- محمد ناجي أحمد
يستمر الباحث في زعمه أن الثورة ضد المملكة المتوكلية اليمنية ،والتي يسميها بالمملكة الزيدية –كانت “ضد نظم المذهب الزيدي والعمل على إزالة هذا النظام وإقامة النظام الجمهوري ” ويتجاهل الباحث أو يجهل أن جوهر النظام الجمهوري يؤسس للمواطنة لا لاستهداف مذهبي!
يرى الباحث أن حكومة انقلاب 1948 تجاهلت عند تشكيلها تمثيل الجنوبيين في تلك الحكومة “فكان هذا التجاهل كمؤشر على رغبة سياسي الشمال وتحديدا حركة الأحرار في انفصال مسار النضال السياسي في اليمن بين الشمال والجنوب”ص40.لكن المعروف أن العلاقة بين دعاة الحكم الذاتي في عدن وعلى رأسهم محمد علي لقمان كانوا ضمن مؤسسي حزب الأحرار لكن دون رؤية وحدوية لليمن شمالا وجنوبا، وإنما ضمن ثنائية انفصالية في التعامل مع القضية اليمنية، حتى في تبني صحيفة (فتاة الجزيرة) للفارين من المملكة المتوكلية، وإفراده لمقالاتهم وشكواهم ومطالبهم الإصلاحية للحكم في الشمال، وفي طريقة معالجة محمد علي لقمان لطبيعة الحكم في الشمال، كان يتناولها على أنها قضية إنسانية تتعلق ببلد مجاور لا بكونها قضية يمنية جامعة. ووفق هذه الثنائية كان محمد علي لقمان من ضمن الوفد الذي رافق سيف الحق إبراهيم إلى تعز بعد اغتيال الإمام يحيى حميد الدين، في طريقهم إلى صنعاء ،كان ممن رافق سيف الحق إبراهيم إلى تعز: المحامي محمد علي لقمان ،والأستاذ أحمد محمد نعمان، وحسين الويسي والبراق ومحي الدين العنسي ،والحورش، وحين كان مطار تعز غارقا بالأمطار ،عادوا إلى عدن ومعهم الأمير محمد البدر ،واستقلوا طائرة أثيوبية إلى صنعاء كان الأحرار قد استأجروها…ولوجود رابط بين حركة 17فبراير 1948 وبين الاستعمار البريطاني في عدن وفي مصر ،وحركة الإخوان المسلمين من حيث أن تحركات الأحرار والإخوان كانت ضمن جغرافيات محتلة بريطانيا، لكنني أزعم أن بريطانيا كانت ترقب الموقف وتتغاضى ،وحين وجدت الانقلاب سيصب لمصلحة الولايات المتحدة تغير موقفها نحوه من خلال خذلانها للحركة وتركها تفشل دون تقديم المساعدة .
لقد عرض إمام الحركة عبد الله الوزير منصبا وزاريا على محمد علي لقمان، بل إنه أغراه بتقديم دعوى استرداد (قاع لقمان) بصنعاء، بحجة أنه من ورثة آل لقمان، وهو سيحكم له ولعائلته فيه. بحسب ما أورده لقمان في كتابه رجال وشؤون وذكريات.
يرى الباحث أن علي بن الفضل فك ارتباطه بالدولة الفاطمية ومركزها في سلمية بالشام لأنها تريد تغليب مصالحها على مصالحه وتجعله تابعا فقط ينفذ أوامرها .والحقيقة أن الصراع داخل الحركة الإسماعيلية كان بسبب هوية الإمام، الذي كانت بيعة علي بن الفضل وحمدان قرمط وزكروية وعبدان وحسن الجنابي له، وحين شعروا بتغير في خطابات الإمام الجديد عبيد الله المهدي ،الذي خلف عبد الله بن محمد بن إسماعيل، فشكك الدعاة في العراق والبحرين وكذلك علي بن الفضل في اليمن بحقيقة الإمام ،وقالوا بأن الباب قد استولى على منصب الإمامة لنفسه مستغلا تخفي الإمام عن الأنظار…كان ذلك قبل انتقال عبيد الله المهدي إلى المغرب، وقد حاول المتمردون عليه أن يقتلوه لكنه خدعهم بأن أوهم الجميع بأن وجهته اليمن، ثم اتجه إلى المغرب عند داعيته أبي عبد الله الشيعي، وفي المغرب أسس الإمام دولته الفاطمية بعد أن غدر بداعيته أبي عبد الله الشيعي وأخيه أبو العباس قتلا.
وبالتالي فإن تفسير الباحث لموقف علي بن الفضل من الخليفة الإسماعيلي أبو عبد الله المهدي يعد تفسيرا بأثر رجعي ،وإسقاط لنزعات وطنية تنتمي للقرن العشرين ؛وإن كنت لا أنكر أن النزوع الذاتي للاستقلال عند اليمنيين لديه جذوره التاريخية منذ القدم ،كون اليمن مركزا من مراكز العمران إن لم تكن من مراكز الحضارة.
ليس صحيحا ما يذهب إليه الباحث من أن بريطانيا سهَّلت نقل المتطوعين الفدائيين في حركة 1948م للذهاب إلى صنعاء عبر طائرات أعدت لذلك، فالمتطوعون بحدود (200) فدائي تحركوا مع الأستاذ أحمد النعمان ومحمد الفسيل وآخرون برا إلى تعز ومن تعز إلى إب وهناك صاحبهم في رحلتهم إلى صنعاء القاضي عبد الرحمن الإرياني، وعند وصولهم إلى ذمار كانت الحركة قد سقطت وتم اعتقالهم جميعا وأخذهم إلى صنعاء ثم إلى سجن حجة…
يرى الباحث أن سيف الإسلام عبد الله كان يحظى بالدعم البريطاني ، وكان البدر يحظى بالدعم السعودي ،لكن ما يردده الكثيرون في كتبهم هو ارتباط سيف الإسلام عبد الله بالولايات المتحدة وليس بريطانيا…
الباحث يرى أن فشل انقلاب 1955 سببه وقوف مصر والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية ضده ،لأنه انقلاب مدعوم من بريطانيا ،فالباحث مصر على ربط مصر عبد الناصر من عام 1952إلى 1963 بالسياسة الأمريكية بالمنطقة ،وهو ما يتناقض مع حقائق السياسة المصرية في الوطن العربي. فمحاولة الترويض التي كان ينتهجها كنيدي مع مصر يفهمها الباحث على أن مصر تابعة وحليفة للولايات المتحدة، فالباحث لا يستطيع أن يفهم طرق تعامل الولايات المتحدة مع الدول إلاَّ ضمن هذا التوجه؛ بمعنى أن أشكال الصراع من خلال الترويض والمسارات السياسية لا تفهم من قبل بعض الباحثين إلاَّ أنها تبعية وبيادق في خدمة الولايات المتحدة!
فمصر عبد الناصر وإن باركت للإمام أحمد سقوط الانقلاب ،وأرسلت وفدا للتهنئة برئاسة حسين الشافعي وعضوية فتحي الديب مسؤول ملف حركات التحرر العربية برئاسة الجمهورية والمخابرات المصرية ،وكان الوفد السعودي للتهنئة برئاسة الأمير فهد بن عبد العزيز- لكن فتحي الديب فيما كتبه عن انقلاب 1955 في اليمن يتحدث عن تواصل واتفاق مع المقدم أحمد الثلايا ودعم مصر لترتيب انقلاب على الإمام أحمد، وأن ذلك الوفد برئاسة الشافعي كان للتغطية على الدور المصري في انقلاب 1955م ،وبالتالي فهذا يتناقض مع زعم الباحث من أن مصر كانت حليفا استراتيجيا للولايات المتحدة في مواجهة السياسة البريطانية. فمصر كان لها مشروعها الاستراتيجي والتحرري والقومي المستقل عن السياسة والاستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
يرى الباحث أن حادثة الحوبان بتعز ،حين حدث الصدام بين الرعية والعسكر، بسبب تهجم العسكر على حطب ومزارع الفلاحين بالحوبان- يرى ذلك بأنه نتيجة تحريض مسبق من قائد الجيش الحسن بن علي حميد الدين ،ومدرب الجيش المقدم أحمد الثلايا للجنود بالاعتداء على أملاك القرويين الذين رفعوا شكوى إلى الإمام أحمد يطالبونه بوقف انتهاكات الجيش.ص53.وما يرويه الباحث مجاف للصحة والدقة، فالحادث لم يكن مدبرا وإنما تم استغلاله حين طلب الإمام من مدرب الجيش تسليم الجناة من الجنود، فحدث تمرد للجنود في العرضي رافضين تسليم زملائهم، وهنا تم استغلال التمرد في العرضي بتعز لتنفيذ الانقلاب المتفق عليه والمرتب له سابقا …
يصف الباحث موقف (آل الوزير) المنافس للإمام يحيى والمعارض له في الحكم بأنه “معارضة زيدية” ضمن الثنائية التي جعلها منظوره في التحليل “حكم زيدي/معارضة زيدية” بالرغم من أن بيت الوزير في نهجهم ومواقفهم قد تأثروا بحركة الإخوان المسلمين ولم يعودوا زيدية في نهجهم السياسي والفكري!
يفسر الباحث الموقف السلبي من الأستاذ أحمد محمد نعمان تجاه الرئيس جمال عبد الناصر بأنه يعود إلى تجاهل السلطات المصرية وجمال عبد الناصر للنعمان حين كان في مصر في النصف الثاني من الخمسينيات ،فقد كان النعمان يريد أن يكون التنسيق مع الرئيس جمال لكنه حولهم إلى المخابرات المصرية للتنسيق معهم!
هنا يغيب عن الباحث الموقف الاجتماعي والسياسي للأحرار الذي يختلف عن نهج ثورة 23يوليو ،وبالتالي إلى اختلاف في القناعات والرؤى بين التفكير الإصلاحي لرموز القوى الاجتماعية في اليمن عنها مع رموز حركات التحرر العربي التي بنت ثورتها على فكرة المواطن لا الرعوي. أضف إلى ذلك أن كل معارضة سياسية حين تنسق لإحداث تغيير في بلدانها فإن ذلك يكون مع أجهزة المخابرات كجهاز معلومات واختصاص، لا برئيس الدولة!