سفر عابر في رواية بلاد بلا سماء للروائي وجدي الأهدل
- عبدالرحمن دغار
أنا علي نشوان الشاب الذي تربى على يد حبك وتخلى عن الكثير من السلبيات لخاطر عينيك والشاب الذي منذ أن عرفك أصبح يغير تفاصيل حياته لكي تتناسب مع ذوقك وثقافتك وتفكيرك، أنا علي الذي تعلم على يديك أجمل الدروس عن الحضارات اليمنية، أنا تلميذك، ومريضك، والجني الخاص بك أيتها الأميرة، لا تزال رائحة عبير جسدك التي كنت أستنشقها من على صدر العملات المعدنية التي كنتي تعطيني إياها لأشتري لك بسكويتك المفضل عالقة في أنفي وستبقى حد الأبد،
مازال ساقك يسقطني كل يوم وانت تمدينه أمامي فأهوي في حبك دون أن أتوقف لأنني أشعر بأنه أجمل سقوط في حياتي،ولا تزال دروس الرياضيات تحتفظ بصعوبتها لأن إنشغالي بجمال ملامحك يلهيني كثيرا عن التركيز على فهم الدروس،
مازلت عاجزا يا سماء عن الإحتفاظ بملامحك وصورتك في ذهني، أخبريني أيتها القديسة الطاهرة كيف لي أن أحتفظ بعينيك، بوجهك، بكل جمالك الساحر، لأتخلص من هذا الألم الذي يشعرني بالعجز،
مازلت أسعى بكل جهودي كي أصير وزيرا وأمتلك قصرا وصالون أبو دبة و أ ت ز و ج ك،أريد أن أتزوج عالمة الأثار التي تعشق حضارة بلادها حد الهيام بها،
أنا علي يا سماء ،
علي الذي تعلم الحب من طول التأمل في ملامحك ومن تقليده لك في الكثير من السلوكيات ومن ثقافتك وثقتك بذاتك ونقاء قلبك وجمال روحك،
علي الذي ألفك كثيرا وكنت بالنسبة له كل تفاصيله الجميلة وكل حياته، صحيح أنني عجزت عن مواجهة أبيك والدفاع عنك في لحظة غضبه وهو يوزع صرخاته العنيفة عليك بسبب وشاية سافلة من الحاج سلطان صاحب الدكان لكنني لم ولن أعجز حتى الأبد ويوم عن إيماني بك وبحبك الذي لا حدود له،
لا زلت أعترف لك بأن هذا الموقف الجبان هو أحد أسوأ ذكرياتي، هو النقطة السوداء في تاريخي،
ولهذا كانت ضريبتي باهظة الثمن إذ أنني فقدتك، فقدت قربي منك، فقدت تأملك، فقدت رائحة جسدك التي كنت اتنفسها من على صدر العملات المعدنية، فقدت السقوط أمام ساقك، فقدت معلوماتك التي كنتي تحدثيني بها، فقدت فرصتي بطرح الأسئلة عليك،
في ليلة وضحاها تغيرتي يا سماء وقذف بي القدر بعيدا عنك حتى أصبحت أحلم برؤيتك ولو عن بعد لكن ذلك لم يكن يحصل إلا نادرا وربما بدون قصد منك،لست أدري هل هذا صحيح أم لا ، لا أريد أن أظلمك لأنني لم أحظ بعد ذلك اليوم بفرصة كي ألقاك عن قرب لأعرف ما الذي يدور في رأسك،
هل كنت أحبك من طرف واحد، هل كان طرفي هو الطرف الوحيد الذي يحتاج لضفة أخرى كي يرتبط بها ولم تمنحيه أنت ذلك،
كيف غبتي عني يا سماءي، كيف تخليتي عن جنوني بك وعشقي لك وحبي الكبير لروحك، كيف لم تودعيني لكي يكون وداعك هو عزائي الوحيد في هذا العالم،هل تدرين كم أنني فقدت ذاتي حينما سمعت صوت أمك وهي تبكي فقدانك، ولم أنم ليلتها وبقيت أسامر شجرة الرمان التي كانت أخر محطاتك،
هل تدرين يا سماء أنني أصبحت أنا قربان اختفاءك ورحلت دون أن أعرف سر اختفاءك وسر تخليك عني ،
ما هو الشيء الأكثر جمالا الذي جذبك للرحيل إليه وجعلك تتركين أهلك وجامعتك وأحلامك ومستقبلك وحضارة هذه البلاد دون أن يكون لها عالم آثار ينقب في أسرارها ليكشف عن جمالها وأصالتها، تماما كما كنت أريد أن أفعل معك وأنقب في ذاتك عن أسرار جمالك لكي ألجم كل أفواه السفلة الذين كانوا يقذفونك بالتهم الزائفة،
هم لم يعرفوا سماء الحقيقية، سماء الملكة والملاك والقديسة والطاهرة ،سماء التي فكرت بالإنتحار وهي في السابعة من عمرها لكي تموت بريئة ليس عليها أي حساب وتدخل الجنة،كل هذا التفكير لكي لا تدخل عالم الكبار المحموم بالمغامرات والقرف،
هذه هي سماء أيها المرضى، لكنها كأغلب فتيات بلادي حياتها كلها معاناة لا نهاية لها بسبب الأنظار المسلطة عليها سواء داخل البيت أو خارجه، فالأنثى كما تقول سماء عندما تصل لسن الشباب تصبح هي العدو رقم واحد للمجتمع ولا تسلم حتى من الأهل،
في الأخير أنا رحلت يا سماء، وضعت روحي قربانا لإختفاءك لكي أغلق ملف قضية فقدانك التي سجلها الأهل والمجتمع والشيخ والدولة كجريمة ضد مجهول وكانوا يبحثون عن جاني لكي يضعون أسمه كضحية ليتطهروا بدمه من كلام الناس والمجتمع
جعلت دمي ضريبة مقابل شرف أبيك والقبيلة الذين يعتقدوا أنه لا بد من دم حتى ولو دم مظلوم لكي يظهروا أنهم لم يفرطوا بشرفهم وكرامتهم،
وحتى بعد كل ذلك مازلت أحبك يا سماء وستبقى روحك حاضرة معي في قبري، ستبقى أحلامي بك هي
الوحيد الذي لم يخذلني في هذا العالم المليء بالشكوك والاوهام،
سأحبك حتى الأبد ويوم…