- د. أحمد المخلافي
الحروب هي ظاهرة اجتماعية ذكورية منذ أقدم العصور، تنعكس آثارها مباشرة على النساء والأطفال.. فغياب الذكور (الآباء والأبناء الكبار) بسبب الحروب والعوامل المرتبطة بها أو بنتاجها، يعني انقطاع مصدر رزق عائلاتهم، واقتلاع الأسر من منبتها ومساكنها، وتمزق النسيج الاجتماعي، وما يلحق ذلك من النزوح الفردي والجماعي، الأمر الذي يضفي مزيداً من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والعاطفية على النساء، ويصبحن أكثر عرضة للتهميش والفقر والمعاناة الناجمة عن النزاع المسلح بسبب نوعهن الاجتماعي.. فحيث لا تتمتع المرأة بوضع متكافئ مع الرجل في أي مجتمع، وحيث تسود ثقافات العنف والتمييز ضد النساء قبل نشوب الصراع، فإنها تتفاقم إثناء الصراع.. مع أن النساء عموماً، يقبلن على أعمال السلام ومقاومة العنف المسلح، فيشاركن في التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات لأجل السلام، والعمل مع المنظمات الاجتماعية لتحقيق السلام ونبذ الحروب والعنف.
وهنا يبرز تساؤل مفاده: هل النساء أكثر ضعفاً من الرجال أثناء النزاعات المسلحة، والأكثر تأثراً بنتائجه؟!!..
ترتبط الإجابة بـ: بنعم، ولا في آن معاً.. فالنساء قد لا يكن أضعف بالضرورة، لكنهن أكثر عرضة للتهميش والفقر والمعاناة الناجمة عن النزاع المسلح بسبب نوعهن الاجتماعي.. فبالرغم من أن المجتمعات بأكملها تعاني من آثار النزاع المسلح والإرهاب، إلا إن النساء والبنات يتأثرن بشكل خاص بسبب مركزهن في المجتمع وجنسهن.. فحيث لا تتمتع المرأة بوضع متكافئ مع الرجل في أي مجتمع، وحيث تسود ثقافات العنف والتمييز ضد النساء قبل نشوب الصراع، فإنها تتفاقم إثناء الصراع.. ويشكل كل من النساء والأطفال غالبية الضحايا إجمالا.. وأغلبية اللاجئين في العالم، والغالبية من المشردين داخلياً..
إذ تلاقي النساء والفتيات المدنيات، مثلهن مثل الرجال، حتفهن أثناء الصراع المسلح، ويجبرن على النزوح، ويتعرضن للإصابة، ويفقدن موارد رزقهن.. ولكنهن يعانين أكثر من الرجال، فأثناء النزاعات المسلحة تتعرض النساء والفتيات لجميع أشكال العنف، ويصبحن أكثر عرضة للأذى النفسي والعنف الجسدي والجنسي، وتتحمل النساء عبء السعي لتدبير المعاش اليومي لأسرهن، مما يؤثر تأثيراً بالغاً على حياتهن، فمثلاً: من حيث تغير الدور الاقتصادي والاجتماعي، وتفكك الأسر، والعمل في التسول والدعارة، والقيام بأعمال شاقة يؤديها عادة الرجال مثل الزراعة وتربية الماشية ورعايتها، والهجرة إلى المدن لأجل العمل فيها.. كما تقل فرص الزواج وتزداد العنوسة، وتقل فرص المرأة في اكتساب مركز اقتصادي واجتماعي، لأن الزواج هو السبيل الوحيد أو الأكثر أهمية لتحقيق ذلك.
فالترمل يغير الأدوار الاجتماعية والاقتصادية للنساء في البيت والمجتمع المحلي، كما يغير من بنية الأسرة، وينال من الأمان الشخصي للنساء ومن هويتهن وقدرتهن.
وتعاني زوجات المفقودين من المشكلات التي تعاني منها الأرامل، ولكن دون اعتراف رسمي بوضعهن، وهو ما يخلق لهن مشكلات معينة.. فضلاً عن معاناتهن من ندرة الخدمات الأساسية، حيث يعتبر الحصول على الغذاء والماء والدواء في حالات الحرب من التحديات الرئيسية التي تواجه المجتمعات، بسبب التهديد والنزوح وعدم الشعور بالأمان وفقدان مصادر الماء والغذاء، لتغدو مقاومتهن للأمراض هزيلة وهشة، ويزيد الدور الإنجابي للنساء من تأثرهن بنقص الغذاء أو عدم ملاءمته، فهن يحتجن إلى قدر أكبر من الفيتامينات والمعادن، ونقص التغذية عند الحوامل يمكن أن يؤدي إلى إنجاب أطفال مرضى أو ناقصي الوزن.. وتتفاقم المشكلات الصحية أثناء الحروب والنزاعات المسلحة، وتكون الأوضاع الصحية غالبا في مناطق النزاع بائسة.. وفضلاً عن مصاعب الحصول على خدمات طبية معينة في وقت الحرب، فقد تواجه النساء مشكلات خطيرة في العناية الطبية العامة نتيجة التفرقة في المعاملة، وربما تعرضت النساء للاستغلال فيتعرضن للابتزاز والإيذاء..
ونتيجة لمشاركة الرجال في الحروب يضاف إليهن تحمل أعباء أسرية مضاعفة والقيام بدور المعيلة للأسرة وتلبية احتياجاتها المادية والاجتماعية دون أثر لأي دعم مادي أو نفسي أو اجتماعي.. وفي كثير من الأحيان تواجه النساء الأرامل أو زوجات المفقودين أو النساء غير المتزوجات صعوبات في الإجراءات القانونية لملكية الأرض وإدارتها والتفويض في التصرف بها، وقد يحظر عليهن التملك والاستئجار وتوقيع العقود.. وقد تتحول الملابس أثناء النزاع المسلح إلى ترف تتوارى أهميته خلف الكفاح لأجل البقاء، وقد تصبح سلعة نادرة يصعب اقتناؤها!
تأثير الحروب على الأمن النفسي وفقاً للنوع الاجتماعي:
من أبرز أعراض تهديدات الأمن النفسي الذي تعيشه النساء والأطفال ضحايا النزاعات المسلحة:
تذكر حدوث تفجيرات، أو قتل أحد أفراد العائلة، أو تهديم منزل، أو النزوح، والتي تعد من أبرز عوامل الصدمة، وتولد مضاعفات نفسية، يمكن إيجاز أبرزها في الآتي:
- الصدمة الناجمة عما حدث: ومن أعراضها، هياج ـ كوابيس ليلية ـ قلق دائم ـ عدم الشعور بالاستقرار (تشتت أفراد العائلة أو الانفصال عنهم)، ما يولد تهديداً للطمأنينة القاعدية، التي هي بمثابة الأرضية التي نقف عليها، الأمر الذي يضاعف من صعوبة تطوير صحة الإنسان النفسية، وخاصة لدى المراهقين، مع شعور بانسداد الآفاق المستقبلية وإمكانية الموت، وهذا الشعور يجعل الضحية يعيش بالـ (هنا، والآن)، وأن المستقبل كعصفور على الشجرة، غير مضمون.
- محاولة نسيان الصدمة والرغبة في الانعزال (تجنب الاختلاط مع الآخرين): وتؤدي إلى: ميول اكتئابية ـ تشتت في الانتباه ـ تغير عام في السلوك ـ وانشغال داخلي، ومحاولة تكيف وتأقلم مع الضغط النفسي: صلاة، بحث عن دعم اجتماعي.
- تذكر ما حصل من صدمات والخوف من التكرار: يولد شعوراً بزيادة القلق وعدم الاستقرار ـ تراجع القدرات الذهنية ـ عدم الانتظام في متابعة الواجبات المدرسية ـ التسرب المدرسي ـ الإدمان، إلخ.. بالإضافة إلى أن فقدان المعيل يولد صعوبات اقتصادية، وتصدعاً وتفككاً أسرياً، وخاصة في حالات النزوح.
- الاكتئاب والقلق وأعراض عدم الارتياح العام: ينتج عنه تأثير سلبي لمشاهدة العنف في التلفزيون ـ الاهتمام بالعبء الأسري بعد فقدان أحد أفراد الأسرة أو مرضه ـ انعكاس الضائقة المالية ـ طلاق وزواج ثانٍ .. الخ. وبالنسبة للأطفال: عدم التمكن من اللعب خارج المنزل، وعدم توفر الأنشطة الترفيهية.
- ظهور نوع من العلاقة السلبية مع الأهل: عدم تأمين الحماية، جو أسري متوتر، تبادل العنف الجسدي (الضرب) بين أفراد العائلة ـ فقدان المساعدة في مذاكرة الدروس، وازدياد المسئوليات المنزلية.