- محمد ناجي أحمد
كتاب (حركة القوميين العرب ودورها في ثورتي سبتمبر وأكتوبر 1959-1967)للدكتور إسماعيل قحطان-هو في الأصل رسالة دكتوراه تقدم بها الباحث إلى جامعة عين شمس في مصر ،ويتكون الكتاب من مقدمة وتمهيد وخمسة فصول وخاتمة وقائمة بالمصادر والمراجع، وهو من القطع الكبير، ويقع في (354)صفحة. صدر الكتاب عن: يسطرون – 2020م.
لا يخفى على القارئ المطلع على تا ريخ الحركة الوطنية في اليمن مقدار التحيزات التحليلية والمعلومات المغلوطة التي وقع بها الباحث أثناء دراسته لحركة القوميين العرب ودورها في ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وهي تحيزات وأغاليط تعكس قدرا من الموقف السلبي تجاه شخصيات تلك المرحلة ،اما تضخيما للمدح أو الازدراء والشيطنة لبعضها!
سواء في موقفه السلبي من الرئيس عبد الله السلال أو الرئيس عبد الفتاح إسماعيل والرئيس عبد الرحمن الإرياني والشهيد محمد محمود الزبيري والأستاذ أحمد محمد نعمان، وعبد الله باذيب وآخرون، وبالمقابل نجد تواطؤا مع شخصية الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ولو عن طريق السكوت عن أدواره العديدة والمفصلية في مسار الثورة اليمنية 26 سبتمبر وتحويلها إلى جمهورية المشيخ ،التي أطلقت عليها (جمهورية 5 نوفمبر)والتي امتد حكمها لعقود عديدة ،وصولا إلى حرب 1994 والانتخابات الرئاسية لعام 1999م.وانحيازاته لحمود الجائفي والتي لا تستند لمواقفه وأدواره…وهو ما سنتناوله في حلقاتنا المتعاقبة…
يصف الباحث الحكم في المملكة المتوكلية اليمنية في عديد مرات من صفحات هذا الكتاب بأنه (حكم زيدي )وكانت الموضوعية البحثية تقتضي وصفه لهذا الحكم بالمملكة المتوكلية، فالحكم وإن تأسس على أساس احتكار الإمامة في البطنين إلاَّ أنه في إدارته للسلطة كان حكما وفق مقتضيات السياسة ومتطلباتها لا وفقا للمذهب الزيدي في مواجهة المذهب الشافعي أو الحنفي ،ولهذا فإن ما يزعمه الباحث من أن الشباب الباحث من أن الشباب الثوري كان دافعه للتغيير هو إسقاط نظام الحكم الزيدي ليس صحيحا ،فالتغيير الذي أراده تنظيم الضباط الأحرار لم يكن لإسقاط طائفة أو مذهب جهة جغرافية وإنما لتحقيق أهداف الثورة اليمنية ،وفي مقدمتها إقامة نظام جمهوري عادل ،وإذابة الفوارق بين الطبقات ،تحقيقا لمبدأ المواطنة وإحلاله محل (الرعوي)وتحقيق الوحدة الوطنية ،وإقامة مجتمع تعاوني أساسه تكافؤ الفرص بين الجميع، الخ.
وقد كان الضباط الأحرار يمثلون جميع الشرائح اليمنية من أبناء طبقة السادة والقضاة والفلاحين والمهنيين ؛واصحاب الحرف التي ينظر لها طبقة السادة والعرف القبلي نظرة ازدراء واحتقار…
لهذا فإن إصرار الباحث على تسمية المملكة المتوكلية اليمنية بأنها “الدولة المتوكلية الزيدية” ص10-يُعدُّ موقفا أيديولوجيا لا وصفا علميا.
وحديثه عن رفض استلام الإمام يحيى حميد الدين للمناطق الجنوبية من الأتراك لم يكن طرحا موضوعيا، فأولا :لم يعرض الأتراك على الإمام يحيى سوى لحج وبعض المحميات الغربية، من خلال القائد العسكري سعيد باشا، الذي تورد كتب التاريخ كيف تعاون مع الاستعمار البريطاني في عدن أثناء التسليم لها بما يعكس خيانة في العرف العسكري!
ثانيا: لم يكن الإمام يحيى قد سيطر على إب وتعز ،وقد كان احتشاد مشايخ (قائمقامات تعز وإب) في مؤتمر عقد في العماقي وسمي (مؤتمر العماقي) في الجند بتعز، من أجل الاستقلال بحكم ذاتي مستقل عن الإمام يحيى ،لولا تناقضات المصالح والتنافس على الزعامة بين المشايخ هو من أفشل الهدف من انعقاد ذلك المؤتمر، فقد كان السلاح الذي سلمه سعيد باشا لمشايخ المخا وجبل حبشي وماوية والحجرية كفيلا لو اتفقوا على زعيم من بينهم على أن ينفصلوا بتعز وإب تحت سلطة حكم ذاتي أو كامل السيادة ،لكن ذلك لم يحدث،و بسبب ضيق أفقهم المناطقي سقط مشروعهم الانفصالي…وأما حضرموت والمحميات الشرقية فقد كانت تحت قبضة السلاطين والاستعمار البريطاني بعدن. فهل بإمكان الإمام يحيى أن يتمدد نحو جنوب اليمن ونفوذه لم يمتد تعز وإب و البيضاء ومارب ؟
يحيل الباحث عوامل التمزق والانقسام والحروب في تاريخ اليمن في العصر الإسلامي حتى القرن العشرين إلى مبادئ المذهب الزيدي وإلى العنصرية في تعامل الحكام مع اليمنيين ،مما أدى إلى رفض بعض القيادات المحلية من أبناء اليمن لهذا الوضع، فأعلنوا استقلال بعض المناطق عن الدولة المركزية منذ عام 1072.ص11.
وهنا نتساءل: هل كانت الانقسامات والصراع على السلطة بين علي بن الفضل وابن حوشب ،والصراعات داخل الدولة الصليحية والدولة الأيوبية والطاهرية سببه مبادئ المذهب الزيدي والعنصرية أم أن ذلك من طبيعة وجوهر الدول والدويلات في عصور الإقطاع وأشباه الإقطاع؟
عوامل الضعف والتمزق عديدة ،منها ما يتعلق بالتنازع على السلطة كونها إقطاعيات ،أو وجود تهديدات ومطامع خارجية تعزز من حالة الضعف والانقسامات، فالدور الخارجي لا يقل أهمية عن الدور الداخلي ،بل نجدها أحيانا مترابطة تستدعي بعضها بعضا. مع عدم إهمالنا أن مبدأ الخروج على الظالم في المذهب الزيدي قد جعل الخروج من أساس الدين، مما ساعد على استدامة الصراع على السلطة وعدم الاستقرار، لكن تاريخ اليمن القديم والوسيط والحديث كغيره من تاريخ الشعوب مر بسلسة الحروب والتكالب على السلطة ،كونها إقطاع يخص دمشق أو بغداد أو يخص الطامحين المحليين بالحكم…
يرى الباحث أن الإمام يحيى “بموجب المعاهدتين التي وقعها مع بريطانيا والسعودية عام 1934م تنازل عن الحقوق السيادية لبلده ،كما ليس له الحق في الادعاء والمطالبة بأي جزء باسم الوحدة اليمنية “ص15.وهذا قول فيه الكثير من الخطأ، فالمعاهدتان كانتا مزمنة بعشرين سنة مع السعودية وأربعين عاما مع بريطانيا ،مع اشتراط عدم تغيير في المحميات الشرقية والغربية ،ولهذا حين عملت بريطانيا على إقامة اتحاد إمارات الجنوب العربي اعترضت المملكة المتوكلية اليمنية وقدمت شكوى لدى الأمم المتحدة مبررة ذلك بأن الاتحاد الزمع إقامته يتناقض مع اتفاقية الهدنة الموقعة مع الاستعمار البريطاني والتي تنص على بقاء الأمر كما هو عليه دون تغيير جغرافي أو سياسي.
وكذلك الحال بالنسبة لاتفاقية الطائف لو كانت نهائية لما ظلت السعودية تطالب بتحويلها إلى اتفاقية حدود نهائية ،ولما أسقطت حكم الرئيس عبد الرحمن الإرياني لأنه لم يوافقها على ذلك وظل يماطل حتى تمت إزاحته ونفيه إلى سوريا. بل إن قرارات الأمم المتحدة بتصفية الاستعمار بعد والمحميات كان بناء على شكاوى وطلبات المملكة المتوكلية في عهد الإمام أحمد…
يصف الباحث موقف جمال عبد الناصر من حلف بغداد بأنه جزء من الموقف الأمريكي ،الذي يريد أن يحل محل بريطانيا في المنطقة ، والباحث هنا يرى أن مصر عبد الناصر والسعودية حلفاء للولايات المتحدة وسياستها في المنطقة ،وفي هذا افتئات على توجه مصر عبد الناصر الرافض لمبدأ الأحلاف الغربية في المنطقة العربية، سواء لجنة الشرق الأوسط أو حلف بغداد أو مبدأ إيزنهاور والأحلاف الأمريكية في المنطقة…
يرى الباحث “أن الوضع السياسي الذي عاشه اليمن على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مرده المذهب الزيدي الذي يقوم على مبادئ استعلائية وعدائية تستند إلى الحق الإلهي لبني هاشم من دون الناس” لكننا حين نعود إلى تلك المرحلة نجدها كغيرها من الأنظمة الإقطاعية وشبه الإقطاعية في الجزيرة العربية تستند إلى نظرية الحق الإلهي ،سواء القرشية أو في بيت من بيوتها؛ أي أن الأمر يتعلق بطبيعة الأنظمة الإقطاعية وشبه الإقطاعية التي ترى التفويض الإلهي أساس الحكم ،والحاكم حارس لها!
يُسقط الباحث حقائق التاريخ حين يزعم أن الأئمة الزيديين في العصر الحديث تمكنوا من الحكم بدعم من الأتراك.ص23.فالحروب العديدة التي شنها الأتراك في القرن التاسع عشر وإلى انسحابهم من اليمن في نوفمبر 1918م تؤكد خطل مثل هذا الرأي وخطئه.