- كتب: أمين درهم
بمناسبة حلول العام الهجري الجديد 1442 يسرني أن التقي بكم هذه الليلة المباركة.. بضيافة شاعر وإعلامي وكاتب صحفي متميز.. أنه الصديق الأستاذ عباس الديلمي.. صاحب الكلمة الجميلة والكلمة الهادفة التي تحمل مضامين رائعة في جميع أغراض الشعر الذي كتبه الشاعر عباس الديلمي.
كل عام وانتم بخير وسعادة.. ونتمنى لوطننا التعافي والتآلف بين الفرقاء على امتداد الوطن اليمني الكبير ونتمنى أن تعود اليمن لمجدها وازدهارها.. اللهم امين.
وشكراً على مروركم الكريم.. والأمل بغدٍ مشرق يظل قريب المنال..
- قرأتُ الكثير عن الشاعر عباس الديلمي ووقفتُ عند كلماته المعبرة وأعجبتني كثيرا وهي:
(يستهويني العمل الفني عندما أجد الفنان الذي يستطيع أن يقرأ أفكاري ويترجم ما أريده، وأنا بانتظاره حتى اللحظة.. وعندما تكتب قصيدة ينبغي أن تعرف أين تضعها..).
كما أحزنني قول الشاعر عباس الديلمي في حواره مع الأخ الصحفي اللامع عبدالرقيب المجيدي عندما قال: إنه تواصل مع الملحن الكبير الموسيقار أحمد بن غودل في حضرموت وعرض عليه اللقاء في عمل غنائي فكان جوابه المحزن للشاعر الديلمي : تركتُ الألحان لأتفرغ لمرضي.
الموسيقار أحمد بن غودل أهملته الدولة اليمنية.. وتركته يصارع المرض من دون أي التفاتة لعلاجه .. وهذا حال المبدعين في بلادنا الاهمال والنسيان المعيب.. - بداية سماعي بالشاعر الكبير عباس الديلمي كانت من سبعينيات القرن الماضي، وكنت ألتقي به في أغلب الفعاليات الثقافية التي تقام بأمانة العاصمة، وكانت لقاءاتنا في مجالس ثقافية عدة، ومنها لقاءاتنا في ديوان الفنان الراحل علي أحمد الخضر، وفي ديوان الأستاذ علي الشاطر، وكانت تشدني ثقافته الواسعة وإلمامه واهتماماته بمجالات الثقافة والأدب والفن، وأقرأ أغلب مقالاته التي كانت تنشر في صحيفة 26 سبتمبر ودواوينه الشعرية، ومازالت علاقتي به ممتدة حتى اليوم ..
الحديث عن الشاعر والإعلامي عباس الديلمي ذو شجون.. لكن سأتناول بعض المعلومات المهمة للجيل الجديد وأذكر الجيل المعاصر بالعزيز عباس الديلمي الشاعر القريب إلى نفسي، والذي أكن له كل الحب والاحترام.. وقد سعدتُ بتلبيته لدعوتي له للحضور إلى ديواني وتم تكريمه بشهادة شكر وتقدير عرفانا بما قدم من إبداع أدبي وثقافي وإعلامي خلال مشواره الإبداعي الحافل .. وقد أضفى بحضوره بهجة وروحا ثقافية على جميع من حضر جلسة المقيل تلك، والتي كان هو فارسها، وقدم كلمة أشاد فيها بالدور الثقافي لهذا الديوان الذي كرم عددا كبيرا من الشخصيات الفنية والأدبية والثقافية على مدى ثلاثين عاما.
وقد شارك في احياء تلك الأمسية الفنان المتألق رشدي العريقي، وحضرها نخبة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي.
وما يزال شاعرنا الأستاذ عباس الديلمي يتوقد شعراً وإبداعاً، أتمنى له المزيد من التألق والاستمرار في العطاء الجميل المصحوب بالخبرة التراكمية والمعارف المتنوعة..
درس الأستاذ عباس الديلمي في تعز الإعدادية والثانوية وكتب في تلك الأيام وهو طالب بتعز أول نشيد وطني كان للفنان الكبير أيوب طارش عبسي، وهو (دمت يا سبتمبر التحرير يا فجر النضال).
ودرس في صنعاء الفلسفة في جامعتها .. وتخرج عام 1978م ..و التحق بالإذاعة كأول عمل حكومي وتدرج في العديد من الأعمال فيها حتى وصل إلى أعلى الدرجات وهي رئيساً لقطاع الإذاعة البرنامج العام إذاعة صنعاء في 2002م.
- الشعر في مسيرة عباس الديلمي..
شاعر صاحب موهبة مبكرة جداً.. وشاعر صاحب حظ كبير، فبعمر السادسة عشر يكتب قصيدة غنائية ويغنيها له الفنان الكبير أحمد السنيدار (بشراك شعب اليمن)، وهي من ألحان الفنان محمد قاسم الأخفش، قصيدة خاصة بنجاح الطلبة، وكتب هذه القصيدة الشاعر الديلمي وهو لم يزل طالباً في الإعدادية بتعز، وسجلت الأغنية في إذاعة تعز نهاية ستينيات القرن المنصرم، وقد غناها أيضا الفنان محمد قاسم الأخفش رحمه الله، وارتسمت هذه الأغنية في الذاكرة الشعبية، حيث كانت تبث من الإذاعة عقب إعلان نتائج أوائل الطلبة الناجحين، وهي الأغنية اليمنية الوحيدة عن النجاح، ويقول مطلعها:
بشراك شعب اليمن بنشئاك الناهضين
صافح معي ياوطن طلابك الناجحين
من جددوا للزمن حضارة السالفين
يامرحبا كل من لشعبهم مخلصين
ياجيل أرضي الجديد مبروك عليك النجاح
ابذل جهود بالمزيد فالعلم اقوى سلاح
الشعب هذا السعيد يريد منك الصلاح
من يخدمه دائماً إلا البنات والبنين
وتوالت قصائد الشاعر الديلمي الغنائية، ومن قصائده الغنائية المبكرة
(يا طبيب الهوى)، وأغنية (نجوم الليل)، وهي قصيدة رائعة.. أشاد بها الفنان الآنسي.. وكأن الشاعر والفنان عاشا قصة حب متشابهة.. إبداع في الكلمات وفي اللحن والغناء، وهذه الأغنية خالدة إلى اليوم، وقد خدمها الفنان الآنسي بأن سجلها بالفرقة الموسيقية وسجلها للتلفزيون.. وعندما أشاهدها بالتلفزيون أقف منبهرا وأستمعها للنهاية.. وكذلك هذه الأغنية أبدع فيها الفنان الآنسي عندما غناها في جلساته الخاصة، أعطاها احساسا بديعا بصوته الشجي العذب.. الذي لم تنجب اليمن مطربا مثله ولا شاعرا مثل عباس الديلمي في الأغاني العاطفية والوطنية.. نقتطف منها بعض الأبيات:
نجوم الليل بتسألنــــي
على قلبي ومن أضناه
وعن سهدي وأشجاني
وعن دمعي ومن أجراه
فقلت الحــــب أعياني
ويا ليت أستطيع أنساه
دعوني واتركوا شاني
أهيم وأشكي بقولة آه
جميع الناس لاموني وعابوني على ما كان
وحتى الأهل اسموني صريع الحب والغزلان
كفى بالله سيبوني وشاني فالفؤاد ولهان
ويا احباب زوروني فقلبي للقاء عطشان
كما كتب اعمال غنائية للاطفال واعمال درامية وكتب في العديد من الصحف الكبرى في بلادنا لسنوات في جميع المجالات.
ومن ابرز قصائده الشعرية (( شاهيم طول الليالي )) و(( يا طبيب الهوى )) و (( نجوم الليل ))و(( قل لمن مال عنا )) إلى (( موكب التحرير )) و (( ترانيم وحدوية ))و (( صباح الخير)) و (( نفديك يايمن )) و(( يمن الأمجاد )) واوبريت خيلت براقاً لمع التي قدمت في حفل كرنفالي بديع في منطقة باب اليمن بمشاركة 1600 شاب رسموا لوحات الاوبريت باتقان.. تجاوب رائع مع كلمات القصيدة..
وكانت مناسبة هذه القصيدة الكرنفالية هو مرور 10 سنوات على قيام الوحدة اليمنية المباركة وحدة الارض والانسان ..واوبريت السيف والقلم..
للشاعر الكبير مازالت عالقة في ذهني له قصيدة صباح الخير .. التي احسنت الاختيار عندما خرجت من حدود اليمن الى الآفاق العربية .. الى البلد العزيز سورية الى الاسرة الفنية سهيل عرفة والفنانة المتألقة غناء وتمثيل امل عرفة.. اغنية خالدة لم ولن تنمحي من الذاكرة الى اليوم:
من ابيات القصيدة :
صباح الخير يا وطناً
يسير بمجده العالي إلى الأعلى
ويا أرضاً عشقنا رملها والسفح
والشطآن والسهلا
صباح الخير ياقمماً
إليك الشمس تهدي القبلة الأولى .
قالوا عن الشاعر عباس الديلمي:
• الاستاذ والمؤرخ فيصل سعيد فا رع، مدير عام مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة، في مستهل الصباحية الشعرية للمبدع اليمني الكبير الأستاذ/ عباس الديلمي بتاريخ 20/6/2002م:
(بهرنى منذ أن قرأت مجموعته الشعريه الأولى المعنونه (( إعترافات عاشق)) في منتصف عقد سبعينيات القرن العشرين التى وصف شعرها بصدق أستاذنا الراحل الجليل عبدالله البردونى في مقدمة الديوان بقوله: هذا الشعر الذي بين أيدينا مليء بحرارة الشباب وأصالة الشعر، وصولاً الى غنائياته التى صدرت أخيراً بين دفتي مجلد ضم فيه الى جديد غنائياته، غنائيات عباس الديلمي التى صدرت في اوائل التسعينيات مروراً بديوانه قراءات في كهف افلاطون التسعيني الطبع والأصدار أيضاً ..إنك وأنت في حضرة هذا المبدع اليمني الجميل تصبح أسير شاعر كلماته تحلق دائماً .. في تحليق قارعة أبواب الفردوس بهمس وهدؤ ناشدة لنفسها حياة خالده كما يوصف جوته شاعر المانيا العظيم الشاعر، الشاعر، ولأن عباس على حمود الديلمي شاعر من هذا الطراز الرفيع، فإنه يجعل من علاقتك به حالة غير ممكن الفكاك منها، لأنك ببساطه ترغب في الاستزادة للنهل من معينه المبهر حيث أنك أمام شاعر يحافظ على شرارة الشعر وتوهج الفن الشعري.
يستدعى في شعره التاريخ والتجارب التاريخية .. مجسراً الهوة بين القديم والجديد ببراعة وإتقان لاتراها يسيره لدن سواه، وعباس الديلمي شاعر غنائي فريد يستنطق الوجدان شعراً تلمس صدقه الفني والشعوري بشكل مدهش، سواءً في غنائياته العاطفية أو الوطنية.
- الاديب الكبير الدكتور عبدالعزيز المقالح:
اذا كان الحب هو اجمل كلمة في الوجود، فإن شعر الحب هو اجمل ما في ديوان الشعر من كلام. وإذا كانت الكلمات في الشعر تأخذ انساقاً وابعاداً متعددة المعاني والاغراض، فإنها-اي الكلمات- تستعيد في شعر الحب ألقها وروحها وتمتلك طاقة التبليغ الاعمق، تلك التي تصل الى القلوب مباشرة وتستقر في الوجدان، وشعراء الحب منذ عمر بن أبي ربيعة والعباس والاحنف،وحتى نزاز قباني والى عباس الديلمي، هم الاقرب الى شاعر قرأ الشعر على اختلاف مستوياتهم الثقافية والفكرية، وذلك لأن سيرورة فنية وعاطفة متفردة تتحكم في مقاربتهم الشعرية، وتستحضر معهم رحلة المكان والزمان، فضلاً عمّا يشيع في لغتهم من وميض خاص، يختزن نجوى المحبين وذاكرة عشاق الحياة في انقى صورها واكثرها فوارناً وجمالاً.
الدكتورة وجدان الصائغ قدمت دراسة حول ديوان (غنائيات) نقتطف منها:
اذا كانت وحدويات عباس الديلمي في مجموعة (الغنائيات) قد ترنمت بشكل صريح بمنجز الوحدة فإن غنائياته قد ترنمت وعبر مناخات الوجد بهذا المنجز حيث امتزج وجه المعشوقة بوجه المكان الحميم اليمن، وعبر تقنيات مدروسة، اتكأت إلى الذاكرة الشعرية وتحديدا معمار القصيدة العربية الفصيحة القائمة على مقدمة غزلية تنجح في استدراج افق التلقى إلى بؤرة النص التي تكمن بالضروة في خاتمة القصيدة، وبما يشبه لحظة التنوير التي ينتقل عبرها من الهم الذاتي الذي يلف مناخ القصيدة إلى الهم الجماعي الدي يشغل الوعي الجمعي لحظة صياغتها، بمعنى أنه ينتقل من الحلم الفرداني إلى الحلم الجماعي ومباهجه وهو يرنو إلى جسد المكان المكتمل.
- الأديب /علي السياني :
الشاعر عباس الديلمي يعد امتداداً نادراً للشعر الحميني هذا اللون من ألوان الشعر الذي تميزت به اليمن عن سواها من أقطار الوطن العربي بموشحاته ذات الزخارف والأشكال المتميزة وبتراكيب فنيه خاصه لمبيتات شعره الحميني ترى فيها كل ألوان ومناط اهتمام الشاعر حاضرة بشكل يدعو للدهشة، وحيث هذا النفس البديع وتلك الموسيقى العذبة والنظم الجميل المصفى، يتزامن مع سمات التطور المضموني والبنائي للقصيده اليمنية الحديثة،
مقتطفات من قصائده الشعرية: - قصيدة خَيَـلـت بَـرَاقـا لَمـَـــع:
خَيَـلـت بَـرَاقـا لَمَـَـــع … من فوق ( صنعاء ) حَـنّ رعـده وسيلـه
يروي ضمــا أرض اليمــن …. ونـجــم وحــدتنا ســطع
وشـق قلـب الظلــم ألقى بليلــه
من خلـف أطـــراف الوطــن …. بعيــــــد ولا ممتنــع
محـال يستعصـي عـلى مـن ذليلــه
دســتور بالشــرع إقـتـرن … وإحـنا بعـون اللـه فكينـا العســـار
عظيم من علياه عَجّـل بالفـرج … سارت قوافـلنا ووحـدنا المســـار
في درب وحده نفتديها بالمهــّـج
هنـا نفــوس تعشـــق السـلام لا تحـرق الزيتــون والحمـــام
هنـا يســود الحــب والوئــام هـنا ضيــاءُ يـدحــر الظـلام
فلتسلمـــي يا يمــن الســـلام ولتـشمخـي يا يمــن الســـلام
- ابيات من قصيدة يمن الشموخ:
يمن الشموخ ومطلع الفجر بصباح يوم خالد الذكر
حُييت من وطن بوحدته توجت هام المجد بالفخر
الله أكبر الله أكبر
الله أكبر ملئ ساحتها وعلى الأكف علامة النصر
بلد الإيمان وهذه الشيم
لصلاتها في أرضنا حرم
وعلى المحبة نبتني وطناً
بكرامة الإنسان يعتصم
ما خاب سيفك يا بن ذي يزن
في كف حر فارس فطن
أجرى الرياح بعقل حكمته
حبا فحقق غاية السفن
- وابيات قصيدة شاهيم طول الليالي
شاهيم طول الليالي وأروي بدمعي تهامة
فلا تسل ما جرى لي ولا تقل لي علامه
الله يعلم بحالي والصبر فيه السلامة
يا من بهذا رضى لي شانحتكم في القيامة
مسكين قلبي المفارق
في الهم والحزن غارق
غبني على كل عاشق
تنفٌّساته بوارق
- و ابيات من قصيدة دمت ياسبتمبر التحرير:
دمت يا سبتمبر التحرير يا فجر النضال
ثورةُ تمضى بإيمان على درب المعالي
تسحق الباغي تدك الظلم تأتي بالمحال
موكب التحرير ألفت القلوبا
وتوحدنا شمالا وجنوبا
وفتحنا لسن العلم الدروبا
فلتعيشي يابلادي
في علوٍ وسدادي
وادحري كيد الأعادي
حلم الديلمي الذهبي:
للشاعر عباس الديلمي..حلم فني ووطني يريد تحقيقه ألا وهو انشاء المكتبة الذهبية لتوثيق الموروث والتراث الشعبي في اليمن كافة حيث يقول : وجدت بلدي اليمن من أثرى الشعوب العربية بالفلكلور والموروث الشعبي، ولا بلد عربي يمتلك ما يمتلكه اليمن، ربما الشام، ولكنها ليست بمستوى اليمن. في اليمن تحس هذا التنوع من منطقة إلى أخرى. أحياناً في المدينة الواحدة أكثر من تنوع. في صنعاء، هناك تنوع على مستوى الحي الواحد، فـ(حي بئر العزب) على سبيل المثال له رقصاته، وأغانيه، و(برعته) الخاصة. وفي العدين، في وادي الدور تحديداً، التقيت منشدين لديهم تراث فني متنوع مغمور، استخرج بعضه الفنان علي الآنسي، ومنه الزفة العدينية. وكذلك هناك تنوع عجيب في منطقة (خبان ـ إب). لا منطقة في اليمن تزورها إلا وتدهشك.
وقد ابتعثت‘ زميلين (فنياً ومذيعاً) عندما كنت رئيساً لقطاع الإذاعة، لتسجيل الفلكلور الشعبي في معظم أنحاء اليمن.. كنت حينها أخطط لإنشاء جناح خاص في مكتبة الإذاعة أسميه (المكتبة الذهبية) يوثق للموروث والتراث الشعبي بأصوات الفلاحين والمنشدين من بيئاتها، وقد جمعنا كثيراً منها، غير أن أحداث 2011م حالت دون إتمام المشروع..
باختصار كنت أنوي من مشروع (المكتبة الذهبية) ضمان استمرارية جهود التوثيق الفني ليتمكن فنانو هذا الجيل من الشباب والأجيال القادمة من وضع لمساتهم، ويخرجون الأعمال بالشكل المناسب، وبما يتواءم مع عصرهم. عموماً لاتزال هذه الأعمال الموثقة موجودة ومرقمة في مكتبة الإذاعة وبإمكان المعنيين المضي في إتمام المشروع.
والى الملتقى في الاسبوع القادم مع رائد آخر.. بحول الله..
20 /8 /2020م