- كتب: محمد ناجي أحمد
(أرض المؤامرات السعيدة) لـ(وجدي الأهدل)،والصادرة عن دار نوفل 2018م:
هي من الروايات القليلة التي لا تريد مفارقتها إلا وقد استكملت رحلتك داخل عوالمها …
“عبرنا حاجزا عسكريا وبعده ظهر ” باب الناقة ” الذي هو مضيق بين جبلين ، ويفصل بين السهل والجبل . بدا لي شبيها بامرأة مستلقية على ظهرها منفرجة الفخذين في وضعية الولادة، وهي تدفع بالأجنة من رحمها إلى الحياة والنور . انتابني شعور وكأنني أقوم برحلة في الاتجاه العكسي ..عودة إلى رحم الأم”ص300.
يلمع البرق فتلوح لهم بعد عبورهم ” باب الناقة” قامة آدمية واقفة في الخط ، فيصيح أحد الركاب مذعورا ” ذاك هو الشيبة” وأثناء تفادي السواق للاصطدام بـ”بالشيبة “ينتقل “الشيبة” إلى الخط المعاكس “ومن وراء المنحنى جاءت سيارة نقل محملة مسرعة، وكأنها تهوي من قمة جبل …تلقينا صدمة شديدة وسبحنا في الهواء كالطيور”ص300.
وهنا تبدأ شخصية ( مطهر فضل) بالتصالح مع قيمها الدفينة، مستكملا حكاية بقية الشخصيات بواسطة لقائه المتخيل مع ” فتحية” وجهه الآخر في السقوط إلى الهاوية .تتكامل شخصية “فتحية” مع (مطهر فضل) في الوضع الطبقي الذي يفرون منه ، فيسقطون في قاع التسليع!
تقص له “فتحية” ما لم يدركه في حياته عن مآلات شخصيات الرواية، فـ”رياض الكياد” صار وزيرا ، و”غالب زبيطة” تزوج بـ”حورية” أمرأته،، وتسره فتحية بأن ” غالب زبيطة” ” جاسوس مدسوس من النظام على المعارضة” و”قاسم الطحان حل محل “رياض الكياد” في رئاسة تحرير جريدة ” الشعب” وعنها ؛ أي ” فتحية” فقد استأجرت شقة واسعة من أربع غرف ، وأجرت بيتها القديم الغارق في مياه المجاري، و”حمُّود شنطة” المحامي تزوج بـ”خاتمة” وهي حامل في شهرها الثامن بابن مطهر فضل. ص303-304.
وعن المحكمة التي أصدرت حكمها على ” جليلة” ” فقد ثبت لدى عدالة المحكمة ووفقا للتقرير الطبي المعتمد من النيابة ، ان القاصر ” جليلة محمد هادي” هي التي اغتصبت الشيخ ” بكري حسن مقبل ، وذكر التقرير الطبي المصدق عليه من أربعة أطباء أن عضو الشيخ “بكري حسن مقبل” عليه آثار جروح وسحجات تسببت بنزف دموي ، ما يدل على قسوة الاغتصاب ، وعليه حكمت المحكمة ببراءة الشيخ وأمرت بحبس القاصر ” جليلة محمد هادي ” ثلاث سنوات! ص301-306.
هناك علاقة بين الضعف الجنسي عند “مطهر فضل ” وصراع القيم داخله ” أنا لم أكن أعاني من ضعف جنسي ، بل من خور عصبي…”ص264.
تبدأ الرواية ببنائها السردي بشكل استرجاعي للأحداث ، ولكنها ليست طريقة خطية في الاسترجاع ، وإنما (استرجاع تدويري ) إذا جاز وصفي ، منطلقة من بؤر متصاعدة نحو قاع القيم…
هناك استرجاع تدويري سردي بُنِيَتْ على أساسه الرواية ، وهو استرجاع عمل على تزويد الشخصية المحورية في هذه الرواية ( مطهر فضل) بطاقة سردية أعانته على تحمل قيم متناقضة، بين ما هو كامن في ذاته وما هو مندفع إليه و متحرك في سلوكه.
وظيفة الصحافة في المجتمعات ذات الحكم السلطاني ليست الرقابة ، ووهي ليست سلطة موازية ولا سلطة رابعة، بل وظيفتها أنها أداة بيد الحكام لتغذية القطيع وتهجينه وتهييجه وتطويعه واستمرار السيطرة عليه…
حين يعي ( مطهر فضل) أنه تم استخدامه قطعة شطرنج ، ثم التضحية به ، كان انسحابه في ذات الهاوية، واستعداده للعودة إلى الجذور القبيلية انكشاف آخر لتخبطه، فهي الجذور أي الرحم، ثم كان الهروب من الواقع بقسوة مكره إلى أسطورة ” شبح الشيبة” الذي يظهر مرة واحدة في العام ، ويتسبب بإزهاق أراوح كثيرة..,
ولا ينسى (مطهر فضل) ، في عالمه البرزخي أن يتصالح مع ابيه ” دنا منَّا طائر أبو منجل المقدس بلونيه الأبيض والأسود، سرت قشعريرة في بدني حين أدركت أنه أبي .. من فرط لهفتي إليه ناقشته في المقالات المكتوبة عنه في كتاب ” إنسان صنعه النضال” ولاسم الكتاب دلالة مهمة ،في اقتران صناعة إنسانيتنا بنضالنا- أصغى إليَّ بهدوء ، فلما أوفيت ، نقرني بين عيني ثم طار..”ص310. هل كانت نقرة الطائر/ الأب قبلة في الجبين أم تنبيها إلى أن جبين الإنسان في لغة الإشارة هو الكرامة…وهنا مع نقرة الأب لجبين ابنه تنتهي رحلة ” مطهر فضل” في قعر الوادي ” كفت السيارة ” البيجو” عن التدحرج ، واستلقت على ظهرها في قعر الوادي . السيل الذي هو كرحم الأم أخذ يهدهدنا بحنان مرتلا تهويدة رقيقة بسبات هادئ.” ص310.
إنها الحاجة إلى (الرحم) لنتحسس ذواتنا التي فارقتنا بفعل غلبة قيم الاستهلاك ، عصر التسليع والجريدة، ثم ما وصلنا إليه من موت للإنسان لصالح الفضاء المعلوماتي ومواقع التواصل الاجتماعي ، التي تحولنا إلى غبار وسديم لا قيمة له سوى انه فم للاستهلاك وقطيع تتحكم به حتميات الصورة وإرادوية مواقع التواصل الاجتماعي التي تصنع البلاهة في نظام متكامل للتفاهة…