- كتب: محمود ياسين
سألت الطفلة الجار العابر متخفيا خلف نظارته :
هل أن الحياة قاسية هكذا على الدوام أم انها الطفولة فحسب؟
أجاب القاتل المحترف وهو يناولها منديلا تمسح به الدم من انفها:
هي هكذا دائما .
صغيرة متأججة وذكية ، لكنها ضمن عائلة غبية تمضي الوقت على تلك الحالة من الصخب والعنف المنزلي حد تورط الأب في تجارة المخدرات وفي حالة من عنف وفساد الشرطة وانتهى أمر العائلة بمذبحة قادها شرطي فاسد وكانت ماتيلدا خارجا وعادت لتطرق باب جارهم ” القاتل المحترف” ، خطواتها في الممر وادعاء التماسك واللا علاقة بالمكان حتى لا يلحظها القتلة وهي تمر من أمام باب شقة عائلتها وتلمح جسد أبيها ملقى جوار الباب ، خطوات خطوات وهي تحمل البقالة الحليب والخضار وصولا لنهاية الممر حيث يسكن ليون وتضغط الجرس ، ملامحها الخائفة وهي تهمس : open the door please بليييييز
ويتبدى لاحقا كيف تعامل السيناريو مع ثنائية المجرم والشرطي ، حيث القاتل المحترف تجسيدا كليا لفكرة ” البريئ” وقد تركته الشرطة الفاسدة يقوم بتنفيذ عمليات التصفية لصالح متحكم إيطالي استقبله فور وصوله نيويورك ، يبحث عن أبيه وكان هاربا من عملية قتل في بلاده انتقاما لحبيبته ، بقي ينفذ عمليات القتل بسلام وعندما بدأ يحمي الحياة ” ماتيلدا” بدأت الشركة في ملاحقته ، الأمر الذي يحيلك وأنت تتملى ملامح ليون التلقائي حسن النوايا والمنطوي على نفسه قبل ماتيلدا ، يتسكع وحيدا ويذهب للسينما لمشاهدة أفلام كلاسيكية غنائية يجلس في صالة العرض مأخوذا ووحيدا ثم يعود ليمضي أغلب الوقت في صقل مسدساته والتحديق في الجدران ، والحكاية برمتها تحيلك للتفكير في ” ما وراء الخبر والشر ” ، ناتالي بورتمان قدمت من جانبها نموذج المراهقة الذكية والمدركة والخائفة وقد وجدت الرجل الحلم ، الأب البديل والحبيب والمتاح الملهم لانفعالات الجنسانية المبكرة .
هذا الفيلم يجعلك مختلفا ، المشاهد وزوايا التصوير والموسيقى وفي كل جملة رسالة وعقب كل مشهد تشعل سيجارة وتقول : يا للعالم الغريب والمدهش .
أمسيا صديقين بعد ذلك ، ماتيلدا وليون ونبتته كان يحملها معه كلما اضطر لتبديل مكان اقامته .
هي بالطبع كانت قد حاولت إبرام صفقة مع ليون على أن يعلمها القتل لتنتقم لعائلتها من الشرطة وهي تعلمه القراءة والكتابة بالمقابل ، ودون أن تتنبه لكونها بتواجدها معه قد منحته عفوا من الموت وبراءة من القتل وهدر الحياة .
هذا الممثل الفرنسي بارع في هذا الدور ويكاد يتفوق على بقية أدواره كلها وكانت نتالي بورتمان لا تزال في الخامسة عشرة ومن دور ماتيلدا الفاتن العذب حد الغواية دخلت عوالم هوليود بخطوة أولى لا تنسى .
قاتل طيب القلب ومراهقة وحيدة علمته الحب ومنحته سببا للحياة فمات فداء لها ولقلبها الغض ، ويبدو أن بوسعك النجاة وقد قتلت لأجل المال مرارا ، لكن وفي سبيل الحب يختلف الأمر تماما إذ يقترن الحب بالتضحية .
لم يحدد ليون ماهية العلاقة ، ابنته وصديقته والصدفة الرقيقة الذكية والمرحة والهاربة في آن ، لكنها استحوذت على دنياه ولونتها بمزيج من أصابع البراءة والشغف .
قال وهو يدفعها في الفجوة الضيقة التي ستنسل منها هربا إلى الشارع : أنت يا ماتيلدا منحتني حياة ،
كانت تلك المنحة الأخيرة قبل موته بالطبع وقبل أن يصرخ غضبا واستياء وهو يراها تنسل في العتمة الضيقة وكأنها فجوة في جدار الأقدار وهي تلتهم وتخفي كل ما صادفناه ويعز علينا فقدانه وتمسي الحياة بعده مجرد هباء .
عندما استقرت في المدرسة الداخلية بعد ان اخبرت المشرفة انها كانت برفقة قاتل هو اعظم رجل في العالم ،، قامت بغرس ليون في حوش المدرسة اذ غرست النبتة وبدأ صوت ما يغني في نهاية الفيلم :
انا أقامر والعب الورق ليس لأكسب
لكنني ابحث عن اجابات لأسئله.
كنا في منتصف الحكاية قد حظينا بتعريف للحب من شفتي فتاة حاذقة تضع كفها على بطنها مستلقية وهي تقول :
أحبك ليون ،، اشعر ان معدتي دافئة .