- عيبان السامعي
الإهداء
إلى: عبدالله عبدالرزاق باذيب والشهيد عبدالله عبدالمجيد السلفي, مثقفان ثوريان,
وقائدان عماليان, ومناضلان خالدان…
مفتتح:
مع عودة الآمال
العريضة بتدفق الموجة الثانية لحراك الشعوب العربية, بدأت تتجه الأنظار أكثر إلى
دور العمال في هذا الحراك, ولقد سجلت الثورة السودانية طلوع نجم كيان عمالي ــ
“تجمع المهنيين” ــ الذي أثبت جدارة منقطعة النظير.
لم يكن هذا الدور إلا
امتداداً أصيلاً للدور الطليعي الذي خاضته الحركة العمالية في غمار ثورات الشعوب
العربية منذ أن أقدم “البوعزيزي” العامل التونسي الكادح على إحراق جسده في 17 ديسمبر
2010م فأحرق بذلك نظم سياسية متسلطة ومرتهنة, وفتح مساراً تاريخياً لا يزال يختمر
حتى اللحظة.
في اليمن كان للحركة
العمالية اليمنية دور حاسم في الحراك الشعبي عام 2011م, وهو دور ينسجم مع تاريخها
النضالي الذي يمتد لـ 80 عاماً, ساهمت بقسط وافر في مختلف المحطات التاريخية
لبلادنا؛ بل مثلت في مراحل معينة طليعة النضال الوطني والتحرري ووقوده الحارق في
سبيل حرية اليمن ووحدته وتقدمه الاجتماعي.
تفتقر المكتبة
اليمنية إلى دراسات علمية شاملة للحركة العمالية ونضالاتها وقضاياها. وما هو متوفر
لا يعدو عن بضع كتابات انطباعية أو توثيقية لفترات محددة لاسيما فترة الخمسينات
والستينات من القرن العشرين.
من هنا, تأتي أهمية
هذه الدراسة التي تتناول بمبضع التحليل السوسيولوجي الحركة العمالية والنقابية في
اليمن وتحولاتها خلال الفترة (1939 – 2019م), وتشتمل على أربعة محاور, هي:
المحور الأول: مدخل
نظري: يعالج مسألة التركيب الطبقي للبلدان النامية ومنها اليمن, ويحاجج مختلف
التصورات السائدة تجاه هذه المسألة الشائكة, بين من ينكر وجود طبقات اجتماعية ــ
ومنها وجود الطبقة العاملة ــ في البلدان النامية, ومن يؤكد على وجودها, والموقف من
ذلك.
كما يقدم تسويغاً
اجتهادياً لاستخدام مصطلح “الحركة العمالية” الذي يشمل الطبقة العاملة
وسائر العمال الكادحين.
المحور الثاني: يُلقي
أضواء كاشفة على الحركة النقابية اليمنية خلال الفترة (1939 – 2019م) وتحولاتها:
وثباتها وانتكاساتها.
المحور الثالث: عقبات
على الطريق: ويتناول أبزر التحديات والمشكلات التي تواجه الحركة العمالية اليمنية,
وفي مقدمتها: البطالة, والفقر, وتدهور الأجور, والهجرة, وقصور التشريعات العمالية, والقيود المفروضة على العمل
النقابي وغياب الحريات النقابية, وعمالة الأطفال, وأوضاع المرأة العاملة, ومظاهر
وأسباب ضعف الوعي الطبقي, وغيرها.
المحور الرابع
والأخير: يتضمن جملة من المقترحات والاستخلاصات المبتغية استنهاض قوى الحركة
العمالية والنقابية اليمنية, وتفعيل دورها التاريخي والسياسي والاجتماعي
الديمقراطي, وحتمية صلتها النضالية القومية والأممية في ضوء الوضع الكوكبي المتثور.
شكر وعرفان:
هذه الدراسة مدينة
بالشكر والعرفان للرفاق: أحمد نعمان السروري, وغانم بجاش المعمري, وفوزي العريقي
الذين زودوني بمراجع هامة كانت خير زاد لي في إنجاز هذه الدراسة.
وأعبّر عن عظيم
الامتنان للرفاق: علي عبدالفتاح وعبدالجليل الزريقي ونشوان الأكحلي على ما قدموه
من آراء سديدة ومعلومات ثمينة عن الحركة النقابية اليمنية.
وأخيراً ما كان لهذه
الدراسة أن ترى النور لولا السيدة/ دينا أمين المقطري زوجتي ورفيقة عمري, فصبرها
ومساندتها لي كانا خير معين لي… وإني في غاية الامتنان…
المحور الأول: مدخل
نظري:
(أ_ 1) جدل الطبقات
والطبقة العاملة في البلدان النامية, ومنها اليمن:
تعد موضوعة التركيب
الطبقي للمجتمعات النامية (Class
Structure Of Less Developed Countries “LDCs”) من أكثر الموضوعات تعقيداً وإثارة للجدل في الدراسات السوسيولوجية,
وقد انقسم الباحثون والمشتغلون في الحقل السوسيولوجي إزاءها إلى عدة مذاهب وفرق:
الفريق الأول: ينكر
ــ بإطلاق ــ وجود طبقات, ومنها وجود طبقة عاملة في البلدان النامية, ويسلّم
بـ”استثنائية” هذه المجتمعات, مستدلاً بهيمنة البُنى العشائرية
والطائفية و”إعاقتها” لتشكُّل الطبقات الحديثة.
الفريق الثاني: يؤكد
على وجود طبقات, لكنه ينطلق من منظور دوغمائي ميكانيكي في توصيف التركيب الطبقي
للمجتمعات النامية, وأسير للمقولات الكلاسيكية, دون أخذ التطورات الحاصلة في
العالم وخصوصية المجتمعات النامية بعين الاعتبار.
الفريق الثالث: قدم
مقاربات عديدة, وعلى الرغم من أنه حاول ملامسة التفاوت الاجتماعي في المجتمعات
النامية, لكن يحاذر وبشكل مبالغ فيه عن استخدام مصطلحات الطبقة والطبقات
الاجتماعية, ويستعيض عن ذلك بمصطلحات من قبيل: الفئات/ الشرائح/ الجماعات
الاجتماعية.
وبرأينا المتواضع أن
خللاً منهجياً مركباً “ذا ثلاثة أوجه” يقع فيه هؤلاء الباحثون على
اختلاف مذاهبهم:
الوجه الأول لهذا
الخلل يكمن في:
الاستناد إلى نموذج
مرجعي ــ النموذج الأوروبي ــ للحكم على وجود الطبقات أو إنكار وجودها في البلدان
النامية.
بعبارة أخرى: يتم
إضفاء المعيارية القياسية على البنية الطبقية للمجتمعات الأوروبية, ومن ثمّ
مقارنتها بشكل آلي ببنية المجتمعات غير الأوروبية, دون طرح إمكانية صياغة نموذج/ نماذج بديلة تأخذ بعين الاعتبار خصائص
المجتمعات غير الأوروبية وبما يعكس حقيقة واقع الاستغلال والفوارق الطبقية السائدة
فيها.
والوجه الثاني يتمثل
في:
الإغفال عن حقيقة
بديهية مؤداها: إن نشأة الطبقات الاجتماعية تعود إلى مرحلة مبكرة من التاريخ
الإنساني, فالنظم ما قبل الرأسمالية عرفت تراتب طبقي: طبقة العبيد وطبقة الأسياد
في النظام العبودي, وطبقة الفلاحين الأقنان وطبقة النبلاء في النظام الإقطاعي.
وبالمناسبة فإن مصطلح
“الطبقة الاجتماعية” (Social
Class) ضارب في القدم, فقد
أصبح متداولاً منذ أن ظهر القانون العمومي الروماني الذي يقسّم المواطنين إلى
طبقات جبائية. كما استخدم الاشتراكيون الطوباويون “الطبقات” في دراساتهم
عن الملكية والعمل والحقوق والمصالح السياسية. [1]
والوجه الثالث يقوم
على أساس:
الخلط بين مفهومي
الطبقة والوعي الطبقي, فالكثير من الباحثين يشترط الإقرار بوجود طبقة بامتلاكها
وعياً طبقياً وتنظيماً اجتماعياً واضحاً. ويتناسى هؤلاء أن وجود الطبقة سابق على
اكتساب وعيها وانتظامها, “فالوجود الاجتماعي يسبق ويحدد الوعي الاجتماعي“.
إن الماركسية ــ
بوصفها علم الصراع الطبقي ــ قد ميَّزت وجود الطبقة في حالتين اثنتين:
الحالة الأولى:
الطبقة في ذاتها, وهي الطبقة القائمة موضوعياً بغض النظر عن وعي أعضائها بوجودها
كطبقة.
الحالة الثانية:
الطبقة لذاتها, وهي تلك التي تتصرف وتمارس نشاطها, وهي واعية بتركيبتها كطبقة.
ويقدم د. عصام خفاجي
تدليلاً على صحة ذلك, فيقول بأن الطبقة البرجوازية التي شكّلت العالم المعاصر
وقادت تحولات كبرى, ومع ذلك من الصعب الحديث عن طبقة جماهيرية كانت واعية بمصالحها
المتجانسة وتطلعاتها المسبقة للتقدم وعواقب أفعالها التي تحددت وتم حسابها مسبقاً.
فقد تمت الثورة الهولندية في ظل شعارات قومية وبروتستانتية, وجرت الانتفاضة
الانكليزية في ظل الكالفينية, وتحقق الاصلاح الألماني في ظل شعارات بروتستانتية.[2]
ويضيف بالقول: إن
الناس العاديين, بمن فيهم سكان المدن, لم يتعرفوا على أنفسهم كأعضاء في طبقات
اجتماعية عشية الثورة الفرنسية العام 1789م, أو أن وعيهم بهوياتهم لم يكن طبقياً
بالدرجة الأولى, ومع هذا فإن الثورة الفرنسية وكذلك الثورات الفلاحية التي رفعت
رايات النزاعات الدينية أدت إلى تحولات برجوازية حقيقية.[3]
يعرّف فلاديمير إ.
لينين الطبقة بأنها: مجموعة كبيرة من البشر, تتميز عن بعضها بحسب الموقع الذي
تحتله في نظام إنتاج اجتماعي محدد تاريخياً, وكذلك بحسب ما لها من علاقات بوسائل
الإنتاج, وهي علاقات تضبطها وتكرسها قوانين معينة في أغلب الأحيان, وكذلك بحسب
دورها في التنظيم الاجتماعي للعمل, أي بحسب الطرق التي تحصل بها على الثروات
الاجتماعية وما تحوزه منها. إن الطبقات هي مجموعات من الناس يستطيع بعضهم ابتزاز
عمل الآخرين لا لشيء إلا لأنهم يحتلون موقعاً متميزاً في بنية معينة من الاقتصاد
الاجتماعي.[4]
إذن, الوجود الموضوعي
للطبقة, ليس أمراً اشتراطياً بوعيها الطبقي, بقدر ما يرتبط بعمليات وعلاقات
الإنتاج الاجتماعي السائدة, وبوجود التفاوت بين مستغِلين ومستغَلين, أي بوجود
الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج.
من هنا, بالضبط, يتضح
خطأ منكري وجود الطبقات الاجتماعية في العالم النامي. ومع ذلك ينبغي إعارة
الانتباه إلى الفروقات بين المجتمعات الرأسمالية الصناعية والمجتمعات النامية,
فالمجتمع الرأسمالي الصناعي مجتمع طبقي خالص, حيث الطبقة هي المبدأ المؤسس/ الناظم
للمجتمع, أما المجتمعات النامية فلا يكفي الاعتماد على التقسيم الطبقي كمبدأ
تنظيمي أوحد للمجتمع وتفسيري أوحد للتراتب بين البشر داخلها.[5] فالعوامل
الاجتماعية الأخرى: الانتماء الاثني أو العشائري أو المذهبي أو الطائفي أو
المناطقي تلعب دوراً مؤثراً في ظاهرة التراتب والتفاوت الاجتماعي.
إن التضامن الطبقي
يلعب دوره في المجتمعات النامية لكنه يتداخل مع أشكال تضامن أخرى عائلية وإثنية
ومذهبية وما شابه. كما إن هذه المراتب, أي الجماعات التي ترتبط فيما بينها بعلاقات
القرابة والجندر والدين والمذهب والإثنية, ليست مجرد انعكاس للعلاقات الطبقية بل تتقاطع معها, دون أن تتطابق,
علماً أنها تبقى محكومة بالبنية الطبقية, في نهاية المطاف, بالمقدار الذي تسيطر
فيه هذه على الوصول إلى مختلف الموارد الاجتماعية, أي على الفائض الاجتماعي.[6]
مما تقدم, يمكننا
الخلوص إلى وجود طبقات اجتماعية في المجتمعات النامية, لكنها طبقات ذات خصوصية,
نابعة من طبيعة الظروف الموضوعية التي تحكمها, نسميها “طبقات انتقالية”
ــ إن جاز التعبير ــ, أي أنها طبقات ليست قارية, “مستقرة”, وراسخة بما
فيه الكفاية, كما هي في المجتمعات الرأسمالية الصناعية, بل طبقات قلقة وتظل عُرضةً
لتحولات وحراكات اجتماعية طفروية.
وكما دللنا على خطأ
الموقف الإنكاري لوجود الطبقات في المجتمعات النامية, فسنشرع تالياً بالفعل نفسه
تجاه من ينكرون وجود الطبقة العاملة في المجتمعات النامية.
ينفي الكثير من
الدارسين والباحثين وجود طبقة عاملة(Working Class) في
المجتمعات النامية “بالمعنى الموضوعي لها!”, وينحو البعض من هؤلاء إلى
الحديث عن وجود “شغيلة” و”فئات كادحة” و”بروليتاريا رثة” ولا وجود لـ”طبقة عاملة“.
ويستندون على
الحيثيات الآتية لإثبات صحة مزاعمهم:
1- هشاشة البنية
الإنتاجية, وانعدام وجود صناعة ثقيلة على وجه خاص.
2- غلبة القطاع الزراعي
على ما عداه من قطاعات في اقتصاديات البلدان النامية, ومحدودية الملكيات الزراعية
الكبيرة, وتخلّف الإنتاج الزراعي الذي لا يزال يعتمد في الغالب على وسائل بدائية
وغياب المكننة الحديثة.
3- توسع قطاع الخدمات
والتجارة, وقطاع الانتاج الصغير الذي يشمل الحرفيين وعمال الورش الحرفية.
4- وجود قطاع هامشي يحتل
مساحة واسعة في النشاط الاقتصادي, ويشمل: الباعة الجائلين, والعمال المياومين
(الموسمين وعمال الأجر اليومي, “الشقاة” باللهجة اليمنية الدارجة).
5- احتفاظ العمال الذين
انتقلوا من الريف إلى المدينة للعمل ــ بمن فيهم “عمال الصناعة” ــ
بعلاقات بالوسط الريفي, وتمسكهم بالقيم الاجتماعية وبالرواسب الثقافية الريفية, فضلاً عن تسيد
الجهل والأمية في أوساط هؤلاء العمال, مما يجعلهم فريسة سهلة بيد الطبقة المالكة
توظفهم كيفما تشاء.
6- عدم تبلور وعي طبقي
لدى العمال بمصالحهم الفعلية وبدورهم في سياق العملية الاجتماعية.
7- افتقار العمال
للتنظيم الاجتماعي, وافتقارهم للتجانس وللتضامن الطبقي.
8- تعدد وتداخل أنماط
الانتاج في البلدان النامية بين: رأسمالية, وإقطاعية, وشبه إقطاعية, وشبه عبودية,
وبقايا مشاعية.
وغيرها من الحيثيات
التي وإن كنا نقرّ “بموضوعية” الكثير منها لجهة توصيف واقع وطابع البنية
الاقتصادية ــ الاجتماعية السائدة في العالم النامي, غير أننا نختلف مع الاستنتاج
الذي يفيد بعدم وجود طبقة عاملة, وذلك للاعتبارات الآتية:
أولاً: البعض يتعامل
مع الطبقة العاملة كـ”مقولة نظرية معيارية مجردة” أو كـ”مفهوم
أكاديمي صرف”؛ وليس بوصفها ظاهرة سوسيولوجية متغيرة ومرتبطة أشد الارتباط
بعمليات الواقع الموضوعي والتطورات المستجدة على الصعيد العالمي.
فعلى سبيل المثال:
هناك من يُقْصِر مصطلح الطبقة العاملة على البروليتاريا الصناعية فقط, التي تتشكّل
من العمال الصناعيين ذوي الياقات الزرقاء الذين يمارسون العمل اليدوي في مصانع
وينتجون قيمة فائضة أو قيمة زائدة[7] بحسب التحديد الكلاسيكي لها. وبالتالي يتم
إخراج الجيش الهائل من عمال الخدمات والإنتاج الصغير وأصحاب الياقات البيضاء من
المهنيين والعاملين في مجال المعرفة والعمل المكتبي من إطار الطبقة العاملة.
إنّ هؤلاء لا يرون
الطبقة العاملة إلا في صورة “ذكورية, مفتولة العضلات, وتستخدم المطارق
الكبيرة“!
ويتغافلون عن رؤية
التحولات التي حدثت ليس للطبقة العاملة فقط, بل ولسائر الطبقات الاجتماعية؛ بفعل
الأتمتة والثورة التكنولوجية الرقمية. فالطبقة البرجوازية لم تعد بتلك الصورة التي
كانتها قبل مائة وخمسين عاماً, بل طرأت عليها تغيّرات عديدة, والحال نفسه ينطبق
على الطبقة العاملة, التي أصبحت تشمل “كل من يعمل بأجر ويسهم في تحقيق القيمة
الفائضة”؛
بصرف النظر عن نوعية
العمل الذي يقوم به, أكان عملاً عضلياً أم ذهنياً, وبصرف النظر ــ أيضاً ــ عن
القطاع الذي يعمل به, أكان في قطاع الصناعة أم في قطاع آخر.
ثانياً: هناك من
يرى أن الطبقة العاملة إنما تشمل فقط العمال المأجورين الذين يسهمون في الإنتاج
السلعي المادي: الصناعي أو الزراعي, وبالتالي يجري استثناء عمال قطاعات: الخدمات
والتجارة والمعرفة والعمل المكتبي في جهاز الدولة أو في الشركات الأهلية, بحسبانهم
“عمالاً غير منتجين“.
لا يأخذ هؤلاء بعين
الاهتمام التحولات الهائلة التي أحدثتها الثورة المعلوماتية والأتمتة في وسائل
الإنتاج, فالتسيير والتحكّم الذاتي للآلات, والتقدم المتسارع في مجال الذكاء
الاصطناعي, قد أفضيا إلى تحولات هيكلية في الطبقة العاملة وعملية الإنتاج, فلم يعد
الإنتاج مقتصراً على إنتاج السلع المادية فحسب, بل أصبحت المعلومة سلعة, وأصبحت
الخدمة سلعة أيضاً. وأصبح كل من التقني والمهني وعامل الخدمات الذين يعملون لصالح
غيرهم وبأجر معلوم, وكذلك الموظفون الصغار في قطاع الأعمال الإدارية والمكتبية,
سواء في جهاز الدولة أم في المؤسسات الأهلية يندرجون ضمن الطبقة العاملة.[8]
فالأتمتة والثورة
المعلوماتية قد أدت إلى اتساع نطاق العمل الذهني على حساب العمل اليدوي.
تأسيساً على ما تقدم,
يمكن تحديد مجالات النشاط الاقتصادي للطبقة العاملة راهناً بالصورة الآتية:
1- الانتاج الصناعي
والزراعي: اللذان يقومان على أساس إنتاج السلع المادية.
2- الانتاج الخدمي
والمعرفي: اللذان يقومان على أساس تقديم الخدمة والمعرفة على شكل سلعة لها قيمة
تبادلية وقيمة استعمالية.
ثالثاً: نشوء
الطبقة العاملة ليس بالضرورة مرهوناً بوجود قاعدة مادية صناعية كبيرة تضاهي تلك
الموجودة في البلدان الرأسمالية الصناعية, بل إن انتشار العلاقات الرأسمالية
وتعممها كفيل باستيلاد طبقة عاملة. ومن المعلوم أن العلاقات الرأسمالية ومنها
العلاقات النقدية ــ السلعية في بلادنا بدأت بالانتشار في ثلاثينات القرن العشرين
وتغلغلت بصورة أكبر مطلع ستينات القرن عينه.
رابعاً: على الرغم من
استمرار بُنى ما قبل الرأسمالية, كالإقطاع وغيره في بلادنا وفي البلاد النامية
بصفة عامة, بل وقدرة هذه البنى على التكيّف مع التحولات الحاصلة بفعل التشوّه الذي
أحدثه الاستعمار في عملية التطور الرأسمالي لهذه البلدان ونمط التقسيم الدولي
للعمل.
وعلى الرغم ــ أيضاً
ــ من استمرار تأثير الرواسب القديمة على بنية الوعي والممارسات الاجتماعية, إلا
أنّه لا يمكن إنكار أن التغلغل الرأسمالي ــ خلال الثلاثة العقود المنصرمة على
الأقل ــ قد توسع نطاقه حتى شمل مختلف قطاعات المجتمع؛ بما فيها تلك القطاعات التي
ظلت لردح طويل من الزمن تعيش في عزلة.
بتعبير آخر: إن توسع
دائرة الترسمل, فضلاً عن تأثيرات الكوكبية (العولمة) في الثلاثة العقود الأخيرة
على الأقل, قد زعزع ــ إلى حد كبير ــ بنى العلاقات الاجتماعية القديمة لصالح
سيادة العلاقات الجديدة شيئاً فشيئاً.. وبموجب ذلك أضحت مدفعية الرأسمالية تدك
أسوار أكثر الأمم تأخراً وتجبرها تحت طائلة الفناء على تبني نمط إنتاجها وفقاً
لكارل ماركس.
خامساً: التغير في
الوضع الاجتماعي للمرأة في العالم النامي ومنها اليمن, فقد شهدت الآونة الأخيرة
ارتفاع مضطرد في أعداد النساء العاملات قياساً بالمراحل السابقة, وهذا
يعني زيادة في حجم الطبقة العاملة.
سادساً: تنامي وتائر
الاضطرابات السياسية والاجتماعية في البلدان النامية, التي هي انعكاس فعلي لتعمق
التفاوت الاجتماعي المتخذ شكل استقطاب طبقي, إذ يزداد تركُّز الثروة والسلطة في يد
الطبقة السائدة, وتركّز الفقر والبؤس في أوساط الطبقة المسودة.
سابعاً: ما أحدثته
السياسات النيوليبرالية في العالم بصورة عامة, وفي العالم النامي بشكل خاص, من
تغيرات عاصفة, من أبرز مظاهرها الملموسة:
1- بلترة قسم عظيم من
أبناء الطبقة الوسطى والبرجوازية الصغيرة؛ بفعل تدهور مداخليهم وارتفاع تكاليف
المعيشة, فقد أصبحت الأجور التي يتقاضونها هزيلة بالكاد تغطي الاحتياجات المعيشة
الدنيا.
2- بقدر ما أدت الخصخصة
إلى تجريف القطاع العام, وتزايد حالة التفاوت الاجتماعي, وتآكل الطبقة الوسطى,
واتساع رقعة الفقر والجوع, وحرمان أغلبية السكان من الخدمات الأساسية, بقدر ما
أفضت إلى تعمم العلاقات الرأسمالية وتشديد استغلال العمال.
إن وجود شركات خاصة
وأفراد يقومون ببيع الخدمات للمواطنين كالتعليم والخدمات الطبية والصحية والكهرباء
والماء, اللائي كنّ من صلب التزامات الدولة تجاه مواطنيها, قد هوى بمعظم أعضاء
الطبقة الوسطى إلى مستوى أدنى, وأصبحوا عمالاً يتقاضون أجوراً زهيدة لا تساوي قوة
عملهم ولا توفر لهم حياة كريمة ومستقرة, أي أصبحوا “أنصاف بروليتاريين”
أو “أشباه بروليتاريين” بحسب الوصف الدارج.
3- كما تسببت تلك
السياسات النيوليبرالية بحراك اجتماعي “شاذ”, فقد أفلس الكثير من أبناء
البرجوازية الصغيرة وهبطوا من مواقعهم الاجتماعية القديمة إلى مواقع سفلى, في حين
صعدت طبقة طفيلية مكونة من: مسؤولين حكوميين ووجاهات اجتماعية إقطاعية ورجال دين,
تحالفت مع الكمبرادور, وسيطرت على المجال الاقتصادي وعلى المجال العام, وارتهنت
للخارج بغرض الحفاظ على امتيازاتها الخاصة كطبقة.
قصارى القول: إن وجود
الطبقة العاملة في البلدان النامية أصبح أمراً ملموساً, بل يتنامى ويزداد عديدها
بفعل جملة من العوامل, على خلاف التصورات السائدة التي تنفي وجود الطبقة العاملة
أو تقلل من حجمها وشأنها.
ومع ذلك, ينبغي عدم
الإغفال إلى أن الطبقة العاملة في البلدان النامية ــ ومنها اليمن ـ تعيش وضعاً
انتقالياً, فلا تزال طبقة ناشئة وضعيفة من الناحية الكيفية لا الكمية! وسنأتي على
إيضاح هذه المسألة الملتبسة لاحقاً.
ملاحظة ختامية: نجد
أنفسنا متفقين مع البعض بخصوص التمييز الدقيق بين الطبقة العاملة والشغيلة (العمال
الكادحين).
فالطبقة العاملة تشمل
كل من يعمل بالأجر لصالح الغير وينتج فائض قيمة ناتجة عن سلعة أو خدمة أو معلومة!
فيما الشغيلة (أو
العمال الكادحين) يعملون إما:
§ لصالح غيرهم ولكنهم لا ينتجون قيمة فائضة, مثل: عمال الخدمة المنزلية.
§ أو يعملون لصالح أنفسهم, فالعامل الذي يعمل في دكان صغير أو الفلاح
الفقير الذي يعمل في حقله الصغير أو في حقل غيره وقام باستئجاره يعد من الشغيلة.
بينما العامل الذي يعمل في مصنع أو في بنك أو في مركز تجاري يعود ملكية هذا المصنع
أو البنك أو المركز التجاري لغيره, ويقبض أجرة معلومة لقاء عمله, يندرج ضمن الطبقة
العاملة.
إذن يكمن الفارق
الدقيق في طبيعة العلاقات الاجتماعية التي ينخرط فيها كلاً من: العامل المأجور
والعامل الكادح. ومع ذلك فكليهما يعيشان في أوضاع مزرية ويقعان في دائرة الاستغلال
الاجتماعي والاقتصادي.
ولهذا السبب ارتأينا
استخدام مصطلح “الحركة العمالية” باعتباره مصطلحاً يشمل العمال
المأجورين “الطبقة العاملة” والعمال الكادحين “الشغيلة“.
في الحلقة المقبلة..
سنلقي أضواء على الحركة العمالية والنقابية اليمنية ومسار تحولاتها خلال الفترة
(1938 – 2019م).
المحور الثاني:
تحولات الحركة العمالية والنقابية اليمنية خلال الفترة (1938 – 2019م)
(ب – 1) تشكُّل الطبقة
العاملة اليمنية:
بدأت الطبقة العاملة
الحديثة بالنمو وبشكل ملحوظ نهاية ثلاثينيات القرن العشرين في الشطر الجنوبي من
الوطن, وبالتحديد في مدينة عدن, التي كانت ــ حينها ــ تخضع للاستعمار البريطاني
منذ العام 1839م.
وقد ساهمت عدة عوامل
في هذا التشكل, أبرزها:
1- انتشار العلاقات الرأسمالية
والعلاقات السلعية ــ النقدية بفعل تدفق السلع الأجنبية إلى عدن.
2- قيام المستعمر
البريطاني بإنشاء شركات احتكارية, أبرزها: شركة البترول البريطانية “موبيل” (B.P), وشركة “لوك توماس” وشركة “كوري براذرز” وشركة “البس”
وشركة “شل” وشركة “كالتكس”, وغيرها.
بالإضافة إلى تطوير
ميناء عدن لأغراض خاصة به, فمن خلاله سيطرت الشركات البريطانية الاحتكارية
“على تجارة كل جنوب الجزيرة العربية”. [9]
3- نشوء مزارع إقطاعية
كبيرة, مثل: مزارع القطن في أبين ولحج, التي أرسى أساسها الانجليز, وقد أعطت
دفعة لتطور العلاقات البضاعية ــ النقدية في الزراعة. [10]
4- تدهور الزراعة
ومردودها, وتقلص فرص العمل في الريف, وتنامي عدد السكان, كل ذلك دفع بالعديد من
أبناء الريف لشد الرحال إلى مدينة عدن للبحث عن فرص عمل فيها.
فقد مثلت عدن ــ
آنئذٍ ــ قِبلة للمهاجرين الريفيين ــ ولا سيما أبناء محافظتي تعز وحضرموت ــ
نظراً لما احتلته من مكانة خاصة لدى المستعمر وشركاته الاحتكارية, وهو ما جعل منها
أول مركز تجاري وصناعي على مستوى اليمن.
5- قيام الإدارة
الاستعمارية بتأسيس مكتب العمل عام 1938م, وأطلق عليه اسم (لابُر أوفيس Labor
Office ), وذلك بعد أن ازداد تجمع
العمال في مرافق وأماكن عمل مختلفة كالميناء والمملاح والبناء والتجارة وشركات
التصدير والاستيراد الأجنبية وشحن وتفريغ البواخر, حيث كان على إدارة مكتب العمل
القيام بدور الوسيط لتسهيل مهمة طلبات أصحاب الأعمال من الشركات والدوائر الحكومية
والمقاولين وغيرهم.[11]
أما في الشطر الشمالي
من البلاد, فقد بدأت الطبقة العاملة بالتكون بوقت متأخر نسبياً, وبالتحديد في
مستهل خمسينات القرن الفارط. ويعزى سبب هذا التأخر إلى سياسة العزلة التي انتهجها
الإمام يحيى حميد الدين, الذي حكم اليمن الشمالي خلال الفترة (1918 – 1948م), إذ قام بسد الطريق أمام تغلغل التكنيك المعاصر في البلاد ومنعها
من اللحاق بالتقدم الاجتماعي[12], كما أعاق قيام صناعة وطنية, وبناء الهياكل التي
تدخل في تراكيب الفروع الاقتصادية.[13]
لقد عانت “اليمن
المتوكلية” إبّان حكم الإمام يحيى من التخلف الشديد في كافة مناحي الحياة, فالمدن
اليمنية ظلت من حيث شكلها الخارجي شبيهة بمدن القرون الوسطى, إذ أُحيط الكثير منها
بأسوار عالية, حيث لا يُسمح بالدخول إليها إلا من البوابة التي تغلق في الليل
وأثناء تأدية الصلاة.[14]
ولم يكن هناك نظام
نقدي, ولم يكن ثمة بنك في اليمن المتوكلية, وكانت خزينة الدولة هي خزينة الإمام,
فقد كان الإمام يتصرف بها حسبما يشاء بدون رقيب.[15] بل كانت خزينة الدولة ــ بيت
مال المسلمين كما كان يطلق عليها ــ عبارة عن غرفة تقع في قصر الإمام!
غير أن هبوب رياح
التغيير واندلاع الثورة الدستورية “الموءودة” في فبراير 1948م واغتيال الإمام يحيى, قد أرغمت وريث
العرش الملكي الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين, الذي حكم اليمن الشمالي خلال الفترة
(1948 – 1962م) على “تخفيف” سياسة العزلة والانفتاح الجزئي على العالم.
فبدأت البضائع
الأجنبية تتدفق إلى مختلف مناطق البلاد, مما تسبب بتدهور الكثير من الصناعات
الحرفية الصغيرة, وأفلس أصحابها وأصبحوا لاحقاً عمالاً مأجورين.[16]
كما قامت حكومة
الإمام أحمد بعقد الاتفاقات الاقتصادية مع الدول والشركات الأجنبية, ففي عام 1950م
مُنحت شركة أرامكو حق احتكاري بالتنقيب عن النفط في مناطق مختلفة من اليمن, وفي
1955م مُنحت الشركة الأمريكية (يمن ديفلوبمنت كريدش أف واستجين) حق المسح والتنقيب
عن المعادن بما فيها النفط في بعض المناطق اليمنية.[17]
كما أنشأ الإمام أحمد
عدداً من الشركات المساهمة في مجال الخدمات والمواصلات من أبرزها: شركة
المحروقات اليمنية, نشأت في أغسطس عام 1961م، وشركة طيران اليمنية, أسست في
يناير 1962م, وقد حدد الإمام أحمد حصته بـ (51%), واشترك في هذه الشركات كبار
التجار, منهم من كانوا مهاجرين عادوا إلى الوطن مثل عبدالغني مطهر[18], ومنهم من
ارتبطوا بصلات وثيقة بالأسرة الحاكمة مثل: الجبلي والشيخ الإقطاعي هادي هيج وآخرين.
ونشأت شركات تجارية
أخرى تابعة للبرجوازية التجارية, مثل: شركة هائل سعيد أنعم وشركاؤه التي احتكرت
توكيلات الشركات الاميركية والبريطانية في توزيع البضائع الموردة كالنفط والاسمنت
والكبريت والسكر…إلخ, وشركة محمد الزغير التي نشطت في مجال استيراد مشتقات النفط
والبضائع الغذائية… إلخ.[19]
وأبرمت سلطة الإمام
أحمد عدداً من الاتفاقيات مع بعض الدول الرأسمالية والاشتراكية, اتفق بموجبها على
إنشاء ميناء في الحديدة, وبناء مصنع الغزل والنسيج بصنعاء, ومصنع
الزجاج في تعز, ومصنع الأسماك في الحديدة, ومجموعة أخرى من مصانع دباغة الجلود
والسكر والاسمنت والسجائر ومعمل الألمنيوم, ومع ذلك بقيت أغلب هذه المشاريع حبراً
على ورق؛ باستثناء ميناء الحديدة الذي قام ببنائه الاتحاد السوفياتي, وقد بدأ فيه
العمل منذ خريف 1957م. واستطاع الميناء في ربيع 1961م استقبال ورسو البواخر وجهز
الميناء بعدة آليات حديثة الصنع وجيدة التصميم.[20]
مثّل بناء ميناء
الحديدة عاملاً هاماً لاجتذاب الأيدي العاملة وتأهيلها, فقد عُدّ بمثابة مدرسة
لتهيئة الكوادر المحلية, إذ اكتسب العمال المعرفة ببعض الاختصاصات وأصبحوا عمالاً ماهرين,
نجارين وبرادين وغواصين وكهربائيين… إلخ.[21]
وإلى جانب هؤلاء
العمال الأجراء, تشكّلت شريحة اجتماعية أخرى: الحمالون, وكانوا يقومون بأعمال
الشحن والتفريغ في الميناء.[22]
كان من المنطقي أن
يستمد هذا التشكّل الأولي والبطيء للطبقة العاملة من خصائص البنية الاقتصادية والاجتماعية
في البلاد ــ جنوباً وشمالاًــ, وطبيعة السلطات المسيطرة على كلا الشطرين.
على أن النصف الثاني
من الخمسينات شهد نمواً عاصفاً للطبقة العاملة في عدن[23] وبدأت تبرز كقوة منظمة
من خلال نشوء النقابات.
(ب – 2) ولادة الحركة
النقابية اليمنية وسيرورتها (1950 – 2019):
i. توطئة:
يعد ظهور نقابات
عمالية (Trade -union-) منظمة مؤشر على تطور في وعي الطبقة العاملة في أي بلد, فالنقابة
العمالية هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي الحديث ووعاء ديمقراطي ينظم العمال,
ويمارسون من خلاله عمليات التفاعل والاتصال البيني مما يولد لديهم وعياً طبقياً
بمصالحهم.
ونشأت النقابات في
العالم إثر انبثاق الثورة الصناعية, وظهور العمل المأجور, وتسيد الشعار الليبرالي
“دعه يعمل” الذي أتاح للبرجوازيين استخدام العمال وتشغيلهم في المصانع
والمعامل وفق الشروط التي يفرضها عليهم أولئك البرجوازيين.
وقد شهد العام 1720م
ظهور أول نقابة عمالية على مسرح التاريخ الإنساني في بريطانيا. وكان الدافع وراء
إنشائها, حاجة العمال الواقعين تحت سطوة الاستغلال البرجوازي إلى التكاتف والتضامن
للدفاع عن حقوقهم والمطالبة بتحسين ظروف وشروط العمل, ورفع الأجور, وتخفيض ساعات العمل…
إلخ.
لم تكن الطريق معبّدة
أمام العمال, فقد استخدمت الطبقة البرجوازية والسلطة السياسية القمع الوحشي في
محاولة منها لإثناء العمال عن ذلك, وأصدرت قوانين تحرّم إنشاء نقابات وجمعيات
عمالية. وظل هذا التحريم قائماً طوال ما يزيد عن قرن من الزمان, حتى تمكّن العمال
ــ أخيراً ــ من انتزاع الحق في تشكيل جمعيات عمالية عام 1829م بعد أن خاضوا
صراعاً مريراً مع مستغليهم الطبقيين.
ومنذ ذلك التاريخ
شهدت النقابات تطورات كبيرة, حتى أصبحت ظاهرة عالمية الطابع وحق عمالي تنص عليه
دساتير الدول والمواثيق والمعاهدات الدولية.
تمثل النقابة
العمالية حاجة موضوعية للعمال, فهي الوعاء التنظيمي الذي يمنح العمال إحساساً
بقيمة وجودهم كتكوين اجتماعي طبقي وكوحدة تضامنية.
ويفترض أن تنشأ
النقابة العمالية على أساس الإرادة الحرة للعمال دون تدخل الدولة وأصحاب العمل, كما
يفترض بها أن تكون مستقلة وتقوم على أساس ديمقراطي وبشكل علني.
ويقع على عاتق
النقابة القيام بالعديد من المهام والأدوار, فهي معنية بالدفاع عن حقوق أعضائها وتبني قضاياهم وتمثيلهم في مواجهة
رب العمل والسلطة السياسية وإزاء القوى الاجتماعية الأخرى, كما تُعنى بتوعية
العمال وتثويرهم لانتزاع حقوقهم المشروعة والحصول على الأجور العادلة والإجازات
المدفوعة الأجر وتحسين ظروف العمل وتخفيض ساعات العمل والحصول على التأمين والضمان
الاجتماعي والتعويض العادل في حالة الإصابة, فضلاً عن ضرورة قيامها بتقديم الدعم
والرعاية لأعضائها في الظروف الصعبة, وحمايتهم من صنوف القهر والعسف والاستغلال,
ورفع مستواهم المهني, والمشاركة في رسم السياسات الاجتماعية التي تضمن للعمال
وللمجتمع بصفة عامة حياة كريمة.
وعرفت الحركة
النقابية في العالم اتجاهات متباينة ومتصارعة يمكن حصرها في اتجاهين رئيسيين, هما:
الاتجاه التريديونيوني, والاتجاه الثوري.
الاتجاه
التريديونيوني (الإصلاحي):
يحصر مهام النقابات
في النضال المطلبي, كالمطالبة برفع الأجور وتحسين شروط العمل وتخفيض ساعات العمل
والحصول على التأمين الصحي والاجتماعي والتعويض في حال الإصابة, ويرفض النشاط السياسي
للنقابات بدعوى أن النقابات منظمات حيادية.
وقد كانت النشأة
الأولى للنقابات العمالية في العالم ذات طابع تريديونيوني (إصلاحي) نظراً للظروف
الموضوعية السائدة حينها وبساطة الوعي العمالي.
ومع اتضاح حقيقة
التحالف الوثيق بين الرأسمال والسلطة السياسية ضد العمال, بدأ هذا الاتجاه يضمر
ويفقد قدرته في الانتصار لقضايا العمال, وبالتالي بات نشاط النقابات “التريديونيونية” ــ وفقاً
لفريدريك انجلز ــ يمثل سلسلة طويلة من هزائم العمال, يتخللها القليل من
الانتصارات المنفردة.”
الاتجاه الثوري:
ظهر هذا الاتجاه ونمى
بعد أن وصل الاتجاه التريديونيوني إلى حالة إفلاس كما رأينا. وانطلق من مبدأ
تأسيسي مؤداه: ليس بمقدور النقابة العمالية على مواجهة التحالف الوثيق بين
الرأسمال والسلطة السياسية وتنتصر للطبقة العاملة ما لم تجمع بين النضال المطلبي
والنضال السياسي في وحدة جدلية متسقة.
وقد عرفت الحركة
النقابية في اليمن كلا الاتجاهين, كما سيتضح ذلك لاحقاً.
ii. والنقابة العمالية
والنقابة المهنية والمنظمة الجماهيرية.. هل ثمة فروق بينها؟؟
يخلط الكثيرون بين
الأشكال التنظيمية الثلاثة: النقابة العمالية والنقابة المهنية والنقابة
الجماهيرية, ومن أجل ذلك ارتأينا توضيح الفروق الأساسية بين كلِ منها وعلى النحو
الآتي:
النقابة العمالية:
تضم في صفوفها ــ حصراً ــ العمال المأجورين بغض النظر عن نوعية القطاعات
والمؤسسات التي يعملون بها.
النقابة المهنية:
وتشمل أعضاء من أصحاب المهنة الواحدة، مثل: نقابة الأطباء، نقابة المهندسين، نقابة
المعلمين … الخ.
المنظمة الجماهيرية: ينضوي في
صفوفها أعضاء ينحدرون من مختلف الطبقات والفئات الاجتماعية, وتجمعهم أهداف وقواسم
اجتماعية وفئوية مشتركة، مثل: اتحاد النساء، واتحاد الطلاب, واتحاد الشباب, واتحاد
الكتاب والأدباء… إلخ.
ودراستنا هذه مكرسة
بدرجة رئيسية للنوع الأول “النقابة العمالية”, لكنها لا تغفل عن العلاقة
النضالية الوثيقة التي جمعتها وتجمعها بالنقابة المهنية وبالمنظمة الجماهيرية.
نشأت النقابات
العمالية في اليمن لأول مرة في مدينة عدن مطلع خمسينات القرن المنصرم. وقد نمت في
بداية الأمر بصورة بطيئة؛ نظراً لطبيعة الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية
السائدة آنذاك, وضعف الوعي الطبقي للطبقة العاملة وعدم الإدراك بأهمية العمل
النقابي كأداة لتحقيق أهدافها والدفاع عن مصالح وحقوق أعضائها.
وشهدت الحركة
النقابية العمالية اليمنية طوال تاريخها المديد الكثير من التحولات, فقد حققت
صعوداً ناهضاً خلال مراحل تاريخية معينة وبخاصة الفترة الممتدة (1957 – 1967م) التي
ترافقت مع تصاعد زخم النضال الثوري والتحرري في الجنوب والشمال على السواء, وأسفر
عن اندلاع ثورتين عظيمين هما: ثورة 26 سبتمبر 1962م التي طوت صفحة النظام الإمامي
الثيوقراطي في الشمال, وثورة 14 أكتوبر 1962م ضد الوجود الاستعماري في الجنوب,
وصولاً إلى تحقيق الاستقلال الناجز في 30 نوفمبر 1967م.
كما مُنيت الحركة
النقابية في اليمن بنكسات وإخفاقات خلال مراحل تاريخية عديدة بفعل عوامل سياسية
بدرجة أساسية.
في الحلقة القادمة
عرض لأبرز التحولات والمحطات التاريخية التي شهدتها الحركة النقابية العمالية
اليمنية.
كانت عدن سباقة في نشوء
النقابات العمالية المنظمة على مستوى اليمن, بفعل تطور اقتصادها, لاسيما توسيع
الميناء وبناء مصفاة الزيت, وازدياد أعداد العمال, ونشاط التنظيمات الوطنية الأولى.[24]
ولا يوجد اتفاق حول
تاريخ محدد لبداية نشوء النقابات العمالية, فهناك ثلاثة آراء:
الرأي الأول: يذهب
عبدالله مرشد ــ أحد القيادات الريادية للحركة النقابية ــ إلى القول بأن بداية
نشوء النقابات في عدن تعود إلى ما قبل أربعينات القرن العشرين, مستشهداً بقيام
السلطات الاستعمارية البريطانية بإنشاء مكتب العمل في عام 1938م, وإصدار
“قانون نزاعات العمل والنقابات” عام 1942م “الذي لم يصدر اعتباطاً,
إنما يصدر بعد أن تكون قد تكونت النقابات وذلك لغرض كبحها وتسخيرها” على حد
تعبيره.[25]
والرأي الثاني: يقول
بأن النقابات نشأت مطلع الخمسينات, وإن كان يتفق حول قضية إصدار قانون للنقابات
ونزاعات العمل قبل هذه الفترة, وتحديداً في العام 1942م, غير أن طلبات التسجيل
الأولى للنقابات لم تقدم إلى السلطات الاستعمارية البريطانية ــ آنذاك ــ إلا بعد
مرور 10 سنوات على اتخاذ القانون.[26]
الرأي الثالث: يؤكد
على أن العمل النقابي بدأ عام 1948م, ويستشهد على ذلك بأنه في سبتمبر 1948م أضرب
عمال شركة تجارية هي (الشركة الانجلو ــ إيرانية) مقدمين مطالب اقتصادية.[27]
ونذهب إلى تأييد
الرأي الثاني الذي يقرر بأن نشأة النقابات العمالية تعود إلى مطلع الخمسينات,
فوجود حراك عمالي وإضرابات عمالية عفوية قبل الخمسينات لا يعني بالضرورة وجود
نقابات عمالية منظمة بالأسلوب والمعنى الفعلي لها.[28]
لقد شهد مطلع
الخمسينات سلسلة إضرابات عمالية, وبدأت الحركة العمالية في التعبير عن نفسها بين
تيارات ثلاثة:
1- تيار الانفصالية,
ومثلته الجمعية العدنية بقيادة: حسن علي بيومي, وأحمد محمد خليل, وعلي محمد لقمان,
وأحمد محمد العلوي, وعبده حسين الأهدل, ومحمد علي الأسودي.
وعبّر هذا التيار عن
مصالح البرجوازية التجارية العدنية التي ارتبطت بالمستعمر, وعرف بالنزعة
الانفصالية الضيقة التي نادت بالحكم الذاتي لأبناء عدن, واتخذ مواقف عدائية تجاه
العمال المهاجرين القادمين سواء من المحافظات الجنوبية أو المحافظات الشمالية.
2- تيار تبنى الدعوة
لوحدة الجنوب العربي, ومثلته رابطة أبناء الجنوب العربي, تأسس عام 1951م,
بقيادة: محمد علي الجفري, وشيخان عبدالله الحبيشي, وعبدالله علي الجفري.
وقد مثلت الرابطة
أولى المنظمات السياسية في جنوب اليمن, ورفعت في بادئ الأمر شعارات وحدوية الجنوب
وشعارات قومية وشعارات وطنية ضد الاستعمار.
وانخرط في صفوفها
خليط من السياسيين من ذوي التوجهات السياسية والمنابت الطبقية المختلفة, فقد ضمت
من أبناء الأسر السلاطينية والعائلات الغنية إلى جانب القوميين والماركسيين. وبسبب
هذا الخليط غير المتجانس, شهدت الرابطة حالة انشقاقات في صفوفها, لاسيما عام
1955م, بعد أن شاركت قيادة الرابطة في انتخابات المجلس التشريعي الشكلية والتي
أشرفت عليها السلطات الاستعمارية في مستعمرة عدن.
3- تيار ثوري بدأ يهتم
بالمصالح الطبقية للعمال وأكد على وحدة اليمن الطبيعي (جنوباً وشمالاً) بقيادة
المناضل والصحفي الأبرز عبدالله عبدالرزاق باذيب.[29]
شهد العام 1951م نشوء
نقابة “رابطة عمال الصناعات المتنوعة”, وفي 1952م “اتحاد عمال
وموظفي شركة عدن للطيران”[30]
وأسس اتحاد عمال
وموظفي عدن في عام 1952م تحت التأثير المباشر من جانب رابطة أبناء الجنوب
العربي.[31]
وهكذا جرى تأسيس
النقابات العمالية, ووصل عدد النقابات الكبيرة حتى العام 1955م في عدن إلى (12)
نقابة, من بينها نقابة شركات الاستيراد والتصدير: شركة “البس” وشركة “لوك تامس” وشركة “كوري براذرز”
وغيرها.[32]
بدأ الحراك النقابي
يتنامى, ففي عام 1955م نفذت النقابات حملة مقاطعة لانتخابات مجلس عدن التشريعي,
لكونها انتخابات شكلية وتلبي مصالح السلطات الاستعمارية, وقد انضمت لحملة المقاطعة
كل الهيئات والمنظمات الوطنية عدا حزبي “الجمعية العدنية” و”رابطة
أبناء الجنوب” الرجعيين. لقد كانت هذه المقاطعة بمثابة مظاهرة هامة لقوة
الحركة النقابية وشاهد على أهمية منظمات الطبقة العاملة. كما مثلت أول موقف سياسي للنقابات ليس فقط ضد الاستعمار, وإنما أيضاً
ضد الأحزاب السياسية الرجعية التي شاركت في هذه الانتخابات”.[33]
لقد كان من نتائج
مشاركة الرابطة في هذه الانتخابات أن حدث انشقاق بعض الوطنيين والنقابيين منها
وقيامهم بتأسيس كيان سياسي جديد هو “الجبهة الوطنية المتحدة” بزعامة:
محمد عبده نعمان رئيس نقابة المعلمين, وعبدالله الأصنج رئيس نقابة شركة طيران عدن,
ومحمد سالم علي رئيس نقابة عمال المواصلات, وعبدالقادر الفروي رئيس نقابة شركة لوك توماس, وعبده خليل سليمان رئيس
نقابة عمال الميناء, وعبدالله عبدالرزاق باذيب سياسي وصحفي ذو التأثير الواسع.
وبدأت الطبقة العاملة
وفصائل الحركة الوطنية تتبين بوضوح أنه بدون وحدة النضال ضد الحكم الاقطاعي في
شمال البلاد والاستعمار في جنوبها لا يمكن أن يحقق الشعب اليمني أهدافه الوطنية
والاجتماعية.[34]
إن إعلان الجبهة
المتحدة عبّر أساساً عن وجود جناح يساري في الحركة الوطنية في ذلك الوقت وخاصة عام
1955م, وعن أماني العمال وصغار الموظفين والطلبة.[35]
وقد رفعت الجبهة
المتحدة شعار الوحدة اليمنية في وجه المحاولات الاستعمارية الرامية لتفتيت وحدة
الحركة العمالية, وزرع بذور الشقاق بين أبناء الجنوب وبين العمال القادمين من
الشطر الشمالي, فقد أصدرت السلطات الاستعمارية قانون “حقوق المواطنة في
عدن” الذي نصّ على اعتبار كل “أبناء الكومنولث البريطاني مواطنين في
عدن”. وعلى الضد من ذلك فقد صنف القانون اليمنيين من أبناء الشطر الشمالي
والمحميات مهاجرين لا يملكون حقوق المواطنة, هؤلاء اليمنيين الذين مثلوا حتى عام
1955م, حوالي 72% من إجمالي سكان عدن.[36]
لقد أدرك الاستعمار
البريطاني خطورة هذا النهج الجديد الذي أرسته الجبهة الوطنية المتحدة, فعمل على
نفي قادتها, وكان أبرز من تم نفيه محمد عبده نعمان الأمين العام للجبهة الوطنية
المتحدة ورئيس نقابة المعلمين.[37]
استمرت عملية نفي
وطرد القيادات النقابية والسياسية وكذلك العمال, فحتى بداية عام 1956م قامت
السلطات الانجليزية بطرد حوالي 700 عامل من عدن, لقد سبب هذا النفي التعسفي أزمة
في الكوادر المجربة والواعية في قيادة النقابات, الأمر الذي اضطر الجبهة الوطنية
المتحدة والنقابات إلى التفكير الجدي في إنشاء اتحاد يضم كل النقابات في عدن.[38]
• تشكيل مؤتمر عدن
للنقابات:
تأسس مؤتمر عدن
للنقابات في 3 مارس العام 1956م كإطار نقابي توحيدي لجميع النقابات التي بلغ عددها
في ذلك الوقت (25) نقابة, وهي:[39]
1- نقابة العمال
والفنيين.
2- نقابة عمال (أنجلو ــ
إيرانيين) كمبني.
3- نقابة الموظفين
المدنيين للقوات المسلحة.
4- نقابة عمال المصافي.
5- نقابة عمال شل.
6- نقابة عمال كالتكس.
7- نقابة عمال موبيل
أويل.
8- نقابة عمال أمانة
ميناء عدن.
9- نقابة عمال لوك توماس.
10- نقابة عمال الملح.
11- نقابة عمال محطات
البترول.
12- نقابة عمال البنوك.
13- نقابة عمال المعلمين.
14- نقابة عمال الينو.
15- نقابة عمال البرق
واللاسلكي.
16- نقابة عمال البريد
والتلفون.
17- نقابة عمال خطوط عدن
الجوية.
18- نقابة عمال محلج
القطن.
19- نقابة عمال البلدية.
20- نقابة عمال الحكومة
والحكومات المحلية.
21- نقابة عمال الباصات.
22- نقابة عمال القوات
المسلحة.
23- نقابة عمال سائقي
التاكسي.
24- نقابة عمال المطابع.
25- نقابة جمعية الموظفين
العدنية.
وتشكلت قيادة المؤتمر
من: عبدالله الأصنج رئيساً, وعضوية علي حسين القاضي, وصالح محسن, وعبدالله
عبدالمجيد السلفي, وعبده خليل سليمان, ومحمد سعيد مسواط, ومحمد عبده نعمان الحكيمي, ومحمد سالم علي, عبدالله علي عبيد, وزين
صادق الأهدل, وغيرهم.
وقد تضمن دستور
المؤتمر شعارات تقدمية, ودخلت فيه عناصر قيادية تقدمية كان لهم اسهام كبير في
تنظيم الطبقة العاملة.[40]
ما من شك, أن واقع
الاستغلال الذي مارسته الشركات الاحتكارية وواقع القهر الذي مارسه الاحتلال
البريطاني وصعود القومية العربية وأصداءها قد وفرت الأرضية الملائمة لنشوء
النقابات وانتظامها في كيان نقابي موحد. إن هذه الخطوة قد شكّلت أهمية كبيرة على
صعيد الحركة العمالية والحياة السياسية في البلاد, فقد أصبحت الحركة العمالية قوة
اجتماعية وسياسية مؤثرة في المشهد الوطني, واكتسبت نضجاً وتمرساً في النضال فقد
تعدد أساليب نضالها بين الاضرابات والمظاهرات والانتفاضات, كما انخرطت بفاعلية في
النضال الوطني الساعي إلى تحرير الشطر الجنوبي من سيطرة الاستعمار البريطاني
وتخليص الشطر الشمالي من قبضة الحكم الإمامي الكهنوتي.
ومع ذلك, لم يكن وضع
مؤتمر عدن للنقابات منذ تأسيسه مستقراً, فقد بدأت الانقسامات والصراعات تتكشف بين
اتجاهين أساسيين:
الاتجاه الأول:
الاتجاه التريديونيوني “الإصلاحي/ الاقتصادوي” بقيادة عبدالله الأصنج
الذي أراد حصر نشاط المؤتمر والنقابات المنضوية فيه على الجانب المطلبي الاقتصادوي
فقط وعزله عن النشاط السياسي والنضال الوطني العام بدعاوى زائفة.
الاتجاه الثاني:
الاتجاه الثوري “اليساري”, الذي أكد على ارتباط وتواشج مسار النضال
النقابي المطلبي بمسار النضال الوطني العام, فالقهر والاستغلال الذي يطال سواء العمال أم المواطنين اليمنيين ينبثق
من منبع واحد وهو الاستعمار البريطاني وشركاته الاحتكارية, وعليه أدركت القيادات
النقابية الثورية أنه لا يمكن تحقيق خلاص جزئي للطبقة العاملة إلا في إطار تحقيق
الخلاص العام لليمن من الاستعمار ومن الإمامة.
يشير عمر الجاوي إلى
أن محاولات الأصنج وجماعته لصرف النقابات عن الانخراط في النضال الوطني العام قد
جاء بتأثير من حزب العمال البريطاني الذي وضع ضمن أهدافه توجيه النقابات في
المستعمرات على أساس “النقابية” المحددة سلفاً بالمطالب الاقتصادية
والابتعاد عن السياسة. فلقد زار عدن كثير من النقابيين الانجليز بحجة المساعدة في
تنظيم النقابات. ونتيجة لنشاطهم وجدت بعض التغييرات في تركيب قيادة مؤتمر عدن
للنقابات وفي الدستور نفسه. فقد تمكن الخبراء المرسلون من النقابات البريطانية أن
يقنعوا قيادة مؤتمر عدن للنقابات بتطرف الدستور الأول “ويساريته” التي
لا يمكن أن تساعد على إيجاد لغة مشتركة بين النقابات والشركات الاحتكارية في
عدن.[41]
وكان من ثمار هذه
المساعي أن تم تغيير الدستور الأول للمؤتمر, وإصدار دستور جديد لم ينص لا من قريب
ولا من بعيد على نضال العمال من أجل أهدافهم السياسية والطبقية المشروعة.
كما تم تغيير الشعار
من “الخبز, الحرية, السلام” ورفع شعار قومي: “وحدة, حرية, اشتراكية”
وتغيير الاسم من “مؤتمر عدن للنقابات” إلى المؤتمر العمالي عام 1958م.
ويضيف الجاوي قائلاً:
يفسر هذا التقبل السريع لمثل هذه السياسة “الغربية” المنشأ الطبقي والفئوي للقادة في عدن, الذين لا ينتمون
إلى الطبقة العاملة إطلاقاً من ناحية التركيب والانتماء الايديولوجي, فعلى سبيل
المثال: كان رئيس مؤتمر عدن للنقابات العيدروس واحد من أكبر التجار الوسطاء في
عدن, والأمين العام للمؤتمر عبدالله الأصنج مديراً لفرع شركة الطيران البريطانية (BOAC), ولقد
ساعدته السلطات والشركة في القفز على رأس مؤتمر عدن للنقابات.[42]
في أغسطس 1960م أصدرت
سلطات الاستعمار البريطاني قانون العلاقات الصناعية, وقد تضمن القانون تحريم
الإضرابات, وإنشاء محكمة عمالية تقوم بحل الخلافات والمنازعات التي تحدث بين
العمال وأرباب الأعمال,[43] وقد مثل هذا القانون سوطاً على رقاب العمال, وقد تسبّب
بتداعيات كبيرة تمثلت في حالة سخط عام وإضرابات عمالية شملت مختلف القطاعات.
لقد كان موقف قيادة
المؤتمر العمالي موارباً فقد حاولت تقديم تنازلات للسلطات ودعت العمال للكف عن الاضرابات
لأجل الحفاظ على الحركة النقابية, وفي الوقت نفسه لم تعترف بالقانون المعادي
للعمال, غير أن القيادات النقابية الثورية واصلت تنظيم الاضرابات, بينما ظلت
القيادة الاصلاحية التريديونينية تصوب جهودها نحو عقد اتفاقات بين النقابات وأرباب
العمل من شأنها تخلي العمال عن الاضرابات.[44]
تواصلت إذن عملية
تنظيم الإضرابات واتسع نطاقها, رغم وجود قانون يمنع الإضراب ورغم الموقف المتخاذل
للقيادة الإصلاحية في المؤتمر العمالي. وكان من أبرز تلك الإضرابات: إضراب نقابة
العمال والفنيين 1961م, وإضراب عمال المصافي 1962م, وإضراب المزارعين في لحج وأبين
والعواذل ضد سيطرة الانجليز على السوق المركزية لبيع الخضار والفواكه 1961م,
بالإضافة إلى الانتفاضة الطلابية في فبراير 1962م ضد السياسة التعليمية.[45]
وفي عام 1963م, نفذ
عمال زراعيين في سلطنة الفضلي[46] بمحافظة أبين إضراباً شاملاً بسبب العسف الذي
مارسه السلطان الفضلي بحق العمال الزراعيين.[47]
واجهت السلطات
الاستعمارية هذه الإضرابات والانتفاضات بعنف وحشي, وقد سقط العشرات من الشهداء
والجرحى, وزج بالعشرات من القيادات العمالية والعمال في المعتقلات, فيما تم نفي
المئات إلى الشطر الشمالي, ومع كل ذلك لم تتمكن هذه الإجراءات القمعية من إخماد
جذوة الاحتجاجات العمالية.
المؤتمر العمالي أمام
مفترق طرق.. وبروز النقابات الست:
جاءت الأحداث
والتطورات التي شهدتها المناطق الجنوبية منذ عام 1963م لتزيد من حدة الاستقطاب في
أوساط الحركة النقابية وتضع المؤتمر العمالي على مفترق طرق, ويمكن تبيان ذلك من
خلال موقفين هامّين:
الأول: انطلاق شرارة
ثورة 14 أكتوبر 1963م من جبال ردفان, وبدء سريان الكفاح المسلح بقيادة الجبهة
القومية[48] ضد الاستعمار البريطاني, وقد أعلنت القيادات النقابية الثورية عن
مساندتها لهذا الخيار, فيما وقفت قيادة المؤتمر العمالي على النقيض من ذلك؛ ووضعت
رهانها على خيار المفاوضات مع الاستعمار.
ولما كشفت الأيام خطأ
موقف قيادة المؤتمر العمالي, والتفاف الجماهير حول الجبهة القومية وخيار الكفاح
المسلح حاولت قيادة المؤتمر العمالي أن تدارك الأمر. ففي منتصف عام 1965م, أعلن
عبدالله الأصنج وجماعته عن حل حزب الشعب الاشتراكي[49] وتشكيل منظمة تحرير الجنوب
المحتل, وقد ضمت هذه الجبهة قادة رابطة أبناء الجنوب العربي وعدد من السلاطين
والمشائخ, وكان الهدف من وراء تشكيل هذه الجبهة هو مواجهة الجبهة القومية, لكن أتت
الرياح بخلاف ما اشتهته جماعة الأصنج, وارتد الأمر عليها.
يعلق عمر الجاوي
بالقول: لقد وضع هذا الحدث النهاية المؤسفة لقادة المؤتمر العمالي كونهم اشتركوا
مع الرابطة التي تعتبر أكثر المنظمات رجعية في المنطقة, وانتهى معهم تاريخ من
الخداع السياسي للعمال من قبل القادة.[50]
الموقف الثاني: في
مايو 1965م نفذ أول عمل تضامني عمالي نظمته العناصر الثورية[51] في النقابة
العامة لعمال البترول تضامناً مع عمال المصافي الذين تعرضوا للطرد من قبل إدارة
الشركة, وكان عددهم (200) عامل, حيث امتنع العمال عن العمل ما تسبب بشل الحركة في
عموم البلاد, فقد تعطلت المطارات والموانئ ووسائل النقل البرية في عدن وما كان
يسمى المحميات الشرقية والغربية, وبذلك استطاعت النقابة من خلال هذه الخطوة أن
ترغم إدارة شركة المصافي على إعادة العمال المطرودين ودفع رواتبهم كاملة. وقد مثلت
هذه الخطوة البداية الفعلية لنشاط النقابات الست الثورية.[52]
اتخذت قيادة المؤتمر
العمالي موقفاً سلبياً حيال هذه القضية وتخلّت عن العمال, وكشفت هذه الخطوة عن
حاجة العمال لقيادة نقابية ثورية تتبنى قضايا العمال وتقف إلى صفهم, قيادة بديلة
عن القيادة المتربعة على رأس المؤتمر العمالي.
كما أكدت هذه الخطوة
على قيمة الوحدة النقابية والتضامن العمالي, فوعي العمال وتضامنهم ووحدتهم كفيل
بإرغام الرأسمال المستغل للانصياع لشروطهم وتحقيق مطالبهم.
لقد كان من نتائج ذلك
أن تغير التركيب الداخلي للمؤتمر العمالي, فمن التسعة الاتحادات التي تشكل قوام
المؤتمر, انسحب ستة وسموا أنفسهم بالنقابات الست[53] وهي:
1- النقابة العامة لعمال
البترول.
2- نقابة عمال وموظفي
البنوك المحليين.
3- نقابة عمال وموظفي
أمانة الميناء.
4- النقابة العامة
للمعلمين.
5- نقابة عمال وموظفي
اتحاد الطيران المدني.
6- نقابة عمال وموظفي
البناء والانشاء والتعمير.
تكشف التجربة
النضالية للنقابات الست عن دروس هامة في النضال الوطني وأساليب العمل بين
الجماهير, وحري الاستفادة منها.
لقد حققت هذه
النقابات الست انتصارات متتالية على القيادة التريديونيونية, واستطاعت
كسب القاعدة العمالية العريضة وذلك بفعل العوامل الآتية:
1- دعم قادة النقابات
الست لخيار الكفاح المسلح بقيادة الجبهة القومية منذ أول وهلة باعتباره الخيار
الوطني الكفيل بتحقيق الاستقلال.
2- كسب العمال وذلك بسبب
المواقف المبدئية التي اتخذتها قيادة النقابات الست, وتبنيها لقضايا العمال والوقوف
في صفهم.
3- الأنشطة المتنوعة
التي مارستها قيادة النقابات الست من إضرابات وخلافه وانخراطها في النضال السياسي
الوطني, وعدم تقوقعها في النشاط المطلبي.
4- رفع شعار الوحدة
اليمنية والاستقلال الوطني.
5- قيام قادة النقابات
الست بنسج علاقات خارجية مع الاتحاد العمالي العربي وجامعة الدول العربية وتوضيح
حقيقة الانقسام في المؤتمر العمالي, ومن ذلك على سبيل المثال: قيام قادة النقابات
الست في يناير 1966م ببعث برقية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية توضح فيه
انتهاء شرعية قيادة المؤتمر العمالي استناداً إلى القانون الأساسي للمؤتمر الذي
حدد نهاية الولاية القانونية للمجلس التنفيذي للمؤتمر نهاية 1965م.[54] وكان من
نتائج ذلك أن دعا الاتحاد العام للعمال العرب قادة كل النقابات في عدن إلى القاهرة
لإدارة حوار بينهم وقد تم الاتفاق على إجراء انتخابات لانتخاب مجلس تنفيذي جديد للمؤتمر
العمالي, وقد أيدت النقابات الست هذا الاتفاق.[55] وهكذا أسدل الستار على الأصنج
وجماعته وأصبح النقابيون الثوريون في صدارة المشهد النقابي.
الحركة
النقابية في الشطر الجنوبي خلال الفترة (1967 – 1990م):
بُعيد تحقيق
الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م, والذي كان للحركة العمالية وللحركة النقابية إسهام
وافر في تحقيقه, جرى تغيير اسم المؤتمر العمالي إلى الاتحاد العام لعمال اليمن
الجنوبية [56], وضم في إطاره (8) نقابات عامة بعد توحيد كياناتها, وشكلت له فروع
في مختلف المحافظات.[57] وأصدر صحيفة صوت العمال كصحيفة ناطقة بلسان حال الاتحاد.
تحققت للحركة
العمالية الجنوبية مكاسب كبيرة سواءٌ على مستوى التشريع, أم على المستوى المعيشي؛
بفعل التوجه التقدمي للنظام الحاكم في اليمن الديمقراطي, فالتنظيم السياسي الموحد
للجبهة القومية (1968 – 1978م) ولاحقاً الحزب الاشتراكي اليمني (1978 – 1990م) قد
عرّفا نفسيهما كتنظيمين سياسيين للطبقة العاملة وحلفائها من الفلاحين والكادحين
والمثقفين الثوريين, واعتمدا الاشتراكية العلمية كنظرية لقيادة الدولة والمجتمع,
وعلى أساس برنامج راديكالي للتحويل الوطني الديمقراطي في مختلف المجالات.
جرى تنفيذ جملة من الاجراءات
“الثورية“, أبرزها: الإصلاح الزراعي, وتأميم الشركات والملكيات الأجنبية والمحلية, واعتماد
سياسة اقتصادية وطنية متحررة من هيمنة الرأسمال الأجنبي, وتحويل الاقتصاد الوطني
من اقتصاد خدمات إلى اقتصاد انتاجي ممركز بيد الدولة, والتوسع في إقامة المشاريع التنموية وفي البنية التحتية, وتحقيق
العدالة الاجتماعية, والارتباط بالمنظومة الاشتراكية الأممية.
كان لهذه الإجراءات
نتائج ايجابية في رفع المستوى المعيشي للسكان وللطبقة العاملة, وتوفير
الخدمات العامة المجانية: التعليم والطبابة والرعاية الصحية والكهرباء والإسكان…
إلخ, وتوسيع القاعدة العمالية, والقضاء على شتى أشكال الاستغلال الاقتصادي
والتمييز الاجتماعي, وتمكين العمال من المشاركة الفاعلة في قيادة العملية التنموية
وإدارة المؤسسات الانتاجية, وإشراك المرأة بصورة فعالة في العملية الاقتصادية
والانتاجية وفي قيادة الدولة.
ورغم كل هذه
المنجزات, فقد شابت تجربة اليمن الديمقراطي الكثير من الأخطاء وأوجه القصور, التي
تحتاج إلى دراسة مستقلة, وسنقصر الحديث على خطأين اثنين:
الخطأ الأول: يتعلق
بعملية التأميم, فقد اتخذت طابعاً متطرفاً؛ إذ وصلت إلى حد تأميم الملكيات
الصغيرة, الأمر الذي انعكس سلباً على النشاط الاقتصادي وجمود الحركة العمرانية
وأنتج حالة من الجمود والتكلس والبيروقراطية.
الثاني: الشمولية
وحكم الحزب الواحد, فقد فرضت السلطة سيطرتها المطلقة على المجال السياسي, وعلى
العمل النقابي, متخذةً أسلوب النقل الميكانيكي للتجارب النقابية في البلدان
الاشتراكية. وقد ظهرت المنظمات الجماهيرية عموماً ومنها النقابات كملحق بالدولة
والحزب وبذلك افتقدت لروح المبادرة والاستقلال. وتوطدت داخل قيادة الحركة النقابية
نفسية الاعتماد على قوة الحزب الحاكم.[58]
• دور التيار الماركسي
في تثوير وعي الحركة العمالية وفي النضال الوطني:
يتسرب الوعي الثوري
للطبقة العاملة من خارجها, من المثقفين الثوريين والحزب السياسي الطليعي.
ولقد كان التيار
الماركسي والذي عُرف باتحاد الشعب الديمقراطي منذ 22 أكتوبر 1961م بزعامة
المناضل عبدالله عبدالرزاق باذيب, بمثابة الإشعاع التنويري التثويري للطبقة
العاملة ولحركتها النقابية.
فقد كانت صحيفة الأمل, التي
أصدرها عبدالله باذيب وترأس تحريرها, منبر العمال وصوتهم الصادح, وساهمت
في إذكاء الوعي العمالي والطبقي والوطني في صفوف الحركة العمالية.
وقد صدر عن اتحاد
الشعب الديمقراطي وثيقة برنامجية هي “الميثاق الوطني” وتحت شعار
“نحو يمن حر ديمقراطي موحد”, إذ أعلن اتحاد الشعب أنه يناضل من أجل
التحرر الوطني, والوحدة اليمنية الديمقراطية, ومن أجل الاسهام في بناء الوحدة
العربية على أسس صحيحة. واستند الحزب في تحديد المهمات المطروحة إلى خصائص الوضع
في البلاد وطبيعة مرحلة النضال التي تمر بها, مسترشداً في ذلك بمبادئ الاشتراكية
العلمية.
ودعا اتحاد الشعب إلى
مساندة الحركة الوطنية الشعبية الديمقراطية المعادية للاستعمار والاقطاع والرجعية
المحلية, وضد التجزئة المفروضة على الشعب اليمني, كما أشار الميثاق إلى أن
الاستعمار هو العدو الرئيسي والأشد خطراً الذي يحتل الجنوب ويرعى جميع قوى التخلف
ويعيق توحيد الشطرين.
كما دعا إلى النضال
ضد الاستعمار وركائزه من السلاطين والحكام الاقطاعيين, وأشار إلى الوضع في شمال
البلاد داعياً إلى وحدة النضال الوطني ضد الاستعمار وقوى الاقطاع والسلاطين في
الجنوب وضد النظام الامامي الكهنوتي في الشمال.
لقد مثلت وثيقة
الميثاق الوطني محاولة جدية لإجراء تحليل موضوعي للوضع في جنوب وشمال اليمن ومهام
النضال الوطني من مواقع الاشتراكية العلمية.[59] وعبرت تعبيراً صادقاً عن وعي
اتحاد الشعب بالظروف الموضوعية للمنطقة وطبيعة المرحلة التاريخية, ولم نلمح في
البرنامج اتجاهاً إلى الطفولة اليسارية أو القفز على المرحلة, بل عرض البرنامج
موضوع الوحدة الوطنية وطبيعة المهام الوطنية عرضاً موضوعياً.[60]
في أواخر عام 1961م
أسس الماركسيون اليمنيون إلى جانب اتحاد الشعب منظمة احتياطية لهذا الحزب: المنظمة
المتحدة للشباب اليمني, وهي تنظيم شبيبي ثقافي واجتماعي ديمقراطي برئاسة الشهيد
عبدالله عبدالمجيد السلفي أحد القيادات العمالية البارزة آنذاك. اضطلعت المنظمة
المتحدة للشباب اليمني بدور ثقافي ــ تنويري في أوساط الشبيبة لتوحيد صفوفها
وربطها بالحركة الوطنية, ونظمت محاضرات, ومناقشات سياسية, وفتحت صفوف دراسية
مجانية لتعليم الكبار ومحو الأمية, ومثلت المنظمة شبيبة اليمن الجنوبية في الندوات
العالمية, كما ساعدت الشبان اليمنيين في الحصول على منح دراسية في الاتحاد
السوفيتي.[61]
لاقى الماركسيون
اليمنيون قمعاً واستهدافاً كبيرين من قِبل الاستعمار وأعوانه, بل وحتى من قِبل بعض
فصائل العمل الوطني ذات الاتجاه القومي!
ومن تلك الاستهدافات
والقمع: قيام السلطات الاستعمارية في عدن بمحاكمة عبدالله باذيب, بسبب مقال كتبه
بعنوان (المسيح الجديد يتكلم الانجليزية), الذي نشر في صحيفة “النهضة”
عام 1955م, ورد فيه على الدعوات المشبوهة التي تنادي بالسلام والمحبة والتآخي
الطبقي والسياسي بين الجماهير الشعبية والقوى الاستعمارية والأجنبية والرجعية
المحلية, والتي برزت مع نهوض الحركة الوطنية ونضالها من أجل التحرر من الاستعمار
وسيطرة الشركات الأجنبية بهدف طمس الصراع الطبقي والسياسي. ولكن تحولت المحاكمة
إلى محاكمة للمستعمرين وشركاتهم الاستعمارية, الذي وصفهم عبدالله باذيب, في قاعة
المحكمة “بمصاصي دماء الشعوب”, كما تحولت, أيضاً, إلى تظاهرة سياسية
شعبية, نظمتها القوى الوطنية والهيئات الشعبية تأييداً للكاتب ودفاعاً عن
القضايا التي أثارها في مقاله.[62]
وفي 28 أبريل 1966م
اغتيل رئيس نقابة عمال وموظفي البنوك ورئيس منظمة الشبيبة المناضل الثوري عبدالله
عبدالمجيد السلفي. وقد كان لهذا الحادث تداعيات كبيرة, فقد عمت المظاهرات الجماهيرية
في عدن وفي معظم المحميات وفي حضرموت.[63]
بُعيد الاستقلال
الوطني في 30 نوفمبر 1967م, وإثر سيطرة الجبهة القومية على المشهد السياسي وإعلانها
كممثل وحيد لليمن الجنوبية, اضطر عبدالله باذيب ورفاقه أن يبتكروا تسمية جديدة
لتنظيمهم السياسي وأسموه (رفاق الشهيد السلفي) بحيث لا توحي التسمية الجديدة على
وجود تنظيم سياسي, وقد أصدرت هذه المجموعة في يناير 1968م برنامجاً تحت شعار (من
أجل يمن حر ديمقراطي موحد)[64] دعت فيه إلى إطلاق الحريات الديمقراطية, وحذرت من
الاستئثار بالعمل الوطني واحتكار العمل السياسي وحرمان أي فصيل ثوري من ممارسة حقه
في النشاط والعمل الثوري, كما دعت إلى إطلاق الحريات النقابية وتشكيل مجلس شعبي
يضم ممثلين عن جميع القوى والفصائل الثورية والوطنية.
النقابات العمالية في
الشطر الشمالي (1961 – 1990م):
تأخر نشوء النقابات
في الشطر الشمالي من البلاد عن الشطر الجنوبي بحوالي عقد من الزمان, وذلك بفعل
عوامل عديدة تمثلت بتخلف الوضع الاقتصادي والاجتماعي, وضعف الطبقة العاملة, والطبيعة القروسطية المتخلفة للنظام الإمامي
الحاكم وقبضته الأمنية التي حالت دون تنظيم العمال لأنفسهم في نقابات عمالية علنية,
فلجأ العمال إلى تكوين نقابات سرية أول الأمر. وقد أنشئت أول لجنة نقابية سرية عام
1961م لعمال مشروع الطرقات في مدينة تعز.[65]
وفي 20 يونيو 1962م,
أي قبل قيام ثورة 26 سبتمبر بثلاثة أشهر فقط تداعت عناصر عمالية ــ بعضها عادت من
الشطر الجنوبي ــ إلى لقاء عمالي أسفر عن الاتفاق على تكوين لجنة عمالية تضطلع
بمهام التحضير والإعداد لتكوين نقابة عمالية.[66]
وقد نشطت هذه اللجنة
في ظل ظروف سرية ومحفوفة بالمخاطر, وأسهمت في التأثير والقيادة ــ أحياناً ــ لبعض نضالات العمال قبيل
اندلاع الثورة, مثل اسهامها في توجيه الإضراب الذي نفذه عمال “النقطة الرابعة
الاميركية” في تعز, الذي وعلى الرغم من أنه أسفر عن فصل 70 عاملاً إلا أنه حقق
أهدافه في زيادة الأجور والاعتراف بحق العمال في الاجازات, كما أسهم في رفع وعي
العمال بضرورة تضامنهم وتكاتفهم.[67]
وفي يوليو 1962م,
تشكلت لجنة نقابية لعمال مشروع طريق المخاء ــ تعز ــ صنعاء.
كان لاندلاع الثورة
ضد الحكم الإمامي في 26 سبتمبر 1962م, والتي أسهمت فيها العناصر العمالية بدور
مشهود, تأثيراً كبيراً على مسار الحركة النقابية, فقد وفرت المناخ الملائم للنشاط النقابي العلني, إذ نشأت أربع نقابات
في مدينة تعز وتكونت نقابات في كل من الحديدة وصنعاء والمخاء وإب والراهدة. وفي مايو
1963م تم افتتاح مقر النقابة العامة بتعز, وبهذا سجل التاريخ قيام أول منظمة
جماهيرية بمفهومها الحديث معترف بها في تاريخ شمال اليمن.[68]
أفضى هذا التوسع في
تكوين النقابات إلى عقد المؤتمر الأول للاتحاد العام لعمال اليمن في الفترة من 14
– 17 يوليو 1965م. وقد تشكل قوام الاتحاد من 12 نقابة عامة.[69]
الاتحاد العام لعمال
اليمن في مجرى النضال الوطني العام: [70]
مثّل تأسيس اتحاد عام
للعمال علامة فارقة في سيرورة الحركة النقابية في الشمال, وقد لعب الاتحاد, منذ السنوات الأولى لتأسيسه, دوراً ثورياً فاعلاً في
الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر وتدعيم مداميك النظام الجمهوري, ومواجهة المخططات الرامية
للالتفاف على أهداف الثورة وإجراء مصالحة بين اليمين الجمهوري والقوى الملكية.
كما أيد اتحاد العمال
ثورة 14 أكتوبر 1963م, وأكد على قضية الوحدة اليمنية منذ أول وهلة, إذ لم تكن
تسمية الاتحاد العام منذ تأسيسه باسم الاتحاد العام لعمال اليمن عفوية, بل كان
الهدف منها التأكيد على رفض عمال الشمال للتجزئة السياسية القائمة لليمن, وإلى عدم
الاعتراف بشرعية القيادة النقابية الرجعية المهيمنة على المؤتمر العمالي بعدن. ليس
ذلك وحسب, بل قام الاتحاد بإقامة تنسيق مباشر مع النقابات الست الثورية في الجنوب,
وعمل معها بشكل موحد ومنسجم, ومن ذلك: ما حدث في المؤتمر الثالث لاتحاد عمال
العرب, فقد رفض الأصنج رئيس المؤتمر العمالي السماح لممثلي النقابات الست بحضور
المؤتمر, فما كان من اتحاد عمال اليمن إلا أن قام بتخصيص نصف مقاعده في المؤتمر
لممثلي النقابات الست, وهكذا تم للنقابات الست فضح القيادة الرجعية للمؤتمر
العمالي.
استمر الاتحاد يلعب
أدوار وطنية مختلفة, مجسداً جدلية الارتباط العضوي بين النضال المطلبي للحركة العمالية
والنضال الوطني العام, وأنه لا يمكن فصل مسار أحدهما عن الآخر بأي حالٍ من الأحوال.
ونتيجة لهذه الأدوار
النضالية, فقد تعرض الاتحاد بُعيد انقلاب 5 نوفمبر 1967م الأسود لاجراءات سلطوية
قمعية, حيث داهمت السلطة الانقلابية مقر الاتحاد, واستولت على كل محتوياته,
واعتقلت معظم قيادات الاتحاد.
على الرغم من قساوة
هذه الاجراءات القمعية, إلا أنها لم تنل من همة العمال واتحادهم النقابي للاستمرار
في النضال الوطني والدفاع عن الثورة المجيدة. فقد اشترك بفاعلية في المقاومة
الشعبية إبان حصار السبعين يوماً (28 نوفمبر 1967 – 7 فبراير 1968م), وهو الحصار
الذي فرضته القوى الملكية المدعومة من السعودية على العاصمة صنعاء, والذي شكّل
أكبر خطر واجهته الثورة والنظام الجمهوري الوليد, “واستشهد على الخطوط
الأمامية المئات من العمال والنقابيين سواء في الدفاع عن صنعاء أم في غيرها من المناطق.”
لم يشفع هذا الدور
البطولي للعمال ولاتحادهم العام من الإجراءات السلطوية القمعية, فبدلاً من الإفراج
عن القيادات النقابية والسماح بإعادة فتح مقر الاتحاد وإعادة الممتلكات المصادرة,
أقدمت السلطة على اتخاذ قرار بحل الاتحاد وحظر العمل النقابي بشكل عام.
وفي 4 سبتمبر 1969م قامت
السلطة بتشكيل اتحاد موالي لها, لكن النقابيين قاوموا هذا الشكل اللاشرعي وتمكنوا
من إفشاله في المظاهرة الكبيرة في 1 مايو 1970م. وعملوا للإعداد للمؤتمر الثاني للاتحاد العام للعمال الذي انعقد في
الفترة 2- 8 أغسطس 1970م بمدينة تعز. وقد خرج هذا المؤتمر بعدة قرارات وتوصيات من أبرزها:
مطالبة السلطة برفع
الحظر العام على الاتحاد العام لعمال اليمن وإعادة ممتلكات العمل النقابي التي
نهبت في أحداث أغسطس 68م وافساح المجال أمام العمل النقابي الديمقراطي.
العمل من أجل توفير
وضمان العلاج المجاني والتعليم لأبناء العمال والفلاحين والمرأة العاملة وتوفير المواصلات
وإنشاء التعاونيات والعمل على محو الأمية في الأرياف.
مطالبة الحكومة
بإصدار القوانين والتشريعات العمالية وتعيين عناصر محايدة في مصلحة الشئون
الاجتماعية والعمل.
استمرت القيادات
النقابية في مقاومة الاجراءات القمعية للسلطة, وتمكنت من إفشال مساعيها في السيطرة
على الحركة النقابية, بل وتوسيع قاعدة الحركة النقابية, وتشكيل لجان نقابية جديدة
وهي: نقابة عمال وعاملات مصنع الغزل والنسيج صنعاء, ونقابة عمال ومستخدمي شركة
الكهرباء صنعاء, ونقابة عمال ومستخدمي الطباعة والنشر صنعاء, ونقابة عمال ومستخدمي
الخطوط البرية اليمينة صنعاء, ونقابة عمال المخاء, ونقابة عمال ومستخدمي سائقي
السيارات صنعاء وتعز, ونقابة عمال ومستخدمي الطرقات تعز.
المزيد من القمع
السلطوي.. والمزيد من المقاومة العمالية:
تزايدت وطأة القمع
السلطوي ضد الحركة العمالية والنقابات في الشمال خلال السبعينات, فقد تعرضت قيادات
عمالية للمطاردات والاعتقال والتعذيب الوحشي في سجون صنعاء ومنهم من استشهد تحت
التعذيب, أمثال: علي قاسم سيف عضو اللجنة المركزية للاتحاد, وأحمد مرشد, بالإضافة
إلى اغتيال يحيى عبدالملك عضو المجلس التنفيذي للاتحاد والذي اغتيل بحادثة دهس
سيارة في أكتوبر 1977م.
كما تعرض المئات من
العمال للفصل التعسفي من العمل بسبب نشاطهم النقابي وبموجب قانون جائر, قضى بعدم
السماح بتوظيف أي عامل حتى في القطاع الخاص ما لم يحمل من الأمن شهادة حسن سيرة
وسلوك ولا تُعطى هذه الشهادة لمن يكتشف أن له أي نشاط نقابي.[71]
اضطرت بعض القيادات
النقابية للنزوح إلى عدن وفتح مكتب للاتحاد ومزاولة النشاط النقابي والسياسي هناك,
وكان من أبرز هؤلاء: علي سيف مقبل ــ الأمين العام لاتحاد عمال اليمن, وحسن الجراش, وعبده
سلام الدبعي, بينما استمر النشاط النقابي في الشمال في ظروف عمل سري في الغالب
الأعم.
وفي ديسمبر 1977م,
انعقد اجتماع نقابي موسع وقف أمام اوضاع الحركة النقابية ووضع برنامج للعمل
وانتخاب لجنة تنفيذية, وقد حدد البرنامج المطالب المحلة والأهداف العلنية للحركة
النقابية التي تمثلت بإطلاق الحريات العامة والنقابية وإطلاق سراح المعتقلين
وإنهاء النفوذ الخارجي على مقاليد السلطة وانتهاج سياسة وطنية ديمقراطية داخلية
وخارجية والحفاظ على السيادة الوطنية.. إلخ. وقد انتخبت لجنة تنفيذية وانتخب علي سيف
مقبل رئيساً لها.[72]
شهدت ثمانينات القرن
العشرين انحسار كبير في نشاط المنظمات النقابية العلنية التي تحول الكثير منها إلى
العمل السري كموقف تكتيكي دفاعي جراء تشديد أعمال القمع السلطوي, وكان
لهذا الموقف التكتيكي أثر سلبي على مصير العمل النقابي. فقد لجأ النظام وبواسطة
عناصره الاستخباراتية إلى إنشاء منظمات نقابية رسمية وشكلية وكان الهدف من وراء إنشائها
منافسة المنظمات المناظرة لها في الشطر الجنوبي في إطار الصراع بين النظامين,
واحتواء أي توجه لوجود حركة نقابية مستقلة في الشمال.[73] وهكذا جرى تدجين الحركة
النقابية واتحاد العمال في الشمال الذي تم تغيير اسمه إلى الاتحاد العام لنقابات
العمال في الجمهورية العربية اليمنية, وعقد في أبريل 1984م مؤتمر تأسيسي له وبذلك
أصبح موالياً للسلطة بصورة كلية.
من الأخطاء التي وقعت
فيها قيادة الاتحاد العام للعمال وأثرت سلباَ على وحدة العمل النقابي, استبعاد
وتهميش “نقابة السيقل العمالية” رغم ثقلها وتأثيرها الكبير في أوساط
العمال في الحديدة, وذلك لأسباب سياسية وأيديولوجية.
فنقابة السيقل
العمالية, كانت ذات توجه ماركسي, فيما اتحاد العمال ذا توجه ناصري قومي, ومن
المعلوم أن شطراً من ستينيات القرن العشرين كان يشهد صراعاً أيديولوجياً محتدماً
بين الناصريين والماركسيين. [74]
ثالثاً:
الحركة النقابية في اليمن الموحد (1990 – 2019م):
شكّل الإعلان عن
توحيد جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية في إطار كيان
سياسي واحد حمل اسم “الجمهورية اليمنية” في 22 مايو 1990م بارقة
أمل جديدة أمام الحركة العمالية والنقابية لتوحيد كيانها وممارسة نشاطها في الضوء
مستفيدةً من المناخ الديمقراطي التعددي الذي أتاحه دستور اليمن الموحد.
وقد جرى دمج الكيانات
النقابية الشطرية في إطار “الاتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية اليمنية” في 7 يونيو 1990م[75], وتولى
النقابي راجح صالح ناجي رئاسة الاتحاد, غير أن هذا الدمج قد انحصر في نطاق الهياكل
الفوقية للاتحادين الشطريين فقط[76], ولم يعمم على المستويات القاعدية؛ الأمر الذي
أثر سلباً على وحدة العمل النقابي وظل في حالة من التشتت والتخبط ورهين للإرث
الشمولي وللاستقطابات السياسية وللصراعات الداخلية.
شهدت سنوات (91 –
93م) حراكاً نقابياً وعمالياً متنامياً, وبدأ بعض النقابيين بتشكيل وإحياء بعض النقابات العمالية والمهنية,
مثل: نقابة عمال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير ونقابة المهن الفنية
الطبية ونقابة الاطباء والصيادلة ونقابة المهن التعليمية.
وتركز النشاط النقابي
خلال الفترة المذكورة في محافظات تعز والحديدة, إذ تشكّل أول مجلس تنسيق للعمل
النقابي في تعز برئاسة علي محمد المسني رئيس نقابة عمال شركة النفط بتعز, وضم
المجلس نقابات: عمال النفط وعمال النقل وعمال الكهرباء وعمال البلدية وعمال وموظفي
البنك اليمني للإنشاء والتعمير وعمال وموظفي مؤسسة المياه وبعض النقابات المهنية
كـ: نقابة المهن الفنية الطبية ونقابة المهن التعليمية ونقابة المهندسين ونقابة
الاطباء والصيادلة.
عمل هذا المجلس على
التنسيق والارتباط بالاتحاد العام بعدن, وسعى إلى نسج علاقات تنسيق مع بعض
النقابات في المحافظات الشمالية كنقابة عمال شركة النفط ونقابة عمال وموظفي البنك
اليمني للإنشاء والتعمير في العاصمة صنعاء, ونقابة المهن التعليمية في محافظة ذمار وغيرها.
وشهد 21 مارس 1991م إضراباً
شاملاً سبب شللاً في الحركة, وفصل اليمن عن العالم بسبب وقف تمويل الطائرات والسفن
والبواخر بالوقود, ووقف التحويلات المالية, وقد طالب العمال المضربون بتحسين ظروف
وشروط العمل وتحسين الأجور ورفض ارتفاع الأسعار.
وقد برز خلال الفترة
المذكورة العديد من الكيانات والقيادات النقابية:
في عدن: فرع الاتحاد
العام للعمال بكل مكوناته, ومن أبرز القيادات النقابية:
عبده فارع نعمان
(ترأس هيئة تحرير صحيفة صوت العمال) وراجح صالح ناجي ومحمد قاسم نعمان (تولى رئاسة
تحرير صوت العمال خلفاً لعبده فارع نعمان) وعبدالله مغارف وعبد الجبار سلام
وعبدالله المحروق ومحمد عبد الواحد.
في تعز: برز مجلس
تنسيق النقابات الذي ضم: نقابة عمال النفط, ونقابة عمال النقل, ونقابة
عمال الكهرباء, ونقابة عمال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير, بالإضافة
إلى بعض النقابات المهنية كـ: نقابة المهن التعليمية ونقابة المهندسين اليمنيين
ونقابة المهن الفنية الطبية ونقابة الأطباء والصيادلة.
ومن القادة النقابية
برز كلاً من: علي محمد المسني وعبد الجليل محمد عثمان الزريقي وعبد القوي عبدالله
سعيد الحكيمي وعبد الدائم مانع وعبدالله طه القرشي وعلي محسن الدميني وأحمد عيسى
الدبعي.
وفي الحديدة: برزت النقابات
التالية: نقابة عمال الموانئ, ونقابة عمال ميناء الحديدة ونقابة عمال ميناء الصليف
ونقابة عمال الغلال ونقابة عمال النقل وغيرها.
وبرز القادة
النقابيين: سلطان عبد المجيد المعمري وناصر علي صالح الشيباني وناصر حسن ناصر
وعبدالله محمد الحاج وعبد الحميد سرور ومصطفي طاهر وعمر علي عبيد وعبدالله القدسي.
وفي صنعاء: برزت
نقابة عمال شركة النفط ونقابة عمال وموظفي البنك اليمني للإنشاء والتعمير. والقادة
النقابيين: محمد نعمان “البترول” وسعيد عبد المؤمن وعبدالله عبد الحميد الحمادي.
وفي ذمار: برزت نقابة
المهن التعليمية بقيادة النقابي حسني الشامي.
لعبت هذه النقابات
دور فعال في تنشيط العمل النقابي وبذلت مساعي دؤوبة بهدف توحيد العمل النقابي,
وإعادة ترتيب أوضاع النقابات وإجراء انتخابات للجان النقابية والنقابات العامة,
فضلاً عن تشكيل نقابات جديدة في مؤسسات لم تعرف العمل النقابي من قبل كدواوين بعض
الوزارات وبعض المؤسسات كالجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
وحققت الحركة
النقابية إبان الفترة الزمنية المذكورة مكاسب للعمال, منها: تثبيت وتوظيف
المتعاقدين في الشمال (سابقاً), إرغام الحكومة على إصدار قرار بمنع التعاقد واعتماد التوظيف بدلاً عن التعاقد,
وقد تضمن هذا القرار في قانون الخدمة المدنية رقم 19 لعام 1991م وكذا قانون
التأمينات والمعاشات وقانون العمل. وإحلال عمالة يمنية محل العمالة الأجنبية في
بعض القطاعات ولاسيما قطاع الصحة.
وأسهمت الحركة النقابية
بدور مشهود في العمل السياسي الوطني, فقد كان لها دور أساسي في المؤتمر الجماهيري
بتعز, وأصدرت العديد من البيانات والمنشورات, أكدت فيها على موقفها الثابت والداعم
لمشروع دولة الوحدة, دولة النظام والقانون, والتمسك بالعمل الديمقراطي, والشراكة الوطنية في السلطة والثروة, ونبذ
سياسة الإقصاء والإلحاق والضم.
وعلى الرغم من ازدهار
العمل النقابي خلال الأعوام 91- 93م, فقد شابته العديد من مظاهر القصور والاختلال,
كان من أبرزها:[77]
انعدام وجود رؤية
موحدة تجاه الحركة النقابية وطبيعة دورها في بناء دولة الوحدة, وانعكاس
التجاذب السياسي بين أطراف النظام الحاكم على وحدة العمل النقابي وتطوره.
نشوب خلاف حول مسألة
وحدة العمل النقابي من تعدديته, فقد برزت وجهتا نظر, وجهة النظر الأولى رأت أن
انتهاج العمل الديمقراطي والإعلان عن التعددية السياسية والحزبية يملي بالضرورة
السماح بالتعدد النقابي والجماهيري, فمن حق كل حزب أن يشكّل منظمته الجماهيرية ومن
حق المستقلين أن يشكّلوا بدورهم منظمات خاصة بهم. فيما ذهبت وجهة النظر الثانية
إلى توحيد الحركة النقابية والمنظمات الجماهيرية, وأن يُسمح بالتعدد في الانتماء الحزبي
السياسي داخلها عبر تأثير الأعضاء الحزبيين العاملين في هذه المنظمات ويتوقف الفوز
في الانتخابات لأي كان على أساس الاحتكام إلى صناديق الاقتراع.
إن عدم حسم هذه
المسألة شكل عائقاً أمام إعادة بناء المنظمات النقابية وفق شروط العمل الديمقراطي
في المرحلة الجديدة.
برزت إشكالات أخرى
حول هيكل المنظمات النقابية وحدود تمثيلها الاجتماعي فمثلاً: ضمّ
اتحاد النقابات في تركيبته كل المنظمات النقابية للعمال وفئة الموظفين بمختلف
شرائحهم, بينما تشكلت منظمات ذات طابع نقابي خارج الاتحاد العام للنقابات, ولا
تختلف من حيث طبيعة مهامها عن مهام النقابات مثل: نقابة عمال المهن الطبية.
حرب 94م وتداعياتها
الكارثية على الطبقة العاملة وكيانها النقابي:
مثلت حرب صيف 1994م
ضربة قاصمة للمشروع الوطني الديمقراطي, ونزعت عن الوحدة مضامينها التوافقية
الطوعية الوطنية وحوّلتها إلى وحدة معمدة بالدم ومشفوعة بثقافة الفيد والإقصاء
والتهميش.
ومثلما شكّلت الحرب
كارثة وطنية عامة, فقد ألحقت بالحركة العمالية أضراراً فادحة, يمكن إيجازها
بالصورة الآتية:
جرى خصخصة ونهب شامل
للقطاع العام, وقد شمل هذا الإجراء ما يزيد عن (65) منشأة صناعية وتجارية وزراعية,
كالمصانع والمؤسسات والورش والمنشآت الخدمية ومزارع الدولة والتعاونيات.[78] ومن
أبرز المنشآت والمؤسسات التي جرى خصخصتها أو الاستيلاء عليها:
المؤسسة اليمنية
للصناعات النسيجية.
مصنع معجون الطماطم.
مصنع الثورة للمنتجات
الحديدية.
مصنع الأدوات
الزراعية والمعدنية
المؤسسة العامة
للألبان.
مؤسسة أوسان للبسكويت
والحلويات والمخبز الآلي.
مصنع الأحذية الجلدية.
المخبز الشعبي.
تعاونية المرأة
للخياطة.
تعاونية الصناعات
الجلدية.
مصنع الشهداء للملابس.
مصنع الزيوت النباتية.
المؤسسة الوطنية للمشروبات.
مصنع الدباغة الوطني.
موقع مصنع الصابون.
مصنع البطاريات.
مصنع الرصاص.
مصنع العطور الوطني.
مصنع الطلاء.
مصنع المطاط.
مصنع الألمنيوم.
مصنع الكبريت.
مصنع السجائر والتبغ
الوطني.
مصنع الأدوات
والقواطع الكهربائية.
بالإضافة إلى:
شركة طيران اليمدا.
عدد من مصانع السلاح
والذخيرة.
ورش تصنيعية وصيانة
تابعة للقوات المسلحة.
نهب وتخريب (266)
تعاونية.
نهب وتخريب (255)
مرفق حكومي من المقرات الحكومية والخاصة.
الاستيلاء على عشرات
الآلاف الهكتارات من الأراضي.
تسريح ما يزيد عن
(200) ألف عامل وموظف عام وإحالتهم إلى التقاعد القسري وبأجور متدنية, حيث كان
هؤلاء يشكلون قوة العمل للدولة في الجنوب في مختلف المؤسسات الإنتاجية والخدمية.
وقد تسبب هذا الإجراء التعسفي بارتفاع مؤشرات البطالة والفقر والبؤس إلى مستويات
قياسية, وشكّل مع الوقت الجذر الحقوقي للقضية الجنوبية ووفر العامل الموضوعي
لتنامي الدعوات لفك الارتباط.
جرى فصل تعسفي لمعظم
القيادات النقابية والعمالية من أعمالهم, وفي مقدمتهم النقابي راجح صالح ناجي
الأمين العام لاتحاد عمال اليمن, وفصل (21) عضو من أعضاء المجلس المركزي للاتحاد.
نفذت أجهزة السلطة
أعمال تصفية وتنكيل بحق بعض القيادات النقابية, فقد اغتيل حسني الشامي رئيس نقابة
المهن التعليمية في محافظة ذمار, وجرى اعتقال النقابي علي محمد المسني, وطالت الملاحقات
والحرمان من الحقوق القانونية قيادات نقابية أخرى, أبرزها: سلطان عبد المجيد
المعمري وعبدالله محمد الحاج القدسي وعبد الجليل الزريقي وعبد القوي عبدالله سعيد .
التعدي على الحريات
النقابية, وتخريب بيئة العمل النقابي وإلغاء المكتسبات التي حققتها تجربة العمل
النقابي والجماهيري في المحافظات الجنوبية والشرقية والشمالية خلال أكثر من ربع
قرن ومصادرة حقوق وممتلكات تلك المنظمات والنقابات والتصرف بمقراتها وممتلكاتها
بدون وجه حق.[79]
قيام عناصر أمنية
وعناصر نقابية انتهازية بالسيطرة على النقابات مما حول العمل النقابي إلى عمل شكلي
يقوم بتغطية فساد القيادات الإدارية في القطاع العام والجهاز الإداري.[80] ناهيك
عن استخدام أساليب التفريخ والاستنساخ للكيانات النقابية وتفتيتها, فعلى سبيل
المثال كان القطاع الصحي ممثل بنقابتين فقط, هما: نقابة الأطباء والصيادلة ونقابة
المهن الفنية الطبية, وبدأ تفريخ وتفتيت نقابة الأطباء والصيادلة إلى ثلاث نقابات:
نقابة الاطباء ونقابة أطباء الاسنان ونقابة الصيادلة, ثم تلى ذلك تفتيت نقابة المهن
الفنية الطبية إلى ثلاث نقابات: نقابة المهن الفنية الطبية ونقابة الطب التشخيصي
ونقابة المختبرات. والحال نفسه جرى في قطاع التعليم الذي كان يضم نقابتين فتحولت
إلى ثلاث نقابات, هنّ: نقابة المهن التعليمية و نقابة المعلمين ونقابة المهن
التربوية.
إجراء تعديلات
تشريعية في قانون العمل وقانون الخدمة المدنية قلصت من حقوق العمال وكبلت العمل
النقابي.
متغيرات وانتعاش
الآمال:
استمرت أعمال التنكيل
والحصار السلطوي ضد الحركة النقابية والعمالية في عموم الجمهورية, حتى العام 2002م
الذي شهد ولادة “اللقاء المشترك” كتكتل سياسي معارض ضم معظم الأحزاب
السياسية المعارضة في الساحة اليمنية, وقد أنعش هذا المتغير الجديد الآمال في أن
تستعيد الحركة النقابية دورها, وبدأت بالفعل قيادات نقابية تنشط في صفوف النقابيين
والعمال, وأمكن لها العمل على تحرير بعض النقابات السابقة من قبضة النظام, وتشكيل
مجالس تنسيق نقابية وجماهيرية في بعض المحافظات, من أبرز هذه المجالس: مجلس تنسيق
النقابات ومنظمات المجتمع المدني (متين) بمحافظة تعز, الذي بدأت ارهاصات نشوئه عام
2003م, من خلال الدور الذي قادته فرع نقابة الاطباء برئاسة د علي محسن الدميني,
وفرع نقابة المهن الفنية الطبية ممثله برئيسها عبد الجليل محمد عثمان الزريقي, حيث
بدأتا في التواصل مع النقابات الأخرى وطرح فكرة تشكيل مجلس تنسيق يضم النقابات
ومنظمات المجتمع المدني بمحافظة تعز, وقد شهد العام 2005م ولادة مجلس تنسيق النقابات
ومنظمات المجتمع المدني (متين) وكان حينها يضم (11) نقابه واتحاد, وهي:
فرع نقابة الأطباء
والصيادلة.
فرع نقابة المهن
الفنية الطبية.
فرع نقابة المهن
التعليمية.
نقابة عمال محطة
الكهرباء (عصيفرة).
فرع نقابة المحامين
اليمنيين.
فرع نقابة المعلمين
اليمنيين.
فرع نقابة المهندسين
اليمنيين.
فرع اتحاد نساء اليمن.
اتحاد طلاب اليمن
(جامعة تعز).
فرع اتحاد شباب اليمن.
جمعية النجارين.
ثم توسع بعد ذلك
واصبح يضم أكثر من ثلاثين كيان نقابي.
وقد اضطلع مجلس
التنسيق (متين) بالعديد من الأنشطة النقابية المتنوعة: إضرابات, اعتصامات, ومطالبات هدفت إلى تحسين ظروف العمال ورفع الأجور
وصرف المستحقات القانونية للعمال والسماح لهم بممارسة النشاط النقابي, كما انخرط (متين) في
النضال السياسي المعارض للنظام خلال الأعوام 2005 – 2011م في محافظة تعز.
أما في المحافظات
الأخرى فقد سجلت بعض النقابات العمالية والمهنية حضوراً متميزاً في النشاط النقابي
خلال الفترة المشار إليها, وعلى رأسها: نقابة المعلمين, ونقابة الصحفيين, ونقابة
المحامين, ونقابة الأطباء, ونقابة المهن الفنية الطبية.
أما الاتحاد العام
لنقابات عمال اليمن فقد بقي رهين القبضة السلطوية والقيادة الانتهازية. فطوال
سنوات عديدة جرى تأجيل “عقد المؤتمر العام للاتحاد الذي كان يفترض أن ينعقد
في الأعوام الأولى بعد الوحدة, وظلت توصيات المجلس المركزي بإنجاز الدورة الانتخابية
الشاملة, بدءاً من اللجان النقابية مروراً بالنقابات الفرعية والنقابات العامة
وانتهاءً بمؤتمر الاتحاد, حبراً على ورق. بالإضافة إلى تجميد المجلس المركزي
للاتحاد العام, وعدم عقد أية دورة له خلال الأعوام (2003 –
2006م) رغم أن اجتماعاته
شكلية ولا تقدم شيئاً يذكر للممارسة النقابية السليمة وللدفاع عن حقوق
العاملين.[81]
شهد العام 2007م استكمال
الدورة الانتخابية حيث عقدت بعض النقابات العامة وفروع الاتحاد في عدد من
المحافظات دورات انتخابية, حيث بلغ عدد النقابات العامة التي عقدت مؤتمراتها عشر
نقابات عامة, وهي:
النقابة العامة للنفط
والتعدين والكيماويات.
النقابة العامة
للتجارة والمصارف والأعمال المالية.
النقابة العامة للنقل
والاتصالات.
النقابة العامة
للصناعات الغذائية والزراعية والأسماك والغزل والنسيج.
النقابة العامة للمهن
التعليمية والتربوية.
النقابة العامة للمهن
الفنية والطبية.
النقابة العامة للبلديات
والإنشاءات.
النقابة العامة
للتعليم العالي والمهن والطباعة والثقافة والاعلام.
النقابة العامة للمهن
الحرة.
النقابة العامة
للخدمات الإدارية.
النقابة العامة
للكهرباء.
النقابة العامة
للمياه والصرف الصحي.
كما بلغ عدد اللجان
النقابية التي عقدت مؤتمراتها: أربعة (4947) لجنة نقابية وبرغم هذا الجهد الملحوظ
فإنه قد تم تأجيل عقد المؤتمر العام للاتحاد إلى العام 2008م, وهو ما لم يحدث,
وظلت عملية التأجيل والتسويف والمماطلة حتى يوم الناس هذا!!
الهوامش
والإحالات:
[1] جورج لابيكا وجيرار
بن سوسان, معجم الماركسية النقدي, ترجمة جماعية, دار الفارابي, بيروت, ط1/ 2003م,
ص845.
[2] عصام الخفاجي, ولادت
متعسرة.. العبور إلى الحداثة في أوروبا والمشرق, المشروع القومي للترجمة, العدد (2293), القاهرة, ط1/ 2013م, ص277.
[3] نفسه, ص284.
[4] جورج لابيكا وجيرار
بن سوسان, مرجع سبق ذكره, ص847.
[5] فواز طرابلسي,
الطبقات الاجتماعية في لبنان.. إثبات وجود, مؤسسة هينرش بل, 2013م, ص11.
[6] نفسه, ص11.
[7] القيمة الفائضة/
القيمة الزائدة/ فائض القيمة: هي القيمة التي يخلقها عمل العامل المأجور, علاوة
على قيمة قوة عمله ويستملكها الرأسمالي مجاناً بلا مقابل. راجع: فيليكس فولكوف
وتاتيانا فولكوفا, ما هي القيمة الزائدة, سلسلة مبادئ المعارف الاجتماعية السياسية (12), دار التقدم, موسكو,
1988م.
[8] قد يعترض البعض على
تضمين موظفي الجهاز الحكومي ضمن الطبقة العاملة, بمسوغ أنهم يعملون لصالح الدولة وليس لصالح المالك ورب العمل الذي
يجني من وراء جهدهم قيمة فائضة, وينسى هؤلاء أن الدولة تمثل رب عمل كبير, وتسيطر عليها
طبقة مافياوية كما هي سائدة في غالبية البلدان النامية.
[9] عمر الجاوي, الصحافة النقابية في عدن (1957 – 1967م), مؤسسة 14
أكتوبر, عدن, (د.ت), ص5.
[10] فيتالي ناؤومكين,
الجبهة القومية في الكفاح من أجل استقلال اليمني الجنوبية والديمقراطية الوطنية,
دار التقدم, موسكو, 1984م, ص19.
[11] عبدالله علي مرشد,
نشوء وتطور الحركة النقابية والعمالية في اليمن, دار ابن خلدون – بيروت, وزارة
الثقافة – عدن, ط1/ 1981م, ص112.
[12] ايلينا جولوبوفسكايا, ثورة 26
سبتمبر في اليمن, ت: محمد قائد طربوش, دار ابن خلدون, بيروت ــ لبنان, ط1/ 1982م,
ص127.
[13] نفسه, ص43.
[14] نفسه, ص127.
[15] نفسه, ص77.
[16] ينظر: نفسه, ص130.
[17] ينظر: نفسه, ص61.
[18] بتصرف: سعيد الجناحي,
أوائل المغتربين وحكايات العبور إلى الوطن, مركز عبادي للدراسات والنشر, صنعاء,
الطبعة الأولى, 2002م, ص175
[19] ايلينا جولوبوفسكايا,
مرجع سبق ذكره, ص137, 148.
[20] ينظر: نفسه, ص59 – 60.
[21] نفسه, ص130 – 131.
[22] نفسه, ص132.
[23] فيتالي ناؤومكين,
مرجع سبق ذكره, ص22.
[24] فيتالي ناؤومكين,
مرجع سبق ذكره, ص50.
[25] عبدالله علي مرشد,
مرجع سبق ذكره, ص112- 113.
[26] فيتالي ناؤومكين,
مصدر سبق ذكره, ص50.
[27] عمر الجاوي, مصدر سبق
ذكره, ص8.
[28] هامش: في فترة ما قبل
الخمسينات وجدت أشكال بسيطة وعفوية من التجمعات العمالية, على نحو “جمعيات
ونوادي عمالية” تعاونية ضمت أبناء مهنة واحدة أو أبناء منطقة معينة, وكانت
تقوم بتقديم العون لأعضائها المحتاجين. وقد أنشئت أول جمعية وهي “جمعية
النجارين” في العام 1935م. وتلتها بأربع سنوات في العام 1939م نشوء
“جمعية الصلاوية” وضمت عمالاً من أبناء منطقة الصلو, كانوا
يعملون في الميناء لنقل وتنزيل البضائع. كما أنشئت العديد من الأندية العمالية ذات
الطابع المناطقي, مثل نادي العمال اللحجي, ونادي الأعبوس, ونادي الأثاور, ونادي
المياسرة, وغيرها.( انظر: عبدالله مرشد, ص113, 114, 116) وفي كل الأحوال فإن الطابع القروي والتعاوني التقليدي لهذه الجمعيات
والنوادي العمالية يختلف اختلافاً بيّناً عن التنظيم النقابي الحديث.
[29] بتصرف: عبدالله مرشد,
مرجع سابق, ص118.
[30] عمر الجاوي, مرجع
سابق, ص11.
[31] فيتالي ناؤومكين,
مرجع سابق, ص50.
[32] عمر الجاوي, مرجع
سابق, ص11.
[33] نفسه, 13.
[34] بتصرف: نفسه, ص 13,
14.
[35] د. أحمد عطية المصري,
النجم الأحمر فوق اليمن, مؤسسة الأبحاث العربية, لبنان, ط3/ 1988م, ص86.
[36] عمر الجاوي, مرجع
سابق, ص10.
[37] نفسه, ص14.
[38] نفسه, ص15.
[39] عبدالله مرشد, مرجع
سابق, ص129- 130.
[40] الجاوي, مرجع سابق,
ص16.
[41] نفسه, ص25.
[42] نفسه, ص26 و27.
[43] ينظر: عبدالله مرشد,
مرجع سابق, ص139.
[44] فيتالي ناؤومكين,
مرجع سابق, ص54-55.
[45] عبدالله مرشد, مرجع
سابق, ص145- 146.
[46] إحدى السلطنات التي
كانت القائمة إبان فترة الاحتلال البريطاني, كانت تمثل إقطاعية زراعية كبيرة تتبع
السلطان أحمد عبدالله الفضلي ويزرع فيها القطن وتمون مصانع “لانكشتر”
البريطانية بمادة القطن (مرشد, ص160. وبقدر ما شكل هذا الإضراب مؤشراً على تنامي
وتوسع الوعي الطبقي لدى العمال الذي امتد إلى السلطنات الريفية المعزولة عن المركز
الحضري والصناعي (عدن) والتي لا تزال تعيش في أوضاع القرون الوسطى. بقدر ما خلق
حالة خوف ورعب لدى السلطات الاستعمارية ومواليها من السلاطين من تنامي هذا الوعي.
[47] عبدالله مرشد, مرجع
سابق, ص160.
[48] الجبهة القومية
لتحرير جنوب اليمن المحتل, تأسست في أغسطس 1963م, وتشكلت من المنظمات التالية:
حركة القوميين العرب, والجبهة الناصرية, والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل,
والجبهة الوطنية, والتشكيل السري للضابط والجنود الأحرار, وجبهة الاصلاح اليافعية,
وتشكيل القبائل.
[49] كان الدافع وراء
تأسيس حزب الشعب الاشتراكي في يوليو 1962م هو تخوف الأصنج وقيادة المؤتمر العمالي
من نفوذ الماركسيين المتعاظم في النقابات, لاسيما بعد إعلان تأسيس اتحاد الشعب
الديمقراطي بزعامة عبدالله عبدالرزاق باذيب في 22 أكتوبر 1961م (ينظر: فيتالي ناؤومكين, مرجع سابق, ص57.) وقد كان حزب الشعب
الاشتراكي هذا بمثابة فاترينة لمؤتمر عدن للنقابات بحسب توصيف عمر الجاوي.
[50] عمر الجاوي, مرجع
سابق, ص64.
[51] هامش: كان من أبرز العناصر
الثورية: عبدالله عبدالمجيد السلفي, ومحمد صالح عولقي, وعبدالله علي مرشد, والملح,
والعوبلي, والطيطي وغيرهم.
[52] بتصرف: عبدالله مرشد,
مرجع سابق, ص173 و174.
[53] عمر الجاوي, مرجع
سابق, ص63.
[54] نفسه, ص77.
[55] نفسه, ص84.
[56] وفي فترة لاحقة تغير الاسم أيضاً إلى الاتحاد العام لعمال جمهورية
اليمن الديمقراطية الشعبية.
[57] قبسات من تاريخ
الحركة النقابية اليمنية, صحيفة صوت العمال, العدد (1917), 1 مايو 2013م.
[58] بتصرف: عبده سلام
عبده، وعبدالجليل عثمان الأكحلي, ورقة مقدمة للندوة التي نظمتها منظمة الحزب
الاشتراكي اليمني بمحافظة تعز, بتاريخ 9/5/2012م.
[59] فيتالي ناؤومكين,
مرجع سابق, ص65.
[60] د. أحمد عطية المصري,
النجم الأحمر فوق اليمن, مؤسسة الأبحاث العربية, لبنان, ط3/ 1988م, ص108.
[61] فيتالي ناؤومكين,
مرجع سابق, ص66.
[62] د. سيف علي مقبل, من
تاريخ الحركة الوطنية اليمنية (منتصف الخمسينات من القرن العشرين ــ 1967م), دار
عبادي, صنعاء, ط1/ 2004م, ص183.
[63] عمر الجاوي, مرجع
سابق, ص83.
[64] عبدالله مرشد, مرجع
سابق, ص 223- 224.
[65] عبدالرحيم محسن سيف, الوعي الاجتماعي ووعي الطبقة العاملة اليمنية,
مجلة النهج, العدد (27), 1989م, ص177.
[66] علي سيف مقبل, قضايا
ومواقف, الاتحاد العام لعمال اليمن, صنعاء, نوفمبر 1986م, ص15.
[67] نفسه, ص15- 16.
[68] نفسه, ص16- 17.
[69] قبسات من تاريخ
الحركة النقابية اليمنية, مصدر سابق.
[70] معظم المعلومات
الواردة في هذه الفقرة مستقاة من: علي سيف مقبل, قضايا ومواقف, مرجع سابق.
[71] راجع: نفسه, ص27.
[72] نفسه, ص28 – 29.
[73] بتصرف عن: عبده سلام
عبده، وعبدالجليل عثمان الأكحلي, ورقة مقدمة للندوة التي نظمتها منظمة الحزب
الاشتراكي اليمني بمحافظة تعز, بتاريخ 9/5/2012م.
[74] نقابة السيقل
العمالية في الحديدة قام بتشكيلها عبدالله السيقل “مثقف يساري” وبتأثير
من عبدالله باذيب أثناء زيارة الأخير للحديدة. وقد اشتهرت النقابة باسم
“نقابة السيقل” وضمت عمال: الميناء والكهرباء والمحالج. (المصدر:
الاستاذ الرفيق علي عبدالفتاح.)
[75] قبسات من تاريخ الحركة النقابية اليمنية, صحيفة صوت العمال, مصدر سابق.
[76] عبده سلام عبده
وعبدالجليل عثمان الأكحلي, مرجع سابق.
[77] بتصرف: نفسه.
[78] بتصرف: نفسه.
[79] بتصرف: نفسه.
[80] التقرير الاستراتيجي
اليمني للعام 2007م, المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية, ص148.
[81] نفسه, ص151ــ 152.