يتسم المجتمع اليمني بضعف حصانته الفكرية والثقافية والسياسية أمام الشائعات بمختلف أشكالها ومظاهرها وعلى وجه الخصوص السياسية منها.. حيث يبدو هذا الضعف واضحاً أمام سيل من الإشاعات المتنامية أعدادها وتأثيراتها في مثل هذه المرحلة الحاسمة والظروف الاستثنائية المعقدة التي نمر بها.. والتي أدت إلى اختلال كبير في التوازن الاجتماعي.. فأصبح قطاعاً واسعاً من المجتمع، وخاصة فئة الشباب، مهيأً لتقبل ما يبثه دعاة الفرقة من: دعايات كاذبة ومقولات تضليل مريبة.. وإشاعات لتزييف الحقائق.. والترويج لثقافة الحقد والكراهية.. وبث روح اليأس، وترسيخ ثقافة الهزيمة.. وممارسة مختلف أشكال الوقيعة والدس الرخيص.. وجميعها تهدف إلى تدمير عوامل الثقة، وأسس الوحدة بين أفراد المجتمع، وتسميم الأجواء بالخوف، وإثارة النعرات والفتن والصراعات الداخلية.
ومن هذا المنطلق سنورد فيما يأتي باختصار، تعريفاً للشائعات.. وتصنيفاتها.. وعوامل انتشارها.. ومخاطرها.. وطرق السيطرة عليها.. كالآتي:
أولاً- تعريف الشائعة:
هي خبر أو مجموعة أخبار زائفة تنتشر في المجتمع بشكل سريع، ويتم تداولها بين العامة ظناً منهم بصحتها.. وغالباً ما تكون هذه الأخبار شيقة ومثيرة لفضول المجتمع.. ولكنها تفتقر عادة، إلى المصدر الموثوق الذي يحمل أدلة على صحتها.
وتمثل هذه الشائعات جزءاً كبيراً من المعلومات التي نتعامل معها.. حيث تؤكد الإحصائيات أن (70%) من تفاصيل المعلومة يسقط في حال تنقلنا من شخص إلى شخص حتى وصلنا إلى الخامس أو السادس من ناقلي المعلومة.
فالشائعة ببساطة تجعل من الصواب خطأ ومن الخطأ صواب.. وقد يدعمها أحياناً بعض الوجهاء ورجال الدين.. وبانتشارها وسيطرتها على عقول المجتمع قد تغير في سلوكيات الأفراد وفي أساليب تعاطيهم مع بعض الأمور.. وقد يصعب إبطالها أحياناً، نظراً لتفشيها في المجتمع، وسرعة تقبله لمضامينها.
وغالباً ما نجد الشائعة تحتوي على جزء صغير من الأخبار أو الحقائق، ولكن عند ترويجها تحاط بأجزاء خيالية بحيث يصعب فصل الحقيقة عن الخيال، أو يصعب التعرف على الحقيقة من الخيال.
وقد تمكن العالمان (ألبورت، و بوستمان) من وضع قانون أساسي للشائعة في شكل معادلة جبرية، هي:
[شدة الشائعة = الأهمية + الغموض].
ثانياً- تصنيف الشائعات:
حاول كثير من الباحثين تصنيف الشائعات.. واختلفوا حول الأسس التي يبنى عليها هذا التصنيف.. تبعاً لاختلاف موضوعها، أو الدافع من ورائها، أو معيار الزمن، أو آثارها الاجتماعية سواء الضارة منها، أو المفيدة.. والسلبية، أو الإيجابية..
وسنورد هنا تصنيفاً ثلاثياً لـ(بيساو)، وفقاً لمعيار الزمن، على نحو ما يأتي:
الشائعة الزاحفة:
وهي التي تروج ببطء، ويتناقلها الناس همساً وبطريقة سرية.. تنتهي في آخر الأمر إلى أن يعرفها الجميع.. حيث يقوم مروجو هذا النوع من الشائعات بنسخ سلسلة لا تنتهي من القصص، ويستمرون في العمل على تغذيتها واستمرار نشرها.. وتتضمن طبيعة هذا النوع من الشائعات قصصاً مختلفة منها: القصص العدائية التي توجه في مجتمعنا ضد رجال الحكومة والمسئولين لمحاولة تلطيخ سمعتهم.. أو القصص الزائفة التي تروج لعرقلة أي تقدم: اقتصادي، أو سياسي، أو اجتماعي.. ويدخل في ذلك ما يقوم به المروجون من نشر تنبؤات بوقوع أحداث سيئة.
شائعات العنف:
وينتشر هذا النوع من الشائعات كالنار في الهشيم.. ليشمل أكبر قدر من المجتمع في وقت قصير جداً.. ومن نمط هذا النوع تلك التي تروج عن الأمراض والحوادث والكوارث.. أو التي تروج في زمن الحرب عن الانتصارات المبهرة، أو الهزيمة.. ولأن هذه الشائعة تبدأ بشحنة كبيرة، فإنها تثير ردود افعال فورية، لأنها تستند إلى العواطف الجياشة كالذعر، والغضب، والسرور المفاجئ.
الشائعات الغواصة:
وهي التي تروج في أول الأمر، ثم تغوص تحت السطح، لتظهر مرة أخرى عندما تتهيأ لها الظروف بالظهور.. وتكثر معاودة الظهور لهذا النوع من الشائعات في كل حرب، والتي تصف مثلاً، وحشية العدو وقسوته مع الأطفال والنساء.
ثالثاً- عوامل انتشار الشائعات:
يرجع البعض عوامل ترديد الشائعات وانتشارها إلى:
- انعدام المعلومات، وندرة الأخبار بالنسبة للشعب.
- ارتفاع نسبة الجهل وانخفاض مستوى الوعي: حيث تنتشر الشائعات بصورة أكبر في المجتمعات التي تتزايد فيها معدلات ونسب غير المتعلمين أو غير الواعيين.. وذلك لسهولة انطلاء الأكاذيب عليهم.. إذ قلما يتسألون عن مصدر لتوثيق ما يتداول من معلومات.. فمجتمع كهذا يكون بمثابة بيئة خصبة ومناسبة لترويج الشائعات.
- انتشار وسائل الاتصالات الحديثة تعد عامل مهم في انتشار الشائعات.. فهي تقوم بنشر كم هائل جداً من المعلومات في وقت يسير جداً، وإيصالها إلى أكبر عدد ممكن بكل يسر وسهولة.
- الأهمية، والغموض: والمقصود هنا؛ أهمية الموضوع بالنسبة للأفراد المعنيين.. وغموض الأدلة الخاصة بموضوع الشائعة الأمر الذي يسهم في تهيئ ظروف خلق الشائعة وترويجها.
رابعاً- خطر الشائعات على المجتمع:
للشائعات آثار نفسية وحسية بالغة.. فبمقدورها القضاء على مجتمعات كاملة، إذ لم تواجه من قِبل الأطراف الواعية في حينها.. وتزداد خطورتها أكثر إذا كانت هناك جهة ما تزيد من وتيرة اسعار نارها تلبية لأهدافها.
ولعل من أبرز تجليات مخاطرها:
إن الشائعة في مضمونها تلعب دوراً كبيراً في التأثير على معنويات الشعب، وإن اختلفت درجة تأثيرها تبعاً لنوعها والدوافع التي تكمن خلفها.
تساعد في حدوث الشغب، وهنا تروج الشائعات بشكل أسرع من رواجها في أي وقت آخر.. وهي بذلك تعكس التعصب الشديد.. وأحياناً تكون كلها وليدة الخيال.. فتروج الشائعات مثلاً، لعمليات تعذيب وقتل.. وتلبس ثوباً جنونياً يتفق ويبرز العنف الذي يحدث تحت مبرر القيام بعملية الانتقام.
توجد علاقة بين الشائعة والفكاهة، إذ إن هناك كثيراً من القصص تنتشر على أنها شائعات، وتكون من وحي الخيال الصرف.. ولكنها لا تستهدف أكثر من الضحك.
طرق السيطرة على الشائعات:
تستند هذه الطرق الواردة أدناه في الواقع على ملاحظات فنية يمكن الاسترشاد بها في السيطرة على الشائعات، ومن أهمها:
الإيمان والثقة بالبلاغات الرسمية، فلو فقدت الجماهير الثقة في هذه البلاغات فإن الشائعات تأخذ في الانتشار.
عرض الحقائق على أوسع مدى.. فإذا لم يستطع الناس الحصول عليها، فإنهم يتقبلون الشائعات.
إن الملل والخمول ميدان خصب لخلق الشائعات وترويجها، فالعقول الفارغة يمكن أن تمتلئ بالأكاذيب.. والأيدي المتعطلة تخلق ألسنة لاذعة.. لذا فإن العمل والإنتاج وشغل الناس بما يعود عليهم بالنفع يساعد إلى حد كبير في مقاومة الشائعات.
غالباً ما تكون الشائعات الهجومية المسمومة نتيجة دعاية العدو، ويقوم بترويجها من يعتبرون أعداء للوطن.. ولذا فإن الدعامتين الأساسيتين اللتان يمكن أن يرتكز عليهما تخطيط مقاومة الشائعات، تتمثلان في العمل بنجاح على: كشف دعاية العدو بطريقة سهلة واضحة.. ومحاربة مروجي الشائعات بكل الوسائل.
يمثل الدور التربوي أحد الأنساق الاجتماعية المهمة التي تؤدي عملًا حيوياً ومهماً في المحافظة على بناء المجتمع واستقراره.. ولكن: فهل يمكننا الركون على هذا الدور في وضعه الحالي؟!
- مصادر متنوعة