- كتب: محمد ناجي
حِمْيَر :
أرض حمير ( أرض حميرم) : وهي في النقوش تشمل كافة المناطق الخاضعة لبني ذي ريدان على غرار عبارة أرض سبأ للكيان السبئي، ويرى المؤلف أنه بالاستقرار( يبدو أنه خطأ مطبعي والمقصود بالاستقراء) يمكن أن تعتبر كل ما هو جنوب نقيل يسلح ،ابتداء من ضاف (ضفو) وحتى البحر من أرض حميرم الكيان المناهض لملوك سبأ ربما منذ سقوط الأسرة التقليدية .ص129.
بحسب المؤلف فإن ذي ريدان لم يتخذوا لقب حمير لمملكتهم لأنهم لم يكونوا في الأساس ملوكا ، وإنما خاضوا صراعا لوراثة عرش سبأ ، بعد سقوط الأسرة التقليدية فيها، منافسين لأقيال سبأ الذين ظهر من بينهم ملوك حمل أغلبهم لقب ملك سبأ وذي ريدان “ولهذا فإن عبارة أرض شعب ذ ريدان التي تعني أراضي قبائل ذي ريدان التي جاءت في نقش من عُلّه في أعالي سرو حمير (يافع حاليا) وتحدث فيه أتباع بني ريدان عن حرب خاضها خميس(أي الجيش) يهقم ملك سبأ ،لدليل آخر على أن بداية بني ريدان كانت بالفعل تحت لقب ذي ريدان”ص130.
ولهذا فالمؤلف يرى أن نفوذ ذي ريدان امتد ما بين ظفار غربا وعُلّه (يافع) شرقا “يمثل في ذاته مؤشرا على سيطرتهم على مناطق هامة لا بد أنها تمتد إلى البحر”ص130.
يرى المؤلف أن لقب ملك سبأ وذي ريدان ربما كان في المرحلة الأولى من تاريخ الكيان الحميري ابتكارا سبئيا، وبعد انكماش سبأ وفقدانها ما كان لها جنوب نقيل يسلح مع ضياع ردمان من ضاف ، وببلوغ ذي ريدان إلى أعلى ضاف شمالي قاع جهران وعلى المعافر وعلى ما كانوا يسيطرون عليه من قبل من مناطق تطل على البحر وخاصة المعافر(الحجرية اليوم)لعله منذ ذلك التاريخ أصبحت مملكة حمير هي الأولى في شبه الجزيرة العربية، وذلك قبل نصرهم النهائي على مملكة سبأ وتوحيدهم تحت اسم مملكة سبأ وذو ريدان ، ثم في مرحلة شمر يهرعش أواخر القرن الثالث الميلادي اتخذت المملكة لقب “ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنة، حين شمل نفوذ حمير كل هذه المناطق في مملكة واحدة…
قتبان وسائر (أبناء عم وأوسان):
أقدم ذكر لقتبان وولد عم وأوسان يعود إلى عهد كرب إل وتر ذمار علي مكرب سبأ ، حين استعاد لها كرب إل أراضيها من تحت يد أوسان ، وأنه أعاد ولد عم إلى مدنهم ،حين حالفوا سبأ. وبحسب افتراض بيرن فلقد انطوت قتبان تحت المظلة السبئية لفترة امتدت حوالي قرن من الزمان. وحين اشتد عود قتبان وضعفت الدولة السبئية ،استقلت ومدت نفوذها على رقعة واسعة ” هي كل مناطق ولد عم ومعها أوسان ودثينة “دتنت” ويافع “دهسم” وتُبن “تبنو” فهذا يستشف من نقوش عدد من حكامها ممن حملوا لقب مكرب ،وقد سعت الطبقة البرجوازية القتبانية إلى امتلاك أراضي في أنحاء ذُبحان والمعافر وعلى مشارف أراضي رعين “رعنن” فقد حققت قتبان “ازدهارا كبيرا يذكرنا بما حققه في وقت متأخر اليزنيون في ظل دولة التبابعة مع بعض الفوارق ، ولا نستبعد أن تكون هناك مواثيق أو اتفاقات قد نظمت العلاقة بينها وبين سبأ”ص145.
حضرموت:
يقول الهمداني بأن حضرموت من اليمن جزؤها الأصغر، وربما يقصد الهمداني كثافة السكان في الهضبة الغربية مقارنة بقلة السكان في حضرموت، وربما قصد كما يرى مقارنتها بالهضبة الغربية والأراضي الواطئة المتصلة بها .
لحضرموت وضع طبيعي أهلها للامتداد شرقا دون أن تخشى منافسة ، كما أن ساحلها الطويل وإشرافها على رملة السبعتين عند مدخل واديها الكبير من الغرب جعلها تتطلع كمال تطلع الجزء الغربي المقابل بممالكه وتكويناته السياسية العديدة ، نحو البحر ونحو السبعتين كطريق للاتصال بالخارج. وامتازت موانيها عن غيرها بأنها الأقرب إلى الهند وكان طبيعيا أن تكون عاصمتها “شبوة”.ص161.
ومعلوم أن النقوش السبئية ثم الحميرية ، خاصة ابتداء من عهد شعر أوتر ،ذكرت الكثير من المواقع الحضرية في سياق عسكري أغلب الوقت. كما أن نقوش الأسرة اليزنية لهي من المصادر الهامة لإلقاء المزيد من الضوء على جغرافية حضرموت التاريخية”ص162.
وحدة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنة:
مرت وحدة اليمن في القرون التي يدرسها المؤلف بالعديد من التحالفات، فحمير تواجه سبأ بتحالفها مع حضرموت وردمان وقتبان، لكن هذه التحالفات لا تأخذ مسارا واحدا ، فهي تتغير بتغير المصالح الاقتصادية ووجود غاز من الخارج ، فحين غزا الأحباش اليمن تحالفت سبأ مع الأحباش ضد حمير ، وكذلك حال حضرموت ثم سرعان ما تغيرت التحالفات ليصبح حليف الأمس عدو اليوم “كما أنه في نفس الإطار يمكننا فهم اشتراك سبأ وحضرموت في حرب ضد حمير( (Clh155.وكان الملك هذه المرة في حضرموت يدعى أب غيلان الذي قد يكون باني ( أو مجدد بناء) سور مدينة ذغليم(Ja2888 )نفس المدينة التي تسمى ذات غيل في النقوش السبئية)ص256.
كانت العوامل الاقتصادية دافعا لحضرموت للاتفاق مع سبأ ضد حمير(ذي ريدان) فلقد كان التكامل الاقتصادي السبئي الحضرمي إلى جانب الدافع العسكري في مواجهة ذي ريدان أساسيا في هذا الحلف الذي انضم إليه الحبشة ، فكان دخول هذا الحلف الثلاثي أراضي ذي ريدان ، وكانت النتيجة أن ضمت حضرموت ردمان ، وثبتت الحبشة أقدامها في تهامة ،موضع قدمها تاريخيا للسيطرة على اليمن ! وسبأ وإن لم تحقق مكاسب على الأرض لكنها أوقفت الزحف الحميري عليها ” لقد جاء الأحباش بهدف إضعاف حمير ، التي ازدادت قوتها الاقتصادية في القرن الثاني للميلاد، والحلول محلها في السيطرة على تجارة الجزء الجنوبي من البحر والقرن الأفريقي وبلاد الزنج( أزانيا)”ص264.
إن إضعاف حمير وما أدخلته لعبة التحالفات من تعقيدات على الصراع بين قطبي الهضبة الغربية هو الذي أجل تحقيق توحيد الكيانين السبئي والريداني ، وإضعاف حمير أدى إلى تعاظم الدور الحبشي في اليمن .
في لحظات الضعف والتمزق يصبح الخاسر هو اليمن الوحدوي ، والغزاة هم الرابحون ابتداء من تسللهم من خلال التحالفات التي تستثمر الصراعات الداخلية وانتهاء برسوخ أقدام الغزاة على المواقع الجغرافية الهامة في اليمن، وفي مقدمتها السواحل والمنافذ البحرية والبرية!
أن التحالفات لا تعرف بوصلتها وجهة واحدة ، فحليف الأمس يمكن أن يصبح عدو اليوم ، والعكس صحيح! وهذا هو شأن تحالفات سبأ وحضرموت مع الأحباش ،فسرعان ما أصبح الخطر الحبشي يشمل حلفاء الأمس ، ويزحف نحو حضرموت وكندة وسبأ ، فما أشبه اليوم بالبارحة!
ليستمر التواجد الحبشي إلى الجزء الأول من عهد شمر يهرعش ملك سبأ وذي ريدان ، ومن خلال توحيده لقوتي سبأ وذي ريدان بكيان واحد استطاع شمر يهرعش أن يطرد الأحباش من تهامة ، وصولا إلى توحيده لليمن ،ويُلقب بـ” ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنه” باستكمال التوحيد مع حضرموت ويمنه ، وإضافتها إلى اللقب المزدوج “ملك سبأ وذو ريدان” كونها القاعدة الصلبة لأي عهد وحدوي…
ويرى المؤلف أن ” توجه شمر يهرعش نحو ضم حضرموت خطوة منطقية بعد نجاح مشروع توحيد سبأ وذو ريدان ودليلا على ذلك النجاح . إنها خطوة ضرورية للقضاء على التناقضات المحلية التي كانت من أسباب طول الصراع القديم. وهي فكرة خامرت من قبل شعر أوتر حين هاجم حضرموت ولكن الظروف حينها لم تكن مواتية. ويعود اتخاذ شمر يهرعش لقب ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنه إلى نهاية القرن الثالث كما يظهر من YMN12المؤرخ بعام 409 حميري /294 ميلادي.”ص284-285.