.
- محمد الشرجبي
إن صادفك يومَ أنْ أُجن ياحبيبتي، فلا تشاركيهم الضحك ولا تلقي عليّ الألغاز، أو أن تحوليني إلى أضحوكة، لا تنادونه، نعم لا تنادونه، إن حصل وأتى، سيقرأ علي القرآن وستكون نهاية كرامتي وانسانيتي، حينها سيتحدثون نيابةً عني، سيتحدث الأب أولًا وستتبعه الزوجة من ثم الولد، سأنهق حينها وسأعوي وسأنبح وقد ربما يحول وجهي لوجه قط بري وسأصدر مواءً وستنبت لي مخالب، وسيتجول النمل في جسدي وسيأمر النمل بالرحيل وسيصرخ بهم “أخرج ياشيطان”، سأخبط حينها على الأرض وسأفترس الهواء كالذئب والكل ساكن هامد أمام هيبتي، سيطلبون الملح والماء سيخلطونه وسيرشونه عليّ، الملح حينها يرعبني لأصرخ أكثر ولأعوي ولأخور، سيطلب سكيناً وسيضربني بها وسيسنها أسفل عنقي تهديدًا له، سيرفسني بقدميه وسيغرس أظفاره في بطني، سيلكمني في شقي الأيسر وسيدّعي أن الجن مختبئون هناك تحت الرئة.
كل هذا و لا تتخذيني أضحوكة ياعيوش، بل أنهم سيسألونني “من أرسلك؟” وسيرتلون “واتبعو ما تتلوا الشياطين، من أرسلك، بعظمة الله ورسول الله اعترف”، سأبدو على حقيقتي حينها وسأمثل ثلاثة أدوار، الأب، الأم والولد، سأُحكم الأدوار وكأني على خشبة مسرح، سأختار طبقة غليظة صوتًا للأب وطبقتين حادتين للأم وولدها، وكلما سألوني أن أسلم أو أكبّر، أرفض تارةً كأم وأقبل كولد وألعن كأب، كل هذا وأطلب منك ألا تتخذيني أعجوبة أو أضحوكة.
سيحمر وجهي وعيناي و سأمتد وسأتشنج وسأضرب، سيجتمون عليّ يكبلونني ويلعنون يوم مولدي ساعة وآخرى يشتمونني، وهذا لا يمنعني أن أبدل بين الأدوار بإتقان، مثلًا أن آؤمن وألفظ بالشهادتين فينتصروا؛ فيصرخ الأب بولده داخلي “لماذا آمنت؟لا لا لا، لا تفعلها”، سيجتمع أهل الحي كلهم وستجدينهم يستعيذون مني ويرتجفون فزعًا، فساعة يبكون خوفًا وساعة يلقون النكت ويقهقهون وساعات يدخنون، سيطلب الكاهن الأعظم عندها من الحاضرين أن يقعدوا بشكل دائري ويضعونني بمن في داخلي في الدائرة وليطوقو على خناقي، سيخنقونني بأيديهم صارخين “اخرج منها ياملعون” أو سيضعون أعقاب السيجارة في عيناي كي يصيبونه بالعمى، وسيظل يردد “اخرج وإلا أحرقتك”، سيؤذن في أذناي سأتألم سأصرخ، “أه لا تخنقني لا تقتلني لا تحرقني”، سيجيب عليّ “يايهودي ياكلب” وسأحنق حينها، فجأة فجأة سيبدأ فيلم الرعب بالتلاشي وسيتحول من رعب درامي إلى كوميديا ساخرة، فجأة ستجد الجميع يضحك ويقهقه وهذا يلطم وهذا يصفع وهذا يركل وهذا يلعن ويشتم، وفجأة آخرى سيبدأ التوهان، سأتوه بين نفسي وأدواري سأفقدني وسأخلط خلطًا كبير بينهن، ستتنامى قدراتي في التمثيل وتسلية الحاضرين، وسيمتلى المكان بأعقاب الدخان وثقل الحاضرين “كافر اخرج”، سيقولون لكِ أن في داخلي ثلاثة أرواح شريرة وأن الدخان والملح سيقضيا عليها، لذا تريهم ينفخون مداخنهم في وجهي ويذرون الملح، سيفشلون حتمًا وسأفشل في إقناعهم بأن الولد قد أسلم لذا سيدعون بشبشب أخضر يدعون انهم سيكسرون شرفي به، وسيشبعون جبيني صفعًا وستتعالى الضحكات.
سأستعيد وعيي قليلًا سأتساءل حينها أين أنا، وبأي أرض محشر بعثت، سأرى الجميع حولي و قد أتوا لخلاصي، الأعداء والأحباب، سأتنهد ياحبيبتي وسأقول: “أوه يا شماتة الأعداء وياكمد الأحباب” وسأعاود الجنون، سيبدأون بلعني وبلعن قبيلة الجن التي انحدرت منها. “إن الجن والشياطين لفي جهنم داخرين في الدرك الأسفل جامدين لا ينالهم فيها رحمة أو حنين” سأصرخ معترضًا: “البشر إن البشر لهمُ الضالون”، إن حصل كل هذا ياعيوش فلا تصدقي شيئا، ناديني أمي وحسب، لترتل على مسامع الجميع جملتها المقدسة، “ارحموا من فقد عقله ولا ترحموا من مات”، هي ستسحبني إلى مكان سحيق وستطلق العنان لأرواحي السبعة، فقط ناديني أمي وستتكفل بإخراج باقي المسلسل التعيس، ناديني أمي هي ستذرني ملحًا في مسامات الحياة فمن وهبك الحياة أفهم بها.
إن جننت ياسيرين لا تدعيهم يلمسوني، حذاري، ناديني أمي. وويل للبشر من عذاب السنين.
إن مسني للشيطان بمس أو جنون، حذاري أن يلمسني أحدًا ياعيوش، حذاري أن تسمحي لهم فيذرفون علي كلماتهم، حذاري يا عيوش.