- حسن الدولة
ستظل مسالة الحكم هي مكمن ضعف الدين الإسلامي وما اصدق ذلك الاثر المروي عن الرسول عليه وعلى آله وصحبه المنتجبين المحقين افضل الصلاة والسلام ” لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة أول نقضها الحكم ” ونحن في هذا الصدد سنتناول شعارين متقابلين هما: الشعار الذي اختلقه الإخوان المسلمين لأول مرة في الإسلام وهو” الإسلام دين ودولة” وشعار الدولة المدنية “العلمانية” الذي يقول: الدين لله والوطن للجميع. باعتبار أن هناك إجماع بين الفقهاء على أن الشارع اعتبر الأمور السياسية أموراً دنيوية،والناس يشرعون لتنظيم حياتهم حسب ظروف ومستجدات ووقائع ونوزال عصرهم فقال اعز من قائل :”لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا” فقال سبحانه “جعلنا منك” ولم يقل “جعلنا لكم” ليؤكد ان البشر يشرعون لأنفسهم القوانين وفقا للخطوط العريضة للدين الذي يامر بالعدل والاحسان…إلخ. اي ان الدين ترك أمر الدنيا للناس، كما قال الرسول يوماً: “أنتم أدرى بأمور دنياكم”. وانطلاقاً من ذلك، فإن التجويز الشرعي لآلية الغلب هو تجويز اعتمد على التأويل بناء على مبدأ “درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة”، وليس على نص هو ليس موجوداً أصلاً. ومن ثم فهو تجويز لآلية دنيوية على أساس من مصلحة دنيوية أيضاً.
وأما شعار الإسلام دين ودولة، فهو ذو هدف ثيوقراطي كنسي يجب أن يراجع لأن الدين من الثوابت والدولة من المتحركات، أي أن المساواة بينهما تمنع حركة المجتمع واستيعاب المستجدات. الصحيح في هذا المجال أن يقال: الإسلام دين ومقاصد اجتماعية، إن الإسلام محمول عقدي وثقافي مطلوب لإلهام الجماعة وحفظ تماسكها، ورقيب ذاتي داخلي للمسلم كشخص طبيعي اما الدولة فهي شخص معنوي لا دين له أي انه وسيلة لإدارة أمور الحكم.
وشعار الدين لله والوطن للجميع، إذ يعني الاهتمام بالمصالح المدنية للجماعة الوطنية ينطلق من حقيقة موضوعية، على أن لا يكون للدين، لاسيما الإسلام، دور في هذا الجانب. بينما الإسلام يمنح بُعداً روحياً وأخلاقياً لتلك المصالح المدنية.
بناء على هذه المفاهيم ينبغي أن تجري الحركات ذات المرجعية الإسلامية مراجعات، كما تجري الحركات ذات المرجعية العلمانية مراجعات، وتصاغ معادلة جديدة توفق بين التطلع الإسلامي والمساواة في المواطنة وحرية الأديان.
والقرآن موجه للإفراد والجماعات بل للإنسان بصورة عامة ” يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه” وان الدنيا دار ابتلاء للإنسان “هو الذي خلقكم ليبلوكم أيكم أحسن عملا “.
و العلمانية بما هي حياد الدولة تجاه الدين هي أكبر ضمان للمتدينين وتجنب الدين من التفسيرات السلطوية المعتسفةالتي تسيء للدين وتفسد السياسة، وهي أيضاً البيئة الأفضل لمواجهة الكراهية والتطرف، ويفترض تبعاً لذلك أن يكون النضال والعمل الإصلاحي متجهاً أساساً على وقف الدور الحكومي بحسناته وسيئاته في التعليم الديني وفي إدارة الشؤون الدينية وتنظيمها، وأن يترك ذلك للمجتمعات، والدولة تقوم برعاية كل المذاهب على قدم المساواة، وجوهر الحكم بما انزل الله هو الحكم بالقسط أي العدل المطلق بحسب النوازل والحوادث والمستجدات والمتغيرات في كل زمان ومكان من اليوم إلى يوم الدين وهو وقائع ونوازل لانهائية، ويتفق الناس على شرعة ومنهاجا لكل قوم وحسب الأمم قال سبحانه:”لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة …” مؤكد أن هذا الاختلاف والتنوع في الشرائع تقتضيه اختلافات الأمم ولو شاء لجعل البشر أمة واحدة، وبما أن النوازل لا تعد ولا تحصى فان كل حكم يدور مع العلة وجودا وعدما ، فإذا وجدت العلة وجد الحكم وإذا غابت غاب الحكم ، ويتجه الجدل والتنافس حول الموارد والخدمات وتنظيمها وتعظيمها. وهذه الدبلوماسية الإلهية الحقيقة أو هدية الله إلى البشر ليعيشوا في سلام!
وحين نتفق على الدولة المدنية التي ترعى كل المذهب وتحمي المتدينين من بغي بعضهم على بعض بل وتقوم بتوزيع منابر الجوامع بين المذاهب على قدم المساواة وتمنع فرض اي مذهب مذهبه على الناس بالقوة، فحينئذ سوف نعمل بأمر الله سبحانه وتعالى الذي أمرنا أن نقاتل من من يفرض مذهبه أو دينية على الناس أو أن يفرض نفسه قيما على دينه فقال اعز من قائل: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)
ففي ظل الدولة المدنية لا تجنيس ولا تفسيق ولا تكفير الدين لله والوطن للجميع.