- محمد ناجي أحمد
لم يكن إغفال ذكر عدن وجنوب اليمن في (الميثاق المقدس) ناتجا عن تجاهل وإنما عن حدود دائرة نضال الأحرار اليمنيين ،المنحصرة بالمملكة المتوكلية اليمنية، وبالتالي فإنني أرى تكاملا في نهج الأحرار مع دعاة الحكم الذاتي ،والتي تشكل إطارها السياسي أواخر الأربعينيات بـ(الجمعية العدنية) وما تفرع عنها …ومن هنا فإن ما يشير إليه الباحث من “صدمة المثقفين العدنيين” لهذا الإغفال، هو من تهويماته ، فلقد كانت مقالات محمد علي لقمان وهي تساند الأحرار تتحدث عن هوية يمنية مغايرة لهوية عدن والجنوب!
يتحدث الباحث عن الشيوعيين اليمنيين وكأنهم قوة منظمة منذ منتصف الخمسينيات ،سواء حين كان عبد الله باذيب عضوا قياديا في(الرابطة) أو حين هرب إلى تعز عام 1959 وأسس فيها مكتب تحرير الجنوب اليمني، وصحيفة الطليعة. فلم يكن الشيوعيون اليمنيون آنذاك قوة منظمة في إطار حزبي .يقول الباحث” في عام 1961انفك عرى التحالف الشيوعي الإمامي بسبب انعدام الروابط المشتركة بينهما سوى رابط محاربة الحركة الوطنية”ص60.
وهذا حكم خاطئ ليس له ما يبرره ولا ما يسنده ،فموقف عبد الله عبد الرزاق باذيب من حركة الأحرار اليمنيين في الشمال ودعاة الحكم الذاتي في عدن يحكمه موقفهم من الاستعمار وليس عداءه للحركة الوطنية كما يزعم الباحث !وحين شعر الإمام بأن صحيفة الطليعة تؤسس لبذور التغيير بما يمس نظام المملكة المتوكلية ،عمل على إغلاقها.
لم يعلن باذيب عن حزب شيوعي، وإنما عن اتحاد جبهوي فهو يعي أن وضع الطبقة العاملة رغم حضورها الفاعل في مسرح الأحداث السياسية منذ منتصف الخمسينيات ،إلاَّ أنها تتسم بالضعف الكمي والنوعي “ناهيك عن تخلف البنية الاجتماعية –الاقتصادية “ص260 جدل حول الثورة.. الوحدة اليمنية…- محمد علي الشهاري.
وبحسب ما كتبه عبد الله باذيب وصاغه في (الميثاق الوطني) لاتحاد الشعب الديمقراطي، فالاتحاد تجمع جبهوي وليس جزبا” وهذا الاتحاد ليس حزبا ،وإنما هو تجمع وطني ،يقبل ويرحب بأي عنصر وطني مستقل ،يؤمن بمبادئ الاتحاد ،ويتبنى الميثاق الوطني” كما جاء في مقدمة الميثاق الوطني للاتحاد.
يتحدث الباحث عن اتحاد الشعب الديمقراطي، وهو يطلق عليه تسمية (الاتحاد الشعبي الديمقراطي)والتسمية بين القوسين كانت تطلق على الاتحاد في الشمال، والباحث لم يلتفت لهذا الفرق في التسمية- يتحدث عن هذا الاتحاد الذي أسسه عبد الله باذيب عام 1961م حين عاد إلى عدن، بقوله” وحاول كاتبو الميثاق إظهار النزعة الوطنية اليمنية على غرار بقية أحزاب الحركة الوطنية الموجودة في الساحة في مناقشة قضايا التحرر والوحدة وغيرها من القاضايا”ص61.
لا شك أن الوحدة اليمنية في فكر عبد الله باذيب ليست فكرة ساكنة ،وإنما متحركة ونامية مع تطور الوعي والصراع الوطني والاجتماعي .فهو بدأ مؤمنا بفكرة الجنوب العربي وحق تقرير المصير في إطاره الجنوبي كهوية لها خصوصيتها بحسب وجهة نظر لها أنصارها ،ثم أصبحت الوحدة اليمنية لديه هي المصير الحتمي لنضال الشعب اليمني الذي يطلق عليه مصطلح(شعب الجنوب الكبير) لتستقر قناعاته بالوحدة اليمنية للشعب والجغرافيا اليمنية الواحدة ،في سياق الوحدة العربية ،كنضال لوحدة الكادحين وطنيا وعربيا وإنسانيا.
لم تكن منظمة الشبيبة التي يقودها عبد الله السلفي (منظمة رفاق السلفي )خارج عباءة “الاتحاد الشعبي الديمقراطي”ص62،فالباحث يرى أنها خارج عباءة الاتحاد، فلقد وقف اتحاد الشعب الديمقراطي مع الكفاح المسلح ،وحين تم اغتيال عبد الله السلفي ،تم حرق مقر صحيفة الاتحاد (الأمل) التي أصدرها عبد الله باذيب عام1965،وتم وإغلاقها قبل أن تكمل العام منذ صدورها ،بسبب مواقفها المنحازة للكفاح المسلح ،وتم رمي قنبلة على مسكن عبد الله باذيب في كريتر في ذلك العام. وبالتالي فإن محاولة الباحث إيجاد تباين في الموقف من الكفاح المسلح بين اتحاد الشعب الديمقراطي وشبيبة السلفي(منظمة رفاق السلفي) والجبهة القومية ،ليس صحيحا ومجاف لحقائق التاريخ …
يرى الباحث أن جبهة التحرير أعلنت بعد اتفاقية الاسكندرية أغسطس 1966 إنشاء تنظيم عسكري ليقود الكفاح ضد الاحتلال البريطاني.ص102.وهو ما نراه خطأ ،فمع اندلاع ثورة 14 أكتوبر 1963م ،والتوجه نحو الكفاح المسلح ،بدأ الانقسام السياسي بين القوى الجديدة التي تؤمن بالكفاح المسلح لدحر الاستعمار ،وكانت حركة القوميين العرب في صميم هذا التوجه ،وبين (حزب الشعب الاشتراكي) الذي ظل مؤمنا بالنضال السياسي ،ولم يلتحق بالكفاح المسلح إلاَّ في مارس من عام 1965،ويؤرخ عمر الجاوي في رسالته المرفقة في كتاب(الاستقلال والوحدة) ليحيى بن حسين العرشي ،وهو الاستبيان الذي شارك فيه عام 1989،ولم يطبع في كتاب إلا في عام 2013-يؤرخ عمر الجاوي لالتحاق منظمة التحرير بالكفاح المسلح بعام 1964م،وكان التنظيم الشعبي قد بدأ مبكرا بالكفاح المسلح بقيادته العسكرية الفدائية مرتبطا شكليا بجبهة التحرير ،لكنه عمليا وتنظيما وعسكريا كان تنظيما ذا بنية وقيادة مستقلة ، يغلب على فصائله التوجه الناصري.
يساوي الباحث بين حركة محمد عبد الوهاب ذات التوجه والمعتقد الحنبلي ،وبين المسار السياسي لمحمد علي باشا.ص107، من حيث نزعه عن حركة محمد علي باشا أن تكون من ضمن البوادر للمشروع القومي العربي ،بحجة أن مؤسسها ليس عربيا، متجاهلا أن الجغرافيا التي حكمها ،موقعا وموضعا قد جعلته عربيا في منطلقاته التوسعية والاستراتيجية ،سواء في تمدده في البحر الأحمر أو في الشام، حتى أن قائد جيوشه ،ابنه إبراهيم باشا كان يردد بأن شمس مصر جعلته مصريا عربيا، وتعكس مراسلاته لأبيه وتقارير القنصليات الفرنسية والبريطانية وغيرها طموحاته في توحيد المنطقة العربية، وهو ما تنبه له الغرب مبكرا فتعاضدوا لإسقاط مشروعه وخنقه في الإطار الضيق لمصر، وتفكيك المصانع التي أسسها محمد علي لخدمة الجيش ومشروعه التمددي ،فتم تحجيم الجيش ،وخنق مصر اقتصاديا حتى لا ينهض المارد العربي ويخرج من قمقمه مرة أخرى…
يتبنى الباحث ما سبق أن ردده الإخوان المسلمين وحزب البعث من أن حركة القوميين العرب صناعة أمريكية ،بدليل أن مؤسسي الحركة من خريجي الجامعة الأمريكية في لبنان ،فيقول في سياق تساؤله عن عدم تكوين فرع للحركة في فلسطين “لكنها لم تعمل على تأسيس فرع في فلسطين رغم ادعائها أنها تمثل جوهر القضية الفلسطينية ،وهذا يثير نوع من الاستغراب والتساؤل ،هل إن هذا التجاهل لتكوين الفرع الفلسطيني مصدره بعض قيادات الحركة خاصة ونحن نعلم أنهم من خريجي الجامعة الأمريكية التي تمولها الحكومة الأمريكية”ص129.
في الأسطر السابقة التي اقتبسناها من الباحث مقدمات خاطئة وحكم جائر، فالحركة كانت تناضل من فرع لبنان والأردن وسوريا ،وتنظم مئات الفلطسينيين ،وتدربهم في المعسكرات السورية لتنفيذ مهمات فدائية داخل فلسطين، ففي عام 1958،منذ بدايات التأسيس تحرك وديع حداد في تنظيم الفلسطينيين الذي يأتون إلى لبنان ،ويعودون إلى الجليل وعكا، ويطلب منهم جمع المعلومات عن الداخل الفلسطيني ،وحين تمكن هاني الهندي وفايز قدورة من الحصول على دعم عسكري من الجيش السوري ،وتدريب عناصر من حركة القوميين العرب في معسكرات حرستا سنة 1985،وفي سنة 1959 أنشأت الحركة (لجنة فلسطين)وأوكل الإشراف عليها إلى جورج حبش وهاني الهندي ووديع حداد وأسامة النقيب وعبد الكريم حمد وأحمد اليماني ،وكان تشكيل هذه اللجنة متناغما مع توجه عبد الناصر وضرورة النشاط الحركي المنظم في فلسطين، وفي عام 1963م تشكلت (قيادة العمل الفلسطيني ) واتفقوا على تجميع الأعضاء الفلسطينيين ،مع بقائهم مرتبطين بأقاليمهم التنظيمية ،وفي عام 1964م مع انعقاد المؤتمر القومي للحركة تمت الموافقة على إنشاء الفرع الفلسطيني كفرع مستقل عن فرع لبنان أو الأردن أو سوريا، رغم معارضة فرع الأردن ،حمد الفرحان والحكم دروزة، ومنذ منتصف عام 1964 بدأ التحضير الفعلي للعمل العسكري المستمر ،وتأسيس جهاز خاص لهذه المهمة برئاسة وديع حداد وإلى جانبه صبحي التميمي وفايز جابر…
هناك العديد من المعلومات الخاطئة والمغلوطة في هذا الكتاب ،فعندما يتحدث المؤلف عن فيصل عبد اللطيف الشعبي وقحطان الشعبي ،يقول بأنهما كانا طالبين يمنيين يدرسان في الجامعات المصرية وينتميان لحركة القوميين العرب، وممن تخرجوا عام 1959.ص146.والحقيقة أن فيصل عبد اللطيف وسلطان أحمد عمر ويحيى عبد الرحمن الإرياني وآخرين هم الذين كانوا عام 1956 يدرسون في مصر ،وتم استقطابهم في ذلك العام إلى حركة القوميين العرب ،وأما قحطان الشعبي فقد كان لاجئا سياسيا في مصر عام 1959 بسبب انتمائه لرابطة أبناء الجنوب ،وقد فٌصِل من الرابطة لأسباب زعمت قيادة الرابطة آنذاك أنها مالية، فقد كان قحطان الشعبي مسؤولا ماليا في الرابطة.
وحين اختلف قحطان الشعبي مع الرابطة استقطبه ابن عمه فيصل عبد اللطيف إلى حركة القوميين العرب عام 1959، وأما دراسة قحطان الشعبي فقد كانت في السودان وليس في مصر ،وقد تخرج من كلية الزراعة أواخر الأربعينيات…
وأما بالنسبة للخلية الأولى في عدن وتعز فقد كان جهدا ثنائيا قام به كلا من فيصل عبد اللطيف وسلطان أحمد عمر ،وليس فيصل منفردا كما يزعم الباحث!
قام الطالب اللبناني إبراهيم العبد الله باستقطاب سلطان أحمد عمر وفيصل عبد اللطيف الشعبي وعبد الكريم الإرياني ويحيى عبد الرحمن الإرياني وآخرون من زملائهم اليمنيين الدارسين في مصر وقتها، كان ذلك عام 1956،وقد عاد فيصل عبد اللطيف الشعبي وتبعه سلطان أحمد عمر في صيف 1958 على نفقتهم لتأسيس فرع للحركة في عدن ،وفي صيف 1959عادوا إلى عدن على نفقة الحركة ،وقاموا باستكمال تأسيس فرع عدن وتعز وصنعاء. والذي قام بدور التأسيس في صنعاء وإنشاء أول خلية للحركة كان يحيى عبد الرحمن الإرياني ،الذي قام باستقطاب مالك الإرياني وآخرين، وبالتالي فليس صحيحا ما يذكره الباحث في قوله “وفي حين أصبح فيصل عبد اللطيف الشعبي قائد التنظيم في المناطق الجنوبية من اليمن ،كان مالك الإرياني قائد التنظيم في الشمال”146. أولا لأن فرع حركة القوميين العرب في اليمن شمالا وجنوبا كان إقليما واحدا، ثانيا كانت القيادة بالتناوب بين فيصل الشعبي وسلطان بحسب ظروف الدراسة والعودة إلى عدن ،ثالثا من أنشأ أول خلية للحركة في صنعاء كان يحيى عبد الرحمن الإرياني …