- عبدالكريم الرازحي
الجو في عدن يغري بالمشي كنت أمشي يوميا في طريق البحر وكانت خطواتي وأنا أمشي تتناغم مع إيقاع الموج وإيقاع صوت البحر
ويوم الاثنين الماضي الساعة الخامسة والنصف قلت للصديق فكري قاسم الذي كان قد عزمني على غدا في بيته وعلى تخزينة مع البحر في البريقة
اقدم أنت والاخوة بالسيارة وأنا سوف أعود سيرا على قدمي
كان البحر قد رفع معنوياتي إلى السماء وكنت أشعر حينها بان بمقدوري أن أمضي سيرا على قدمي إلى الطرف الآخر من العالم
وقبل أن أبدا رحلتي مررت على مقهى وطلبت واحد شاي عدني لكن الشاي الذي قدموه لي لم يكن شايا عدنيا كان مسكّرا أكثر والحليب فيه أقل ومن أول رشفة شعرت بنفور وقلت المباشر وأنا أعيد الشاي اليه :
- هذا مش هو شاهي عدني
لكنه أصر بأنه عدني
قلت :خلاص مافي داعي للنقاش شاهي عدني أو مش عدني خذه وخذ قيمته وناولته ثمنه ومشيت وكانت الشمس حينها تغطس في بحر البريقة وتنطفئ مثل جمرة
وحين بدا الظلام يزحف ويحيط بي بدات المخاوف والهواجس تزحف نحوي بعدئذ وقد أطبق الظلام وخوفا من السيارات المارة خرجت من الرصدة ومشيت في الطريق الترابي ورحت أواصل المشي بخطى سريعة وكان الخوف بمثابة وقود يزيد من سرعتي لكن بسبب الظلام لم أكن أر الطريق أمامي بوضوح وكثيرا ماكنت أتعثر واقع أو أصطدم بكثبان رملي لكن أفضع ماحدث لي هو أني دست على كلب كان نائما في حفرة له وكان آمنا حتى اننا من شدة الرعب صرخنا معا هو صرخ مرعوبا مني وأنا صرخت مرعوبا منه
بعد ئذ ولشدة الخوف الذي أعتراني قلت أفتح تلفوني واتصل بشخص يواسيني ويرافقني بصوته ويبدد وحشتي وكان إن اتصلت ب عبدالحليم سيف وهو صديق وزميل والخوف قاسم مشترك بيني وبينه لكنه في صنعاء وأنا في عدن
وأول ماانفتح الخط انفتحت حفرة تحتي ومن الخوف اطلقت صرخة رعب لكنها كانت اقل حدة من تلك التي اطلقتها حين دست فوق الكلب وحين سالني عن سبب تلك الصرخة التي اطلقتها اخبرته بالمكان الذي انا فيه وبالهدف من اتصالي به وقلت له :
-انا في طريق البريقة ياحليم الدنيا ظلام وانا خايف وقد اتصلت بك لاجل تبقى معي وتوانسنا بالكلام
لكني وقد فتحت الحديث معه كنت كأني افتح مصدرا آخر للخوف وكان ان صبت مخاوفه عليّ في مجرىمخاوفي واذا بطين خوفي المبلول يزداد بلّة
وبعد ثلاث ساعات من المشي وجدت نفسي قرب نقطة امنية
نظر العسكر الي وهم في دهشة وقال احدهم يسالني :
-ليش تمشي في الظلام ليش ماتركب
قلت :هناك حديث عن نبينا صلوات الله عليه يقول :استعينوا على كبركم بالمشي
وعندما طلب مني ان ابرز بطاقتي فتحت حقيبتي لاخرج البطاقة لكن البطاقة لم تكون موجودة في الحقيبة ولا ادري كيف واين اختفت
كان الرعب الذي تملكني لحظة اكتشفت ضياع البطاقة اشد واعظم الف مرة من الرعب الذي ساورني لحظة دعست فوق الكلب
لكني هذه المرة ورغم شدة الرعب لم اصرخ الذي صرخ هو العسكري
لقد راح يصرخ فوقي ويوبخني لكوني امشي لوحدي وفي الظلام و من دون بطاقة بعدئذ داخل قلبه شيئ من الرحمة وسمح لي بالعبور لكنه نصحني بأن أركب في أول حافلة تعبر غير أني لم أعمل بنصيحتة
كانت الباصات والحافلات تقف لي لأركب وأنا أرفض وقد تناهى إلى سمعي قول أحد الركاب :
-هذا باين عليه مجنون
وبالفعل كنت مجنونا ب عدن بالذكريات شي والذاكرة تتوهج وكلما مشيت أكثر أزدادت الذاكرة توهجا
وكانت عدن في ذاكرتي أجمل بكثير من عدن الأمس وعدن اليوم
فيما كنت أتقدم وسط بحر من الظلام رأيتني وسط دائرة من الضوء تحيط بي
كان الضوء المنبعث من يسار الرصدة يلاحقني ويرصد حركتي ويتبعني ويقتفي أثري مثل وحش
وكان ان سرت قشعريرة رعب في جسدي
إذ لأول مرة في حياتي- أنا الذي أمشي باتجاه الضوء – اصادف ضوءا يدخل الرعب الى قلبي
قال لي أحدهم فيما بعد انه ضوء صادر من مبنى تابع لقوات التحالف وأن الحظ كان حليفي لأني نجوت منه
كانت الاضواء التي رايتها تسطع في البعيد والتي ظننتها اضواء كالتكس هي اضأمأخء مدينة الشعب
وقد داخلني شعور بالاطمئنان عند وصولي اليها ومنها رحت أواصل السير إلى مدينة اسمها :انما ومن بعد واصلت المشي إلى جولة كالتكس ومنها إلى مدينة كريتر وبعد وصولي الى كريتر ذهبت إلى مطعم المجد وهو مطعم قديم كان يملكه المرحوم عبده سعيد مكرد من قريتنا كما أمه المطعم الوحيد الذي تأسس في عهد الاستعمار وعاصر كل العهود وصمد كل هذه السنوات
تعشيت فيه وبعد العشاء ذت تاكسي وعدت إلى فندق أوركيد في ساحل أبين وكانت الساعة حينها الحادية عشرة والنصف
في اليوم التالي اتصل بي الزميل علي السقاف يبلغني بأن بطاقتي موجودة معه أما كيف حدث انها معه فقد قال لي :
- لقد سقطت من حقيبتك ووجدتها بعد نزولك من السيارة