- محمد ناجي أحمد
صرح الرئيس بيل كلينتون أن أمريكا تحتاج إلى ” ثورة عظيمة” لتثبت أنها قادرة على البقاء دون ثقافة أوروبية مسيطرة ، وكانت تلك الثورة قد بدأت بالفعل .
فالحركة متعددة الثقافات لاستبدال المجرى الرئيسي للثقافة الإنجليزية البروتستانتية في أمريكا بالثقافات الأخرى المرتبطة أساسا بالجماعات العرقية بدأت في السبعينيات من القرن العشرين. ص229-230- من نحن -صمويل هنتنجتون.
وقد حققت نجاحا في الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن العشرين. لكنها تعرضت لانتكاسة وهزيمة مع رئاسة دونالد ترامب واستعادته لخطاب العداء ضد التعدد الثقافي ، وبالتالي الموقف العنصري من المهاجرين ، والذي يرى فيهم تهديدا للقومية الأمريكية ، الأنجلو بروتستانتية؛أي تهديدا لهوية أمريكا ووجودها.
التعددية الثقافية بما هي مناهضة للأيديولوجية الغربية، واللغة الإنجليزية ، المهددة بثنائية اللغة ، فـ(اللغة هي بمثابة الدم للروح ) بحسب ميجل دي أونامونو.
الصراع بين ثنائية المهاجرين والمستوطنين في الولايات المتحدة منذ التأسيس .
المستوطن الغربي ، وتحديدا من غربها ، والمهاجر وتحديدا من آسيا وأمريكا اللاتينية .
فبحسب ناثان جليزر “إن الولايات المتحدة لم تكن أبدا دولة مهاجرين ” وإنما دولة مستوطنين. إلاَّ أن منتدى الهجرة ، المؤيد للهجرة يرى أمريكا دولة للمهاجرين والمستوطنين.
خلال قرن من تسعينيات القرن التاسع عشر إلى ستينيات القرن العشرين قام التشريع بأمريكا بتحديد هجرة الآسيويين ثم حظر الهجرة تماما ، ولمدة أربعين عاما تم تحديد الهجرة للآسيويين بأعداد قليلة .
لقد كانت أمريكا ولا تزال تعمل على وضع قيود للهجرة وانقطاعها من آن لآخر. ص258-259-من نحن –صمويل هنتنجتون.
من هنا نفهم أن التوجه الشعبوي اليميني للرئيس دونالد ترامب هو تعبير عن مزاج شعبي له ثقله في أمريكا، فهو لم يأت بسياسة من مزاجه في عدائه للمهاجرين والسود ، ووضع القيود على الصناعات الآسيوية وعلى الهجرة الآسيوية واللاتينية ، بل ذلك هو من صميم المزاج الشعبي الأمريكي ، أي اليمين الشعبوي ، ذي الشعبية القوية في الانتخابات الأمريكية. فالبرامج الانتخابية لليمين الشعبوي يمثل رأيا عاما في مواجهة البرامج الانتخابية لليسار الشعبوي الذي يرى أمريكا بلد التنوع الثقافي واللغوي والعرقي . في حين يتبنى اليمين الشعبوي ممثلا بترامب خطة اقتصادية تعمل على تخفيض الضرائب على الأغنياء ، وترفع من سقف الضرائب الجمركية والعقوبات الاقتصادية تجاه الصناعات الصينية.
كذلك موقفه المتبني لإغلاق الحدود وبناء الجدران في مواجهة المهاجرين، وتوظيفه لمصطلحات من قبيل ” الأسرة العاملة” و”طبقتنا الوسطى” و”الشعب الأمريكي” نجد جذورها في التاريخ الأمريكي على نحو يمكن معه القول إنه شعبوي –كما يرى ميشيل كازن ، في مقالة له بعنوان (ترامب والشعبوية الأمريكية ..نبيذ قديم في زجاجات جديدة).
وفي مقابل هذا اليمين الشعبوي يناضل اليسار الشعبوي ممثلا برؤاه التي يتهم فيها الشركات الكبرى في أمريكا بخيانة مصالح النساء والرجال الذين يقومون بالأعمال الأساسية في البلاد . ويتبنى اليسار الشعبوي مفهوم ” الشعب” على أساس ” الطبقة” في البلاد.
واليسار الشعبوي لا يؤيد ولا يعارض عرقا أو دين ، ويعتقدون بالمساواة بين جميع البشر في حقوقهم في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة، وفي الحكومة الديمقراطية التي تستمد شرعيتها من موافقة الشعب- بحسب ميشل كازان.
إن المهاجر من أصول لاتينية أو آسيوية عليه أن يثبت أنه أمريكي أكثر من “الأنجلو” بأن يمحو ثقافته التي هاجر منها، فالأمركة مثل الدين ، والمتحول من دين لآخر عليه أن يثبت إيمانه بالدين الجديد. ولهذا نجد بعض المتجنسين من العرب غيروا ديانتهم تبعا لتغيير جنسيتهم ، حتى يكونوا أمريكيين أكثر.
سنجد شركة فورد ، وهي تنظر لنفسها كشركة عابرة للقارات والوطنيات كانت مؤسساتها تواكب هذه الكوكبية الاقتصادية بدعم الثنائية اللغوية والتعدد الثقافي والعرقي، فمؤسساتها تعمل على دعم المحافظة على هوية جماعات المهاجرين ، وإثارة وعي المهاجرين ، وتأكيد حقوق المهاجرين. ولها صندوق لدعم التعدد الثقافي وهوية المهاجرين ، اسمه “صندوق الدفاع القانوني الأمريكي المكسيكي . ص267-من نحن- صمويل هنتنجتون.
تنص مواد وبنود قانون الهجرة والجنسية في الولايات المتحدة ،وقسمه على اندماج وانصهار المتجنس من حيث الولاء ورفض ازدواجيته ،والابتعاد الكلي عن أي ولاء آخر ، وأن يدافع عن الولايات المتحدة ضد جميع الأعداء الأجانب والمحليين ، وان يحمل السلاح في سبيل الولايات المتحدة عندما يتطلب الأمر ذلك ، والقيام بأية مهام وخدمات قتالية أو غير قتالية ووطنية عندما يتطلب الأمر ذلك.
وامام محتوى قسم الهجرة نتعجب من ذلك الفرح الشعبوي الذي يتم الترويج له في الأوساط العربية لنجاح أمريكي من أصول عربية في ولاية أو مجلس تشريعي، ويعتبرون ذلك مكسبا للشعوب العربية ، وانتصارا للقضايا العربية!
لا فرق بين الأمريكي العربي الذي انخرط في الجيش الأمريكي في غزو العراق ، أو في مهام تجسسية، وبين من فاز في انتخابات الولايات أو المجلس التشريعي ، فالأمريكي من أصول عربية مستعد لتنفيذ المهام الموكلة له ، ولو كان غزوا واستعمار أو دعما لوجستيا لأذرع الولايات المتحدة في المنطقة العربية وفي العالم!
ذلك شأن أمريكي ونحن بضلالة في الرؤية وجهل في الوعي وقصور في الإدراك نعده شأنا وانتصارا عربيا!