المفاهيم، فكرة أن النجاح هو الشعبوية والجماهير والتعليقات “والليكات والسبيسكريب” والعكس، فكرة “التريندينج” وأخر صيحة، فكرة أن يعرف الجميع _ من أعرف ومن لا أعرف_ مواعيد نومي واستيقاظي، فكرة أن أخبرهم جميعًا أنني أكره أعمال المطبخ أو تصفية الحمام، وأنني أشعر بالغثيان كلما ركبت الطائرة أو فكرة أن يعرف الجميع لون الفنجان الذي شربت به القهوة في شروق يوم الجمعة بينما أني لم أشرب القهوة و لا أشربها أصلًا.
ترعبني فكرة الناس والإلتصاق بهم، و لا أعرف بالضبط ما الذي يرعبني بالفكرة، لكن مقولًة لأحدهم تستحضرني، “مَن سمّع، سمّع الله به”.
بإختصار، تزعجني فكرة أن أهتم بذائقة الناس وأمزجتهم وتوقعاتهم ولا أفعلها في المقابل مع نفسي، فكرة أن أخبرهم اليوم أن بطني منتفخ، أو أنْ أصّور لقطًة محترفًة لبطني المنتفخة، أو أن أستدعي مثلًا مصورًا محترفًا لذلك، وأضعها في “فيسبوك أو واتساب أو أنستجرام”، مع تعليق بسيط، “كانت اليوم بطني حتموتني وكأنه داخلها ديناصور”، ثم تنهمر التعليقات بعدها، “نورت بطنك، كرشك حلو، سرتك واسعة، ايه بطنك حفريات طبيعية”، وبدورك تجيب “أنا فدا لك يالغالي، كرشك أحلى، سرتك أوسع، لا، بطني مختبر دارون”، ويستمر القرف.